انحسار 'الحضارة الغربية' ومستقبل العالم.. بقلم خليل حيدر
زاوية الكتابكتب يوليو 24, 2013, 10:44 م 911 مشاهدات 0
الوطن
أفكار وأضواء / ماذا نفعل.. إذا سقطت الحضارة الغربية؟!
خليل علي حيدر
هل باتت أيام «الحضارة الغربية» معدودة، في ظل تكاثر أزماتها، كما يؤكد بعض المحللين والمؤرخين، أم أنها تعاني بعض الأمراض والمشاكل، ولكنها لا تزال قادرة على الصمود والاستمرار وتجديد نفسها.. وإدخال شعوب جديدة تحت مظلتها؟!
وهل الإسلاميون على حق، وهم يؤكدون منذ عشرات السنين، اقتراب لحظة الانهيار التي يتمنونها لخصمهم العنيد في الميدان، أم أنهم ربما يحصون الأشجار اليابسة الميتة.. في غابة لا تزال خضراء واسعة الامتداد؟
هل ما نرى اليوم على الساحة الأوروبية من أزمات سياسية ومالية واجتماعية، من مقدمات تحقق النبوءة، أم أن هذه أعراض جانبية ومشاكل لها أسبابها المؤقتة، ولا يمكن أن تكون مقدمة لحدث تاريخي.. بحجم «سقوط الحضارة الغربية»؟
وهل إذا انهارت أوروبا وسائر دول الغرب، تحت تأثير وثقل أي مشكلة أو أزمة قادمة، سيبقى الانهيار محدوداً بتلك المنطقة الحضارية والدول، أم أن مثل هذا الحدث الجسيم سيحطم كذلك الحضارة البشرية برمتها، ويأتي على مصالح آسيا وأفريقيا.. والعالم العربي والإسلامي؟
هذه بعض الاسئلة التي غدت ملحة تدريجياً مع ظهور مجلدين ضخمين بالألمانية في التاريخ العام سنة 1918، لمؤرخ لم يكن واسع الشهرة يدعى «اوزوالد شبنغلر» (1880 – 1936) تحت عنوان Der Untergang des Abendlandes، سرعان ما ترجم إلى الانجليزية ابتداء من عام 1926 بعنوان «The Decline of the West» سنبحث محتويات وظروف صدور هذا السفر، الذي ترجم كذلك للغة العربية، في مقال لاحق. أما هنا، فأود أن أعرض للقارئ بعض ما نشر حول احتمالات زوال الحضارة الغربية، وبخاصة مع تفاقم أزمة اليورو وصعود الأحزاب اليمينية وغير ذلك.
«ما مدى تأثير انهيار الغرب على النظام العالمي؟» يتساءل الكاتب الإيراني «أمير طاهري» طارحاً السؤال الذي كما يقول بات «يشغل دوائر المفكرين حول العالم». حيث تتزايد الإشادة بنهوض الكتل الآسيوية وتنامي دورها الريادي، فيقول محلل صيني أن أوروبا تحولت إلى متحف للسياح القادمين من الدول الناشئة»، وتتنبأ وكالات الأنباء الإيرانية باقتراب النهاية الوشيكة للشيطان الأعظم.
ولكن الغرب لم يعد محصوراً بأوروبا وأمريكا! فحتى آسيا واستراليا وغيرها تمثل اليوم مراكز مهمة.. للحضارة الغربية!
وربما أمكن تقسيم المحللين والمؤرخين والكثير من الناس عبر العالم، وبخاصة العالم الثالث والعالم الإسلامي، إلى «انبهاريين» و«انهياريين».. ازاء الحضارة الغربية.
ونعود إلى طاهري فنراه يستبعد انهيار هذه الحضارة فإذا نظرنا إلى الاتحاد الأوروبي وأمريكا الشمالية وجدنا المنطقتين تمثلان «%10 من سكان العالم و%60 من الاقتصاد العالمي، ويوجد بهما %90 من الابتكارات العلمية والتكنولوجية». وعلى الرغم من الازدهار الثقافي في الكثير من المناطق في العالم، يضيف طاهري، «فإن الأدب الغربي والفنون لا تعطي أي دلائل على الانهيار» على الصعيد السياسي والإنساني، نجد الغرب خالياً من سجناء الرأي، «كما يحقق الغرب عامة تقدماً يفوق المتوسط العالمي في العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص» [2012/2/17، الشرق الأوسط].
ما يورده «طاهري» مجرد نماذج من أدلة حيوية الحضارة الغربية وقدراتها. ومن الممكن سرد حقائق وأرقام وإرشادات تستغرق المجلدات. ولكن لا مفر في المقابل من الأخذ بعين الاعتبار الانتقادات اللاذعة التي يسردها «الانهياريون» في وجه هذه الحضارة، والكثير منهم كما لا يخفى، ومنذ أيام رائدهم الألماني «شبنغلر»، من صميم رجال الدين المسيحي والمؤرخين الأوروبيين.
