صالحين نعلو.. فاسدين نسقط..! ... بقلم عواطف العلوي
زاوية الكتابكتب يوليو 31, 2013, 9:34 ص 1061 مشاهدات 0
الكويتية
عواطف العلوي
ليست معادلة فيزيائية صعبة يتحتم علينا استرجاع كل قوانين أينشتاين لحلها، ولا شفرة رياضية معقدة تستدعي الاستنجاد بفيثاغورس وتراثه لفك رموزها.. ولا معضلة شائكة يصعب على العقل ذي الذكاء المتوسط أو حتى المنخفض فهمها..!
بل هي ببساطة علاقة عكسية واضحة وضوح الشمس بين مستوى الفساد ومستوى دخل الفرد في أي بلد في العالم.. علاقة وثيقة بديهية يدركها حتى الأعمى؛ فكلما ارتفع منسوب الفساد في البلد انخفض مستوى دخل الفرد ومستوى الخدمات فيه.. والعكس بالعكس..!
حلقة أحمد الشقيري من برنامجه خواطر عرضت قبل أيام تلك المعادلة بأمثلة ملموسة على أرض الواقع وبأرقام وإحصائيات مرصودة تدعم تلك العلاقة العكسية بين الفساد ومستوى المعيشة الكريمة للفرد.. استشهد بعدة دول تعيش نفس الظروف وتمتلك نفس الموارد مثل كوريا الشمالية والجنوبية اللتان كانتا بلدا واحدا وانقسمتا إلى دولتين عام 1950، واليوم لا يزال دخل الفرد في الشمالية ألف دولار فقط سنويا.. ثابتا كما هو لم يتغير منذ ستين عاما بعد الانقسام، بينما بلغ دخل الفرد في الجنوبية عام 2010 ثلاثين ألف دولار سنويا، والسبب تفشي طاعون الفساد والدكتاتورية والحرمنة في الشمالية في حين قُضِي عليه تقريبا في الجنوبية وتم توفير الحياة الكريمة والعيش بأفضل معايير الجودة والتقدم لمواطنيها.
ومثال آخر رأيناه في مدينة نوغالوس في ولاية أريزونا الأميركية، والتي يقسمها جدار حديدي إلى جزأين: الشمالي الأميركي.. والجنوبي المكسيكي، فكانت الصور التي عرضتها كاميرا البرنامج خلال جولتها في كل من القسمين شاهدا حيا على ما خلّفه تفشي الفساد والرُّشَى والمحسوبيات من فقر وتدنٍّ لمستوى الخدمات في القسم المكسيكي.. مشاهد فوضى وقذارة بائسة لم نرها في القسم الأميركي من المدينة، على الرغم من ان القسمين يعيشان في نفس الموقع والظروف والموارد.. وأظنكم أدركتم السبب!
نعم، تلك حقيقة وأرقام وليست مبالغة أو مجرد كلام للتسويق إعلاميا، وللعلم.. فإن الفساد يهدر سنويا، حسب دراسات البنك الدولي، 40 بليون دولار سنويا في عالمنا العربي.. كل دولار يُهدَر بسبب الفساد، يتسبب بخسارة اقتصاد الدولة بمقدار 1.7 دولار!
ومن المحزن جدا أن تكون من بين أسوأ عشر دول في معيار الشفافية العالمية، ثمانية دول إسلامية! أمر مؤسف ومخالف للمنطق والتوقعات!
والكويت ليست بمنأى عن هذا الفساد، بل هي للأسف من الدول الأكثر فسادا في العالم، وبدلا من أن تعمل على تحسين أدائها ومكافحة بؤر الفساد في حكومتها، تراجعت العام الماضي في مؤشر مدركات الفساد عالميا من المركز 54 إلى المركز 66، وعربيا من الخامس إلى السادس، وخليجيا هي في المركز الأخير..!
تدركون الآن سبب تدهور اقتصادنا.. سبب فقداننا الثقة بسلطتنا.. سبب تحول المستثمر الأجنبي لاستثمار أمواله في بلدان أخرى تنعم بمستوى عال من الشفافية والنزاهة وهيبة القوانين وسيادتها.. تتصورون الآن كم من مليارات الدنانير استنزفت من ثروات البلد بسبب الفساد والمصالح الخاصة والقوانين المطاطة التي تحمي مصالح المفسدين بدلا من ان تحجمها.. تتخيلون كم كان يمكن أن يرتقي مستوى معيشتنا وخدماتنا الصحية والتعليمية والبيئية لولا هذا الفساد..!
الفساد يا سادة كائن ظلامي يترعرع في الظلام والعفن، بينما التقدم يحتاج إلى بيئة تنيرها شمس الشفافية والوضوح وتسقيها حكومة رشيدة نزيهة تدرك أنها موضع محاسبة ومساءلة مستحقة إن هي قصرت أو أساءت استعمال سلطتها وتصرفت بمقدرات البلد لتحقيق مكاسب خاصة لها أو انحرفت عن الصراط المستقيم..!
أرجع وأقول..هل فات الوقت لمحاربة الفساد؟ لا.. لم ولن نفقد الأمل.. فالدول التي قضت على الفساد لم تأت حكوماتها من المريخ.. هي إجراءات نتبعها إن أخلصنا النية بالقضاء عليه، أهمها شعب حيوي لا يسكت عن الخطأ، وبرلمان قوي يُنتَخب ليقاوم الفساد لا ليكون جزءا منه، وقضاء مستقل، وقوانين نافذة على الجميع، ومزيدا من الشفافية في الميزانيات والعقود العامة. فهل هذا مستحيل؟!
تعليقات