علينا تغيير نظرتنا للمضاربة في الأسهم بقلم فهد الحويماني

الاقتصاد الآن

1640 مشاهدات 0

ارشيف

تأخذ كلمة المضاربة في سوق الأسهم السعودية معنى سلبياً يدل على الطمع والاستغلال وحب المال والإضرار بالآخرين، فنجد هيئة السوق المالية تعلن حرباً على المضاربين، فتكبل أيديهم وتقذف عليهم المعوقات والشروط والضوابط التي تعوق عملهم وتجعلهم في خوف دائم من توجيه الاتهامات التي قد تكبدهم خسائر كبيرة، بل قد تؤدي بهم أحياناً إلى السجن. فهل المضاربون وباء على السوق المالية؟ وهل ما تقوم به الهيئة ضدهم مبرر سليم من ناحية اقتصادية وقانونية؟ وهل النظرة الشعبية للمضاربة سليمة؟

أولاً، هناك خلط كبير بين مفهوم المضاربة ومفهوم التلاعب بالسوق، الأمر الذي أطلق العنان لهيئة السوق المالية لضرب الصالح والطالح وسن التشريعات التي أضرت بالسوق ولا تزال تؤثر في حركتها وتعوق تقدمها. وقد ذكرت في مقال سابق أن علينا إعادة النظر في لائحة سلوكيات السوق الصادرة من الهيئة كونها تحتوي على عدد من المغالطات والثغرات ذات التأثير السلبي في السوق.

المضاربة تعني قيام شخص بشراء وبيع سلعة ما بقصد المتاجرة، وهي موجودة منذ القدم وتمارس في شتى المجالات، من العقار إلى السيارات إلى البضائع المستعملة، بل إن جميع الأعمال التجارية تعتبر نوعاً من أنواع المضاربة، كونها عبارة عن شراء سلع بسعر وبيعها بسعر آخر بأسرع وقت ممكن. وفي سوق الأسهم المضاربة تأخذ أهمية قصوى نظراً لديناميكية حركة الأسهم وصغر حجم الصفقات الممكن تداولها، فيكون من الضروري وجود من لديهم الاستعداد بمد المتعاملين بالأسهم في أي وقت من الأوقات، وكذلك شراء أسهم المتعاملين متى أرادوا بيع أسهمهم. في الواقع إن وجود سوق أسهم بدون مضاربين لا يختلف عن سوق عقارية لا يوجد فيها مضاربون، أو سوق سيارات مستعملة لا يوجد فيها مضاربون. هل على من يرغب في شراء قطعة أرض الانتظار إلى أن يجد مالكا غير رأيه في أرض يمتلكها بنية بنائها فقام بعرضها للبيع؟ هنا قد ينتظر الشخص الراغب في بناء منزله فترة طويلة ليجد الأرض التي يريدها، فتسير الأمور بالمصادفة لا من خلال سوق فعالة.

تتوالى الدعوات كثيراً في أن على الشخص الاستثمار على المدى الطويل، وهو أمر مرغوب به بلا شك، ولكن هل نتوقع أن جميع المتعاملين سيستثمرون على المدى الطويل؟ ولو حدث هذا المطلب العجيب بالفعل، فمن أين لمستثمر جديد - ممن ينوي الاستثمار على المدى الطويل- الحصول على ما يريد من أسهم، إذا كان الجميع مستثمرين على المدى الطويل؟ المضارب هو الشخص الذي يحرك السوق ووجوده مطلوب في أي سوق كانت، وليس فقط في الأسواق الخالية من صناع السوق النظاميين الملزمين بعقود تجبرهم على الشراء والبيع في الوقت نفسه على مدى ساعات التداول، كما في سوقنا. سبق أن وصفت المضاربين بزيت الماكينة الذي يجعلها تدور وتتحرك، وأن التشريعات التي تلقى في وجه المضارب كمن يكث التراب في زيت الماكينة.

إن المعوقات التي أوجدتها هيئة السوق المالية في طريق المضاربين عديدة، ابتداء من عمولات التداول الباهظة، التي سبق أن ذكرت أنها تبلغ في المتوسط نحو 2.3 مليار ريال سنوياً لصالح البنوك والوسطاء ــــ هذا عدا ما يذهب لهيئة السوق المالية و'تداول' ــــ وأن هذه المبالغ لا تتناسب مع التكلفة الفعلية على البنوك والوسطاء، ناهيك عن أنها تأتي مقابل خدمة متدنية ورديئة. يتأثر المضاربون من هذه العمولة كونها تحد من قدرتهم على مد السوق بالسيولة اللازمة. كذلك وضع وحدات تغير لحركة الأسعار بشكل عشوائي ومخالف لما هو متبع في الأسواق المتقدمة وحتى بعض الأسواق الإقليمية، وهي الخمس هللات و15 هللة و25 هللة، التي توقع المضارب في خسارة فورية حالما يشتري السهم. يضاف إلى ذلك تشريعات كثيرة في غير محلها، مثل ساعات التداول المخالفة لجميع الأسواق، حيث لا أعلم عن أي سوق يبدأ التداول فيه عند الساعة 11 صباحاً، والتي لا نعلم إن هي تمت بقناعة أم تماشياً مع رغبات بعض البنوك مما يفضل أخذ قسط كافٍ من الراحة قبل بدء التداول. أضف إلى ذلك التفسيرات الضيقة والخاطئة للائحة سلوكيات السوق 'وقد كتبت مقالاً عنها في هذه الصحيفة'، حيث إنه بسبب غموض اللائحة هناك من يتحاشى المضاربة برمتها.

خلاصة الكلام إن المضاربة ضرورية ومهمة جداً في أي سوق، والمضاربون يقومون بأدوار اقتصادية مهمة، بدونهم تتوقف الأسواق عن العمل، وتفقد السوق المالية خاصيتها المهمة في تسهيل عملية انتقال ملكية الأسهم من شخص لآخر وفعاليتها في جلب رؤوس الأموال للشركات، وبالتالي دعم الاقتصاد ككل. وهذا لا يعني ألا يكون هناك ضبط لعمليات التلاعب التي من الممكن أن تحدث، ولكن هذا أمر آخر يجب عدم الخلط بينه وبين المضاربة الصحية التي هي سمة من سمات الأسواق.

الآن - الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك