المرأة السعودية في معارك الثقافة.. بقلم خليل حيدر
زاوية الكتابكتب يوليو 30, 2013, 10:41 م 1970 مشاهدات 0
الوطن
أفكار وأضواء / المرأة السعودية.. في معارك الثقافة
خليل علي حيدر
«أينما تجد اسم المرأة ستجد نزاعاً! لذا، تضيف الشاعرة السعودية «ملاك الخالدي»، «يجب ان يؤمن المجتمع بالمرأة كعنصر اساسي تشاركي في المجتمع، ومن ثم يتركون لها الحرية في الاختيار دون اوصياء يقررون عنها وباسمها يجب ان تتحدث المرأة عن نفسها وباسمها وتقرر، ومن ثم تمارس العمل الثقافي وفق رؤيتها ان المرأة السعودية يمكن ان تنتصر لنفسها ثقافيا واجتماعيا» (الشرق الأوسط 2012/1/15).
سجلت المرأة السعودية حضورا ثقافيا واضحا خلال السنوات الاخيرة، رغم صراعها المتصل مع القوى المكبلة الثلاث: التفسير السلفي المتشدد للدين والقيم العربية القبلية الذكورية البالغة المحافظة، وغياب القوانين العصرية في مجالات مهمة لحماية حقوقها.
الصالونات الثقافية النسائية في مقدمة الجهد النسائي لتوحيد الصف واثبات الوجود. وكانت مدينة جدة اول مكان في المملكة يشهد قبل نحو ثلاثين عاما ميلاد اول صالون ثقافي نسائي، لتعم الظاهرة بعد ذلك عدة مدن، حيث لا تعدم هذه الحواضر السعودية حاليا صالونا او اكثر، حيث قدر عددها قبل عامين بنحو 16 صالونا مع تصدر مكة المكرمة مدن المملكة في عدد الصالونات الثقافية النسائية تليها جدة ثم المدينة المنورة والرياض والمنطقة الشرقية. ومن اوائل هذه الصالونات صالون الفنانة التشكيلية «صفية بن زقر»، وصالون د. مها فتيحي وصالون الشاعرة سارة الخثلان في الدمام. وتقول د. فتيحي ان فكرة تأسيس الصالون كانت تراودها منذ الطفولة ومنذ الشباب وصادف ان زارتنا المتخصصة في الدراسات الشرق أوسطية الامريكية الدكتورة مريم كوك للالتقاء بمثقفات سعوديات واديبات، ولم يكن لنا مكان يجمعنا، وعرضت ان يكون منزلي هو الصالون، وتمت دعوة الاديبات والمثقفات، وكن حوالي 50 سعودية ما بين ادبية وكاتبة». (القبس، 2011/11/28).
وتحدثت الشرق الاوسط في فبراير 2012 عن افتتاح اول صالون نسائي في الاحساء «يناقش اوضاع المرأة واجواء الربيع العربي». ونقلت عن صاحبة الصالون «دنيا الجبر» انها كانت تفكر في الاعداد لهذا الصالون منذ فترة، واضافت: «لا ارغب في ان ابدأ مباشرة في تناول المواضيع الشائكة، فاهتمامي المبدئي هو بقضايا المرأة والاسرة، لكن السياسة موضوع سيتم طرحه، وبما ان الاديبات المشاركات هن من دول عاشت الثورات مثل سورية وتونس، فمن المتوقع ان يتم تناول تأثير هذه الثورات على واقع الادب في تلك الدول». (2012/2/7).
وتتحدث تقارير ثقافية عن بروز الكاتبات والمساهمات النسوية في صحافة المملكة وطرح بعض القضايا الجريئة غير المسبوقة «التي تتساءل عن وضعية المرأة السعودية وقضاياها وحقوق المواطنة والمساواة، والخروج من ربقة القيود الذكورية التي فرضت عليها في التعليم والتوظيف والمشاركة في الراتب من قبل الاب والاخوة، كما فرضت عليها في الميراث، وفي الخطبة والزواج والمهور والسفر والترحال، هذا فضلا عن قيود الملابس وغطاء الوجه والرأس ومنع الاختلاط ومنع ممارسة الرياضة والفن والغناء والموسيقى وقيادة السيارات». (جريدة ايلاف، 2010/8/1).
