الحكومات والمصارف..ما زالت المواجهة مستمرة بقلم زياد الغامدي

الاقتصاد الآن

708 مشاهدات 0

القطاع المصرفي

أمام سلطات المال في العالم الغربي الكثير من العمل لإصلاح القطاع المصرفي الملوث بالممارسات المشينة. المصارف الغربية التي تسببت في أزمة الرهونات العقارية التي تأثر العالم كله بسلبياتها - وما زال - والتي ثبت تورطها في أنشطة غسيل أموال تجار المخدرات والإرهابيين، والتي ثبت أيضا تورطها في فضيحة اللايبور، التي تنسف نظرية تحديد أسعار الفائدة من قوى العرض والطلب من أساسها، ثبت أخيرا أنها تقدم ملاذا آمنا للمتهربين من دفع الضرائب المستحقة عليهم. هذه الضرائب التي كانت المصارف أول من استفاد منها في الأزمات التي لولاها انهار النظام المصرفي في العالم برمته. ضرائب تستحقها دول قدمت الخدمات ووفرت بيئات عمل لرجال أعمال لتحقيق ثروات طائلة, ثروات يتهربون من أداء الأموال المستحقة عليها بكل دناءة وخسة. والغريب هنا أن عددا من المصارف الغربية ما زال يكابر، بل يتبجح بألا علم لها بتهرب رجال الأعمال هؤلاء من دفع الضرائب المستحقه عليهم. إلا أن بعضهم أقر واتخذ إجراءات مناسبة، كمصرف باركليز الذي أغلق قسم الضرائب الذي كان يقدم استشارات لعملائه (لتسهيل تهربهم من الضرائب)، كما أقر المصرف بعدم أخلاقية هذا العمل.

موظف سابق (وساخط) في ''إتش إس بي سي'' قام بتسريب عدد كبير من أسماء المتهربين من ضرائبهم لحكوماتهم، نتج عنها استرداد أموال تقدر بمئات الملايين من الدولارات. أحد المتهربين من الضرائب يرأس مجلس إدارة أحد أكبر وأشهر بنوك أوروبا وإسبانيا، واسترجعت منه حكومة إسبانيا 200 مليون يورو. وفوق هذا خرج رئيس مجلس إدارة البنك هذا على وسائل الإعلام وبكل وقاحة مدعيا أنه (لم يكن على علم بحساباته). عقاري بريطاني استرجعت منه الحكومة البريطانية ما يقدر بـ550 مليون جنيه استرليني جراء تهربه هو الآخر من دفع الضرائب. والقائمة تطول وتحتوي على ما يزيد على عشرة آلاف اسم لمتهربين من الضرائب وغيرهم من المخالفين والمطالبين بأموال لحكوماتهم.

هذا ليس أسوأ ما صدر من مصارف الغرب بلا شك، لكنها حلقة مهمة في مسلسل المواجهة التي بدأتها سلطات المال في العالم التي تمخض عنها إجراءات إصلاحية مهمة، لكن غير كافية بلا شك. ما زال هناك كثير من التعقيدات التي لم تحل، وما زال هناك كثير من الثغرات التي يجب أن تملأ، ثغرات استغلتها المصارف ونتج عنها كوارث ومآس بشرية لم نخرج منها بعد. وما زال هناك مجرمون يسرحون ويمرحون وكأن شيئا لم يحدث. أما دعوات عدد من المسؤولين الحكوميين المصارف لتحسين علاقتهم وصورتهم في المجتمعات التي يعملون فيها، فلا تثير سوى السخرية المبكية طالما كان القائمون على المصارف يتمتعون بحصانة شبه أبدية، كما تثبت ذلك الأحداث المأساوية المتلاحقة.

ما زالت الحكومات الغربية في بداية طريق إصلاح القطاع المالي بشقيه المصرفي والتأميني، ورغم صلابة الموقف الرسمي للحكومات الغربية، إلا أن عددا من المصارف الغربية ما زال يراوغ ويتهرب من تحمل مسؤولياته في الإصلاح. كما أن تمتع القائمين على المصارف (بحصانة) شبه مطلقة، إن لم تكن مطلقة، لا يساعد أبدا على تسريع وتيرة الإصلاح، كما يشكل علامة استفهام كبيرة جدا حول مدى الجدية في إصلاح هذا النظام لتفادي الكوارث المالية في المستقبل. لا بد للمواجهة أن تكون أكثر صرامة وقوة، كما لا بد من تحميل كل فرد مسؤولية أعماله. حتى التصريحات المستفزة التي تصدر من القائمين على هذه المصارف والتي لا تدل إلا على عقلية متخلفة متغطرسة غير آبهة بعواقب الأمور. أقول حتى التصريحات يجب أن يحاسب عليها القائمون على هذه المصارف .. لا بد أن يكون الحزم مع هؤلاء السفلة سيد الموقف.

الآن - العربية

تعليقات

اكتب تعليقك