نظام الصوت الواحد في الميزان

زاوية الكتاب

كتب 3130 مشاهدات 0


عندما نظرت لأسماء الفائزين في انتخابات مجلس 'الفرصة الأخيرة' - كما وصفه البعض - وجدتهم ينتمون لمشارب عائلية وأطياف قبليه مختلفة وقارنت ذلك بمدى الفرح الذي اراه في وجوه أبناء هذه القبائل والعائلات فبدأت فعلا اتلمس وأتفهم تأييدهم لمرسوم الصوت الواحد. نعم لنقولها بإنصاف - مع شيء من التحفظ الخجول- اذا نظرنا لمرسوم الصوت الواحد - بتجرد ومن هذه الزاوية تحديدا- فلا نستطيع إلا أن نقول بأنه منصف وعادل نوعاً ما، فالكل يعرف ان الدوائر الانتخابية كانت - ومازالت- تعيش خلل بنيوي اجتماعي كبير وذلك بسبب احتكار بعض القبائل والعوائل دون غيرها لمقاعد البرلمان. فالحد الأدنى للمقاعد البرلمانية 'المحسومة' لنواب قبيلتي العوازم والعجمان في الدائرة الانتخابية الخامسة مثلاً هو 4 مقاعد نيابية إن لم تَزِد على ذلك, وهذا الحسم الحتمي - وبدون أدنى شك- قد ظلم فعلا بقية مكونات المجتمع في تلك الدائرة الانتخابية والتي وجدت نفسها مضطرة للتنافس على مقعد أو مقعدين في أحسن الاحوال. وكذلك الأمر بالنسبة للتمثيل النيابي في الدائرة الانتخابية الرابعة التي ظلت تحتكرها قبائل الرشايدة ومطير ( 4 نواب لكل منها في أسوأ الاحتمالات) ولم تكن قبيلة عنزه مثلاً تحلم بأكثر من نائب واحد فقط,  وها هي الآن لديها 3 نواب وكذلك الأمر بالنسبة لقبائل شمر والظفير والعداوين والصلبة وبقية المكونات الاجتماعية التي أصبح لها الآن تمثيل نيابي في هذه الدائرة الانتخابية وهو أمر لم تكن تحلم به في السابق ولو لمجرد الحلم! لذلك علينا أن نتفهم و ألا نستغرب ترحيب هذه القبائل لنظام الصوت الواحد الذي تعتبره منصفاً لها باعتبارها أقليات مهمشة. وقل الأمر ذاته في الدوائر الحضرية (الأولى والثانية على وجه التحديد وكذلك الثالثة نسبيا) فلم تعد هذه الدوائر محتكرة لنواب العوائل النجدية  أو الحضرية الأخرى من السنة والشيعة. بل ان الشيعة حصلوا على تمثيل نيابي في الانتخابات الماضية وفي الدوائر الانتخابية ذات الكثافة القبلية ( الرابعة والخامسة) وهو أمر كان من قبيل المعجزات.

وفي هذا السياق نستطيع أن نفهم جيدا لماذا يعارض بعض السياسيين المنتمين للمعارضة مرسوم الصوت الواحد, فها هو أحد النواب السابقين في المعارضة لم يخفِ دوافعه القبلية في رفض مرسوم الصوت الواحد، فقد صرح علناً  في إحدى الندوات الخاصة بأبناء قبيلته - محاولا بطبيعة الحال حثهم على المقاطعة - حيث قال مجاهراً : 'مالكم شيء مع مرسوم الصوت الواحد' أي انكم ستفقدون مقاعدكم البرلمانية! وهذا بدون شك منطق سقيم جعل الكثير من شباب الحراك المخلص والنزيه يتردد ويراجع نفسه فيما يخص مثل هذا النوع من الخطاب بل انه احد اسباب تراجع ما يسمى جدلا بالمعارضة في الكويت, حيث اخذت هذه المعارضة - الى حد ما - طابعاً قبلياً جعلت الكثير من أبناء الحاضرة على وجه الخصوص يتوجس منها, بل ان هناك شباباً من ابناء بعض القبائل- ومنهم نخبة ومثقفين - اخذوا يدعون للمقاطعة لا لمشروع سياسي حقيقي واستراتيجي له علاقه بالحراك الديمقراطي المدني بل لأسباب قبلية بحته. لذلك نقول بانه اذا كان نظام الصوت الواحد هو نظام فاسد عند البعض فيجب أن نعترف أيضا بأن نظام الأربع أصوات هو بلا شك أكثر فساداً برأي البعض الآخر.

