إنتاج النفط الصخري خارج أمريكا غير اقتصادي بقلم عثمان الخويطر
الاقتصاد الآنيوليو 28, 2013, 10:14 ص 3241 مشاهدات 0
كنت قد كتبت مقالات عدة عن النفط الصخري ومدى تأثيره في مصادر النفط التقليدي الأوفر وجودًا والأدنى تكلفة. وأوضحت أن للنفط والغاز الصخري أهمية خاصة بالنسبة لأمريكا نفسها، أو كما قال الدكتور ليوناردو موقري عندما سماها ثورة النفط الصخري، هي ''ظاهرة أمريكية''. وذلك بعد أن فقدت أمريكا خلال العقود الماضية نسبة عالية من إنتاجها النفطي بسبب النضوب الطبيعي. وبينت في تلك المقالات صعوبة وتدني كمية الإنتاج، مقارنة بإنتاج النفوط التقليدية.
ومن أهم ما يميز إنتاج النفط الصخري قصر العمر الاقتصادي للبئر، الذي لا يتجاوز ثلاث سنوات، وضرورة حشد مئات من الحفارات وعدد كبير من معدات ضخ التكسير الهيدرولوكي المُكلفة في مناطق الإنتاج. وهو ما لا نشاهده في محيط آبار النفط التقليدي إلا نادرًا. وهذا الكم الكبير من الآلات والمعدات، إلى جانب القوى البشرية المدرَّبة التي تديرها، ليست متوافرة في الوقت الحاضر إلا في أمريكا. ولذلك فمن غير المحتمَل أن ينجح إنتاج النفط الصخري خارج الولايات المتحدة تحت الظروف الحالية، باستثناء كندا وربما الصين، إلا عندما يقترب سعر البرميل من 200 دولار، وهو أمر وارد بناء على ما نشاهده اليوم من النهم العالمي الكبير على استنزاف النفط التقليدي الرخيص الذي أوشك على بلوغ الذروة.
وذكرنا أن متوسط إنتاج بئر النفط الصخري في حدود 150 برميلا في اليوم، مقارنة بأكثر من أربعة آلاف برميل في حقولنا. وعمر البئر الاقتصادي لا يتجاوز ثلاث سنوات، مقارنة بأكثر من 30 عامًا لآبارنا. وهذا يتطلب إعادة التكسير الهيدرولوكي على فترات متوالية لتنشيط البئر أو حفر بئر جديدة. وهو ما يستدعي وجود عدد كبير من الحفارات الثقيلة فقط من أجل المحافظة على مستوى الإنتاج، وهو ما لا نتوقع توافره في كثير من الدول. فعلى سبيل المثال، يقدر عدد آبار إنتاج النفط الصخري في أمريكا حاليا بأكثر من عشرة آلاف بئر مُنتِجَة، لإنتاج ما يقارب مليونين و500 ألف برميل في اليوم فقط.
وعدد الحفارات المساندة لا يقل عن الأربعمائة، مع ما يتبعها من معدات الضخ ووسائل النقل. ونود أن نضيف أن هناك آلاف الآبار الإضافية التي كان قد تم حفرها، وهي إما أنها غير منتِجة من الأصل أو قد نضب محيطها وبُدِّلت بآبار جديدة. وعلى الرغم من تدني المردود المالي على عملية إنتاج النفط الصخري الأمريكي الذي يكاد يكون هامشيًّا عند مستوى الأسعار المتداولَة اليوم، إلا أن المنافسة على أشدها بين شركات الإنتاج التي يفوق عددها المائة.
وسبب تعدد الشركات المنتِجَة في أمريكا، كون الثروة النفطية هناك ملكا لصاحب الأرض. فكل مواطن يوجد تحت أرضه أي نوع من المعادن يتصرف فيها كيف شاء. ومن حقه أن يؤجر أرضه بما فيها من ثروات جوفية لإحدى الشركات المتخصصة من أجل استغلالها. ومن المعروف أن التكلفة الحالية لإنتاج برميل النفط الصخري تراوح بين 70 و80 دولارًا، رغم توافر جميع وسائل الإنتاج والمنافسة الشرسة بين الشركات العاملة في المجال، إلى جانب التسهيلات الممنوحة لهم من قِبَل الحكومة الأمريكية وتغاضيها عن المؤثرات السلبية في البيئة.
وسنفترض أن النفط الصخري خارج الولايات المتحدة له الخصائص وكميات الإنتاج نفسها التي في أمريكا، وهو افتراض مقبول، ما لم يثبت عكس ذلك. وعلى الرغم من وجود تقديرات أولية لاحتياطيات النفط الصخري القابل للإنتاج خارج الولايات المتحدة، كما جاء في تقرير جديد لإدارة معلومات الطاقة في أمريكا، التي تبلغ 280 مليار برميل، إلا أننا لن ندخل في جدال حول صحة التقديرات ونسبة الاستخلاص ولن نحدد الدول التي ستسمح لعملية التكسير على أراضيها أو التي أصدرت أو في طريقها لإصدار قوانين تحول دون حفر الآبار التي تحتاج إلى تكسير هيدرولوكي. فهذا شأن داخلي.
الذي يهمنا هو مقارنة بإنتاج النفط الصخري الأمريكي مع النفوط الصخرية في الدول الأخرى التي لا تمتلك الإمكانات الفنية والمالية واللوجستية والقوى البشرية المتوافرة في الولايات المتحدة. فمن أجل إنتاج مليون برميل من النفط الصخري، نكون في حاجة إلى خدمة أكثر من 250 حفارا على مدار الساعة. إضافة إلى ما هو مطلوب من معدات التكسير، ووسائل نقل ملايين البراميل من الماء والمواد الكيميائية والرمل والمضخات عالية القدرة، وآلاف الأيدي العاملة المدرَّبة. ثم ينتهي الأمر ببئر تنتج أقل من مُعدَّل 200 برميل في اليوم وتنتهي خدمتها بعد ثلاث سنوات. وبما أن تكلِفة البئر الواحدة في أمريكا تراوح بين خمسة وثمانية ملايين دولار، فإن تكلفتها خارج الولايات المتحدة ستزيد على الضعف، بسبب توريد وجلب المعدات اللازمة والقوى البشرية المدرَّبة.
مع عدم إغفال سعة مساحة الحرية في الأراضي الأمريكية التي يملكها الأفراد، مقارنة بالوضع الاجتماعي في كثير من البلدان الأخرى ذات الكثافة السكانية العالية. وهو ما يستدعي وجوب الكثير من الحذر واحتمال ارتفاع التكلفة. وستجد عديد من الدول والمؤسسات المعنية بمصادر الطاقة أنه من الأفضل أن يكون استثمارهم في مصادر الطاقة المتجددة النظيفة ما أمكن ذلك، بدلاً من الارتباط بالنفوط الصخرية المكلفة وغير محمودة العواقب.
ونؤكد مرة ثانية أننا نتحدث هنا عن النفط الصخري، وليس عن الصخر النفطي الذي لا يحتاج إنتاجه إلى حفارات ومعدات تكسير، لوجوده في الغالب فوق سطح الأرض. مع العلم أن عملية تخليص المادة الزيتية من الصخور النفطية أكبر تكلفة من عملية إنتاج النفط الصخري. ولم نتحدث أيضا عن الغاز الصخري الذي سنفرد -بإذن الله- له مقالاً خاصًا في المستقبل القريب.
تعليقات