من هؤلاء أستاذ زائر بجامع هارفارد «دومينيك مويسي» Moisi ويثير مسألة هامة هي التراجع السكاني لبلدان الرجل الأبيض، فبحلول منتصف القرن الحالي، سيشكل العالم الغربي %12 فقط من سكان العالم، وسيتقلص تعداد الأوروبيين إلى %6 فقط من تعداد سكان العالم، وللمقارنة، في عام 1913، وقبل عام واحد من اندلاع الحرب العالمية الأولى، كان عدد سكان أوروبا أكثر قليلاً من عدد سكان الصين على المستوى الاقتصادي، يضيف د.مويسي، سيمثل الغرب حوالي %30 من الناتج العالمي، وهو المستوى الذي يماثل حصة أوروبا في القرن الثامن عشر، والتي هبطت من %68 في عام 1950.
ويقول: «لقد أصابت الشيخوخة المؤسسات السياسية الأمريكية والبنية الأساسية للبلاد. وكانت هذه المؤسسات قد نشأت منذ أكثر من قرنين من الزمان في عالم أغلبه زراعي، واليوم بات من الضروري تعديل هذه المؤسسات وتجديد شبابها، لكن هذا قد لا يكون في الإمكان، وذلك بسبب النظرة القدسية التي يرى بها العديد من الأمريكيين دستور الولايات المتحدة» [الجريدة، 2011/2/21].
ويكتب «جاكوب أوغسطين» في مجلة «دير شبيغل» الألمانية عما يعتبره «زوال كيان الغرب بمفهومه القديم»، فيقول: «كانت كلمة «الغرب» تحمل معنى كبيراً في السابق، فكانت تصف أهدافاً وقيماً مشتركة وتبدي احترام الديموقراطية والعدالة على الطغيان والاستبداد، لكن يبدو الآن أن هذا التوجه أصبح من الماضي. لم يعد لكيان «الغرب» أي وجود، ويحق لكل من يريد استعمال هذه الكلمة إلى جانب ذكر أوروبا والولايات المتحدة في الجملة نفسها، ان يشعر بالقلق والتردد». «وفق جميع المعايير»، يختتم هذه النقطة قائلاً، «لم تعد الولايات المتحدة دولة غربية باي شكل». ويعدد الكاتب من سلبيات هذه الدولة وقوع نظام حكمها «في يد النخبة»، ودخولها في حربين مكلفتين في السنوات العشر الاخيرة. ويقول ان البلد «تبتعد اكثر فاكثر عن جوهر الديموقراطية.. وعلى صعيد آخر، أصبح التفكك الاجتماعي داخل البلد صادماً، إذا يستأثر اغنى اغنياء أمريكا، نحو %1 من الشعب، بربع دخل البلد الاجمالي علما بان هذا الرقم كان يبلغ %12 منذ 25 عاماً. لقد اصبح التشاؤم الاجتماعي واللامبالاة الجماعية اللذان كانا يطبعان في المقام الاول دول العالم الثالث رمزاً يطبع الولايات المتحدة اليوم. وينطبق الامر نفسه على الثقافة السياسية المتفككة في الولايات المتحدة. لقد اصبح الكُرْهُ نزعة مألوفة اليوم في الثقافة السياسية الامريكية» [الجريدة 2011/8/10].
إن المرأة الاوروبية لا تريد ان تثقل حياتها المهنية بالاطفال ومشاكل تربيتهم. وقد كانت المانيا من اكثر دول اوروبا خصوبة، ولكن الديموغرافيين يؤكدون اليوم «ان المرأة في المانيا ترتبط زوجيا ً ولكنها لا تنجب مبكراً. ومن المحبط ان الكثير من الالمان لاينظرون الى الاطفال على انهم عنصر ثراء، حيث ان اقل من نصف النساء اللاتي لم ينجبن يعتقدن ان انجاب طفل خلال السنوات الثلاث المقبلة يمكن ان يزيد من سعادتهن بالحياة، ان المانيا بلد قليل الخصوبة، فلا يكاد يكون هناك بلد آخر في العالم تتخلى فيه النساء عن الانجاب بمثل هذا الشكل، 1.36 مولود لكل اسرة». [الشرق الاوسط، 2012/12/19].