كان القلم النسائي قبل اكثر من عقد رمزيا مترددا، يختبئ خلف الخواطر والوجدانيات. واليوم، يقول مقال عبدالله السمطي في «ايلاف»، صارت المرأة السعودية اكثر جرأة في طرحها، بعد ان تمردت على مقولة «الدرة المصونة والجوهرة المكنونة»، وباتت كلماتها «تضرب في صميم المسألة الاجتماعية والادارية والثقافية والاقتصادية.. وحفزت الغيرة النسوية من شهرة بعض الكاتبات وتداول اسمائهن اعلاميا وثقافيا واجتماعيا وحتى دينيا في المنابر والخطب، الكاتبات الاخريات لقراءة قضايا الشأن العام».
الدكتورة ثريا العريض تقول ان في الصحافة اليوم انفتاحا اكبر، و«المجتمع السعودي بات يتقبل لغة الحوار، وفكرة المجتمع الذي يسود فيه الحوار». قضايا الزواج واستغلال المرأة والانحياز في تفسير النصوص الدينية لا تزال بارزة في اهتمامات الكاتبات، «الزواج والطلاق، والسخرية من قرارات فصل الزوجين لعدم تكافؤ النسب، وزواج المسنين من البنات الصغيرات، وآخرها قضية القصيم وزواج سبعيني من طفلة في الثامنة من عمرها، وفتوى بعض الشيوخ بجواز ذلك اذا تحملت الطفلة شدة الوطء». (ايلاف 2010/8/1).
واشتكت الكاتبة السعودية حليمة مظفر في القبس الكويتية ان «اكثر مشاكل المجتمع التنموية والتطويرية والاقتصادية يعيقها التقليديون والاصوليون. المشكلة في فهم هذا الدين، ونتيجة لسيطرة العادات والتقاليد المتوارثة من الاعراب في الجاهلية الذكورية التي تتعامل مع المرأة بدونية، وتأثر كثير من الفقهاء العرب بها، استنطقوها في النص الشرعي بما يتفق مع هوى المجتمع الذكوري، وتمت شرعنة مجموعة من العادات والتقاليد باسم الدين، وهذا هو اكثر ما يحاصر المرأة ويضيق عليها، للاسف تم تعريب الدين الاسلامي لا اسلمة العرب» (2010/8/5).
في هذه المقابلة انتقدت الناقدة والاديبة السعودية حليمة مظفر الليبراليين السعوديين ايضا: «يبدو ان المرأة ازمة لدى الفقهاء والليبراليين ايضا، عند من يدعي الليبرالية من السعوديين المزدوجي الفكر والسلوك. المثقفات اكثر جرأة في طرحهن من المثقفين الرجال».
الاديبة «زينب غاصب» تهاجم بشدة بعض انواع الزيجات السرية المنتشرة وتعتبرها «شرعنة» للدعارة، لان الاصل في الزواج الاعلان عنه، وتنتقد احتكار الرجل لقضايا المجتمع والتحدث فيها بل وحتى ما يخص المرأة! لكن الوضع اختلف الآن، تقول زينب، «بعد ان اصبحت المرأة تكتب وتحاور وتأتي بالحلول للكثير من قضاياها الخاصة بها، وبلغتها المنسجمة مع ذاتها». الاديبة زينب غاصب اثارت لغطا بين رواد المنتديات، لاسيما المحافظة منها، بقولها «الاسلام ساوى بين الرجل والمرأة في كل الحقوق والواجبات، وفيما عدا درجة القوامة التي تسقط في حالة اخلال الرجل بواجبات القوامة. فليس لرجل فضل على امرأة، مهما كان درجة قرابته، وهو لا ينفق عليها، او هي التي تنفق عليه ويأكل من عمل يدها، او هو الذي استولى على ميراثها، او تزوجها وتركها مع اطفالها تمد يدها وتتسول». (جريدة إيلاف الالكترونية 2012/1/21).