ونلاحظ أيضا أن بعض من يعارض الصوت الواحد - لأسباب قبليه أو مصلحيه- قد حاول جاهداً وبلا طائل ان ينسب كل اشكال الفساد لهذا النظام الذي لم يتنفس الصعداء الى الآن وهذا ما لمسناه بوضوح في عبارات السخرية والتهكم - بل والتخوين أيضاً- مِن كل ممَن يشارك في الانتخابات وفق نظام الصوت الواحد، وغني عن البيان بأن تلك المحاولات مجحفة وغير موضوعية كما أنها غير أخلاقية أيضاً، فليس كل من شارك أو ترشح وفق هذا النظام هو سيئ أو خائن أو 'خبل!' فهناك من الشباب الأخيار والمخلصين الذين شاركوا بحسن نيه خصوصا ان ما يسمى جدلا بالمعارضة  قد اعطتهم - بشكل أو بآخر- هذا المبرر في المشاركة وهم لا يشعرون- لا العكس - وذلك حينما ضيّعت المعارضة وقتها وجهدها في تشتيت الحراك وإدخاله في أتون الجدل العقيم من جهة وكذلك حين طالب الشباب المعارضة مرارا وتكرارا بأن تقدم مشروع دوله حقيقي يستحق التضحية من جهة أخرى. فلا هي قاطعت لمبرات منطقية ولا هي قدمت مشروع سياسي جدير بالثقة والمقاطعة. بل ووصل بنا الأمر الى اننا أخذنا نبالغ جداً في انتقاد مرسوم الصوت الواحد حتى جعلنا التفرقة القبلية والطائفية وشراء الأصوات هي بسبب نظام الصوت الواحد وكأنها ظواهر جديدة وطارئة على ممارستنا الانتخابية، وهذا أيضا منطق أعوج يدحضه الواقع والمعطيات التاريخية  فظاهرة شراء الأصوات التي تديرها 'مؤسسة الفساد' بشكل ممنهج وبميزانيات خاصة! كانت - وستبقى- موجوده في كل الانتخابات البرلمانية الماضية, كما لا يخفى على أحد أن ثمة اقطاب من المعارضة كانوا هم أنفسهم يمارسون شراء الأصوات ولو من خلف الكواليس! وكذلك الأمر بالنسبة للتناحر القبلي  - والطائفي أيضا- ففي كل الانتخابات البرلمانية الماضية كانت تبدأ أولا وقبل كل شيء بتنظيم الفرعيات أو التشاوريات والتزكيات بين ابناء القبائل والحواضر على السواء، بل ان هناك نواباً من  المعارضة  أتوا من رحم القبليّة ووصلوا للبرلمان من بوابة الفرعيات، فكأن من يعلن المعارضة والديمقراطية  وهو آتٍ من على ظهر القبيلة كمن يأتي للحكم على ظهر الدبابة ويرفع شعار المساواة والتسامح! فما هو الجديد إذن؟

لا نريد الدخول في نقاش مبررات رفض مرسوم الصوت الواحد وأهمها مبرر أو شعار 'التفرد في السلطة' وهو - كما نعتقد- أصبح كقميص عثمان 'كلمة حق يُراد بها باطل' فمن يقول ارفض هذا المرسوم لأنه فُرض على الشعب فرضاً ولم يأتِ من خلال البرلمان، نقول بأن من يطرح هذه الحجة علية عدم التمسك بها كثيرا. فالتفرد في السلطة - وان كان مرفوضاً- ليس جديداً على حياتنا السياسي بل ان نظامنا السياسي الأبوي قائم برمته على 'الحكم الفردي' ولا يعترف أصلا بالحرية جملة وتفصيلا، فمتى كانت لدينا ديمقراطية حقيقية إذن؟ ان تاريخنا السياسي يحفظ لنا العديد من الأمثلة لمظاهر التفرد في السلطة تبدأ من التعيينات في المناصب الحساسة الى فرض الأوامر والمراسيم الأميرية مرورا بالتقسيم والتوزيع العبثي للثروة, لكن ما يبعث على الغرابة حقاً هو ان من روّج ورفع شعار التفرد في السلطة قد شارك سابقا في انتخابات برلمانية أتت بمرسوم ضرورة اصدره الراحل جابر الأحمد  وفي غياب مجلس الأمة أيضا في ديسمبر 1980 والقاضي بتحديد الدوائر الانتخابية في 25 دائرة بصوتين, فلم يحتج على ذلك أحد بل شاركوا جميعهم بانتخابات الضرورة ولسنوات طويلة! منذ فبراير 1981 الى عام 2006 حيث تغيرت الدوائر لخمس دوائر بأربع أصوات. هنا أيضا نكرر نفس السؤال: ما هو الجديد إذن؟

بعيداً عن كل ذلك كله, علينا التفكير بروية وبهدوء وان نبحث عن الاشكالية الحقيقية لأزمتنا الراهنة في مكان آخر، وفي سياق مختلف وبعيد كل البعد عن سياق النظام الانتخابي وما يرتبط به من مصالح سياسية ضيقة. نعتقد ان الإشكالية ليست في نظام الصوت أو الأربع، فنظام الصوت وإن كان منصفاً برأي البعض إلا أنه نظام مشوّه ينقصه العمل الحزبي، أما نظام الاربع الاصوات فلا جدال بأنه نظام هجين وسيء. لذلك كله نقول بأن إشكاليتنا الرئيسية - كما نعتقد- هي في غياب نظام سياسي ديمقراطي قادر على صهر تلك التباينات الاجتماعية في مفهوم التعددية الحزبية والفكرية, وكذلك قادراً على منح هذه المكونات الحزبية والسياسية الحق في ممارسة التداول السلمي للسلطة, ولا يمكن لهذا النظام ان تقوم له قائمة في ظل نظامنا السياسي الأبوي الذي يدور في فلك الطرح والخطاب الفردي مما أنتج لنا خطاباً سياسياً فئوياً قبلياً  لا خطاباً حزبياً يقوم على برامج ومشاريع سياسية حقيقية.  ولا يخفى على ذو بصيرة أن مثل هذا النظام السياسي الجديد لا يمكن له القيام على ارضية وبيئة فاسدة يحتضنها دستور رعوي يجعل من الفساد مؤسسة تنتج وتعيد انتاج المزيد من الفساد بكل اشكاله الاجتماعية والسياسية.

بقلم د. أحمد عقله العنزي

تعليقات

اكتب تعليقك