ولا يمكن بحال اعتبار اي مشكلة المانية كبرى كانحدار الخصوبة وتلقص حجم الاسرة قضية اجتماعية المانية بحتة، بسبب الدور القيادي والاساسي الذي تلعبه المانيا في الاتحاد الاوروبي على اكثر من صعيد. ففي الايام الغابرة، يقول «اولريخ بيك» في مجلة «فورين بوليسيي، «كانت المانيا القوية اقتصادياً تثير قلق جيرانها، والآن بات الركود الالماني يسبب القلق نفسه. فالمانيا هي في النهاية محرك التكامل السياسي والاقتصادي الاوروبي». ويشير «بيك»، وهو استاذ علم الاجتماع في ميونيخ، واستاذ كلية الاقتصاد والسياسة في لندن، الى ان من الكتب الالمانية المهمة التي صدرت قبل تسع سنوات، 2004، وبيع منه نصف مليون نسخة كان Das Methusalem – Komplott لناشر صحيفة المانية كبرى وهو «فرانك شيرماخر». وكتابه في الواقع رسالة متشائمة يؤكد فيها «بان الشعب الالماني يواجه شيخوخة سكانية كارثية وانهياراً اجتماعياً». ويحذر من حرب وشيكة بين الاجيال، ذلك ان «البشرية تشيخ بمعدل لم يسبق له مثيل، والالمان بحاجة الى حل مشكلة شيخوختهم بانفسهم من اجل حل مشكلة العالم». وستتعقد الامور على نحو أسوأ، يقول، بسبب تداخل هذه الشيخوخة مع قضايا هجرة الاجانب الى المانيا وحرب الثقافات، فيحذر من «موجة هائلة من الشبان الوافدين من بلدان اسلامية. وخلال حياتنا، لن نجد مفراً من صدام الثقافات الارهابي».
ويرسم د. «بيك» جوانب اخرى من حياة الالمان فيقول: «لم يعد لالمانيا حدود قومية فعلية، وباتت واحدة من كل ست زيجات المانية مختلطة الجنسيات. كما لم يعد هناك اي وجود للعملة الوطنية الالمانية «المارك». ومعظم قوانينها اوروبية المصدر تمت صياغتها في بروكسيل».
ويشكل الخوف من الهجرة الاسلامية عنصراً اساسياً في نمو احزاب اوروبا اليمينية المتشددة، وتهدد العنصرية تقويض اسس منظومة القيم الاوروبية، وتضع دول مجتمعات القارة امام حقائق وصراعات جديدة، ففي السويد يرفض «الحزب الديموقراطي مبدأ «التعددية الثقافية» ويعزو ارتفاع معدلات الجريمة في البلاد الى المهاجرين، ويطالب بوقف الترويج لتعدد الثقافات. ويظهر حزب «الفنلنديون الحقيقيون» المتشدد عداء سافراً للمهاجرين، تماما مثل حزب الحرية الهولندي الذي يتميز بعدائه للاسلام والمسلمين ويرفع شعار «جرائم أقل، مهاجرين اقل مسلمين اقل». اما «حزب الشعب الدنماركي» فقد تأسس العام 1988 واكتسب خلال فترة قصيرة شعبية واسعة مكتسحاً بقية الاحزاب اليمينية، وتمكن من الحصول على %14 من الاصوات في الانتخابات الاخيرة. ويشتهر بحملاته وافكاره ضد المسلمين والمهاجرين بشكل عام، ويطالب بحظر بناء المساجد، ويشدد على ان المسيحية جزء لا يتجزأ من الحياة الدانماركية، كما يرفض بالطبع التحول الى مجتمع متعدد الاعراق، وتؤكد الفرنسية «مارين لوبان» زعيمة «الجبهة الوطنية الفرنسية»، التي ورثت عن أبيها قيادة هذا الحزب المحسوب على اليمين المتطرف. وقد خففت من لهجة أبيها «جان ماري» ضد المهاجرين والاسلام، ولكنها ما خلت تكرر وتؤكد بان فرنسا ليست «خلافة او دولة اسلامية»، ووصفت العولمة بانها «تسونامي ثقافي وتشرنوبل اخلاقي».
ولم تخل بلدان اوروبا الشرقية من مثل هذه الاحزاب القومية المتشددة. ففي بلغاريا مثلاً، تشكل حزب اسمه الهجوم او «أتاكا» سنة 2004، واستطاع خلال فترة قصيرة من الانتشار شعبياً، مستقطباً الفئات الرثة والعناصر القومية المتعصبة المعادية للمسلمين واليهود والغجر في البلاد، وتمكن في انتخابات العام 2009 من ايصال 16 نائباً الى البرلمان [الوطن، 2011/8/3].
نحن بالطبع لا نعرف ولا نجزم بما قد يحدث في اوروبا وامريكا خلال العقدين القادمين مثلاً، ولكن هل سيكون العالم افضل حالاً.. مع انحسار «الحضارة الغربية»؟
تعليقات