على صعيد الاندية الثقافية، سجلت المرأة السعودية عام 2011 «اربعة اهداف حاسمة وصادمة ومثيرة، في اول عملية انتخابية لاختيار مجالس ادارات الاندية الادبية في السعودية في حائل، وتمكنت اربع نساء من دخول اول مجلس ادارة منتخب، وهن الجوهرة سعود الجميل وعائشة صالح الشمري وشيمة محمد الشمري وهند محيمد الفقيه». (الشرق الأوسط، 2011/7/3) غير ان الكثير من المثقفين والعاملين في المجال الثقافي، يقولون مراسلة الصحيفة من جدة، انتقدوا «عزوف عدد كبير من الاديبات السعوديات والمثقفات عن خوض غمار انتخابات عضوية الاندية الادبية بالشكل المتوقع الذي كان يفترض ان تكون عليه نخبة المثقفات السعوديات خاصة في المدن الكبرى مثل جدة». وحول عزوف كثير من الاديبات والمثقفات عن المشاركة، كما ورد في التقرير، انتقدت الروائية قماشة العليان ما يجري في الاندية الثقافية من انتخابات وترشيحات بانه «مفتقد للعدل والانصاف.. هذه الشروط والضوابط تصلح لاي مكان الا النوادي الادبية. في الفترة الماضية خضت تجربة الانتخابات وللاسف لم ار اي تغيير ايجابي، الامر الذي جعلني انا وغيري من الاديبات والمثقفات نفقد الامل في ان يتغير الحال، لذا من الافضل ان يتفرغ الاديب للادب ويترك الامور الادارية». وهذا ما تؤكده د. لمياء باعشن في الصحيفة نفسها: «على الرغم من انني تقدمت ورشحت نفسي فانني ارى هذه الخطوة غير مجدية، لان لدينا لائحة واضحة وانشطتنا معروفة ومحددة، لذا لا اعتقد ان هذه الانتخابات ستضيف شيئا. حدودنا كادباء ومثقفين معروفة منذ بداية الاندية الادبية والسقف الموجود لا يمكن لاحد ان يتعداه». واشتكت د. باعشن كذلك من «ضعف ثقافة الانتخابات في السعودية» قائلة: «الشخص عندما يذهب لينتخب فهو يفكر بشكل شخصي جدا، هل هذه الانتخابات ستعود عليه بالنفع، فالموضوعية مازالت ضعيفة واحساسنا بمسؤوليتنا بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب مازال ضعيفا». ولاحظت د. باعشن ان الكثير من الاشخاص الذين يذهبون الآن للانتخابات هم بعيدون جدا عن الساحة الثقافية ولا يعرفون طريق النادي». (2011/1/12).
اما الاميرة عادلة بنت عبدالله بن عبدالعزيز فقالت ان مبادرات المرأة السعودية المثقفة «واضحة وجيدة، ولكنها متواضعة» ودعت الاميرة عادلة في حديثها للصحيفة المرأة السعودية» لتحمل مسؤولية الحراك الفكري في المجتمع والاسهام في التغيير الاجتماعي الايجابي، وذلك لقيادة المجتمع بفكرها، لا ان تقودها الجموع بعفويتها. ونأمل من وزارة الثقافة والاعلام الاتجاه لدعم التمكين الثقافي للمرأة، من خلال توسيع حضور المرأة في الوزارة، مع اهمية تحديد جائزة للبرامج التي تدعم مكانة المرأة السعودية في المجتمع، وجائزة للمثقفات المساهمات في تنمية المجتمع». وعن صورة المرأة السعودية في وسائل الاعلام وبخاصة التلفزيون قالت ان البرامج «تفتقر الى معالجة الواقع الحقيقي للمرأة في المجتمع». وقالت ان معظم هذه الصور «تقدم المرأة دون طموح او وجهة نظر في القضايا العامة، اما تقليدية في المنزل واما امرأة عاملة ضيعت الاسرة». ومن اهم ما اشارت اليه الاميرة عادلة، «دراسة صادرة عن الامم المتحدة في 2010، اظهرت ان عدم توازن الفرص بين الجنسين في السعودية، انتج ما نسبته %76 من الخسائر في التنمية البشرية، واعلى نسبة في العالم العربي في اليمن».
واشتكت د. باعشن في ورقة لها بملتقى المثقفين الثاني هذا التهميش الذي تعاني منه المرأة المثقفة في وزارة الثقافة والاعلام» وبخاصة استبعادها من اللجنة الاساسية لوضع لائحة الاندية الادبية، وحذف تاء التأنيث لكون كلمة «اديب» تشمل الجنسين.
وقالت د. ثريا العريض ان حضور المرأة لا يتناسب مع وجودها الفعلي احصائيا، اذ تمثل %50 من خريجات المؤسسات التعليمية. (2011/12/28).
كان هذا الشد والجذب مع وزارة الثقافة والاعلام، ضمن معارك المثقفات السعوديات مع الجهات الرسمية. وكانت المرأة السعودية المثقفة، قد تلقت في الفترة نفسها صدمة جارحة لكرامتها.. خلال انتخابات مدينة «الباحة»، جنوب غربي المملكة. فقد اثار وجود امرأة على منصة انتخابات مجلس ادارة النادي الادبي في الباحة خلافا بين اعضاء الجمعية العمومية. وطالب المعترضون بنزول الدكتورة «سعاد المانع» عن المنصة او «تغطية وجهها»، حيث كان يجلس بجوارها وكيل وزارة الثقافة والاعلام د. ناصر الحجيلان، ومدير عام الاندية الادبية عبدالله الكناني، ومندوب امارة المنطقة محمد المانع وممثل عن الشؤون القانونية.
وعند بداية نقل الاجراءات تلفزيونيا تعالت اصوات المعترضين على «ان وجود امرأة تمثل المثقفين امر مرفوض». وتقول صحيفة الشرق الاوسط، 2011/11/15، ان المعترضين واصلوا المطالبة وقوفا بان تلبي اللجنة الانتخابية مطلبهم «والا سيتقدمون للجهات الرسمية بشكوى اعتراض على ما سموه الخروج عن «السنة» في عدم كشف المرأة لوجهها امام الرجال، والا فانهم سيقاطعون الانتخابات، ووصف المعترضون بعض الموجودين بـ«العلمنة، مبدين خشيتهم من ان تصبح الباحة طرفا في هدم كيان الوطن، كما حدث لدولة بني امية! وقال احد المعترضين: ان ما يحدث في الرياض وجدة وغيرها لا يمكن تطبيقه في الباحة. واستمر المعترضون في رفع اصواتهم في بهو القاعة بعد ان تدخل رجال الامن وبقيت د. سعاد المانع في مكانها، حيث انتهى التصويت بعد نصف ساعة، واعلنت النتائج بعد فوز امرأتين للعضوية.
واشار د. الحجيلان الى ان د. المانع معينة من قبل وزير الثقافة والاعلام، وانها قامة اكاديمية وفكرية لها مساهماتها المتميزة.
من جهتها، عبرت د. المانع عن صدمتها من الموقف بقولها «هذا يحدث لي لاول مرة في حياتي»، معتبرة ان الباحة قد جعلتها في حرج امام الجمهور، واضافت: «المرأة ليست عورة، ووجودها على منصة علم وثقافة وادب لا يعتبر وصمة عار».
تعليقات