ضخ المعلومات وتعزيز التنمية بقلم عبد العزيز الغدير
الاقتصاد الآنيوليو 17, 2013, 11:33 ص 1122 مشاهدات 0
جودة القرارات مرتبطة ارتباطا وثيقا بجودة التحليل للقضية أو الحالة أو المشكلة التي سيتخذ القرار بشأنها، وجودة التحليل مرتبطة ارتباطا وثيقا بجودة المعلومات من حيث الدقة والعلمية والشمولية والحداثة، والمثل الأجنبي يقول 'قاربج إن قاربج أوت' بمعنى إذا كانت المدخلات مخلفات فستكون مخرجاتك مخلفات أيضاً.
الفقرة أعلاه هي محصلة حوار دار بيني وبين مجموعة من الزملاء والأصدقاء بشأن قدرتهم على اتخاذ قرارات استثمارية أو تنموية في مجال أعمالهم الحكومية والخاصة في ظل نقص في المعلومات الحديثة والدقيقة والذي يؤدي بالتبعية لضعف مخرجات عملية التحليل، ومن ثم القرار التنموي سواء استثمارياً أو تطويرياً أو علاجياً على المستوى الفردي أو مستوى المجتمع أو المنشآت بأنواعها كافة.
الغرب الرأسمالي وبعد ممارسات طويلة توصل لحقيقة أن التنمية الحقيقية تتطلب تمكين المواطنين من الوصول للمعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام وأدرك أنه ومن مصلحة تحقيق الأهداف التنموية لا يمكن تقييد حق الوصول للمعلومة إلا بمقتضى القانون كحماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني وحماية أمن الدولة الداخلي والخارجي ولذلك وضع الغرب المتقدم ومن سار على نهجه حق الوصول للمعلومات في الدساتير ووضع العقوبات القاسية لكل من يمنع المواطن من الوصول للمعلومة باعتباره مسؤولا فاسدا يدعو للتعتيم وعدم الوضوح وإلحاق الضرر بالوطن.
أيضاً وكما يعلم كل من يتعامل في سوق الأسهم وبقية الأوراق المالية جعلت الأنظمة حق الوصول للمعلومة لجميع المتعاملين بنص النظام من خلال قواعد وإجراءات الإفصاح، وكذلك وضعت لوائح حوكمة الشركات لتمكين جميع الأطراف ذات الصلة بالشركة المساهمة وأسهمها أو سنداتها أو صناديقها الاستثمارية من الوصول للمعلومة في الوقت نفسه دون تميز فئة على أخرى يمكن أن تستثمرها للبيع أو الشراء قبل الآخرين، وأعرف أن قوانين الأسواق المالية صارمة العقوبات في مخالفة أنظمة وقواعد الإفصاح والوضوح والشفافية، وبكل تأكيد سوق الأوراق المالية التي تمثل رافداً تمويلياً حيوياً للقطاع الخاص تنتعش وتنمو في ظل تطبيق هذه القواعد والعكس صحيح، حيث يفقد المستثمرون فيها والمتداولون لأوراقها الثقة بها ما يجعلها تفشل في تحقيق دورها التنموي لجميع القطاعات الاقتصادية.
ومن القصص التي تثبت أهمية المعلومة في تحقيق الأهداف التنموية ما قامت به إحدى شركات التطوير العقاري من نشر مكثف للحالة الإسكانية في بلادنا في عام 2005 وما تتوقعه من مشاكل مقبلة بالأرقام والفجوة بين المطلوب والمعروض سنوياً وما يتطلبه سد هذه الفجوة من استثمارات وتمويل. ونتيجة لهذا النشر اتخذ الكثير من المطورين قراراتهم بالاستثمار في تطوير المساكن بجميع أنواعها بأعداد كبيرة ردمت الفجوة بشكل كبير، كما حفزت هذه المعلومات الجهات التمويلية لتطوير آليات التمويل والاستثمار في مجال التمويل، كما حرك الجهات التشريعية لإعداد ومناقشة وإصدار أنظمة التمويل العقاري الجاري تطبيقها حالياً والتي سيكون لها أكبر الأثر في إعادة تشكيل خريطة الاقتصاد الوطني في البلاد فضلاً عن دورها في معالجة المشكلة الإسكانية.
وإذا تجاوزنا دور حق الإطلاع على المعلومات في مراقبة الأجهزة والهيئات الحكومية وفضح الفساد بجميع أنواعه والحد منه بما في ذلك سوء الإدارة واستغلال الموارد العامة لمصالح شخصية، أقول إذا تجاوزنا كل ذلك فإن حق الاطلاع على المعلومات من شأنه أن يزيد إمكانات جميع مؤسسات المجتمع في التصدي للقضايا التنموية وإيجاد الحلول اللازمة للمشاكل التي تواجهها أو يواجهها المجتمع، وأذكر هنا أن الكثير من مؤسسات المجتمع المدني التي تتصدي لقضايا صحية أو اجتماعية أو ثقافية أو اقتصادية تعاني نقصا حادا في المعلومات يجعلها تتخذ الكثير من القرارات اعتماداً على الظن أو الانطباعات الشخصية أو الدراسات الميدانية غير المكلفة والمتدنية الدقة والمصداقية وهو أمر ترتب عليه هدر كبير في الموارد وضعف كبير في فاعلية وكفاءة هذه المؤسسات.
حق الوصول للمعلومات وتوفيرها على الشبكة العنكبوتية يمكّن الطلبة من إجراء بحوثهم بسهولة ودقة كما يمكّن الصحافي من الوصول للأخبار الصحيحة وتمكنه من إعداد التقارير والتحقيقات والمقالات بسهولة وبشكل متقن وفعال، كما تمكن رجال الأعمال من إعداد دراسات جدوى أكثر دقة تمكنهم من صناعة واتخاذ قرارات استثمارية ناجحة ما يعود على البلاد بالخير والمنفعة من زيادة في الناتج الإجمالي المحلي ومن توليد لفرص وظيفية، أيضا الوصول للمعلومات الدقيقة والحديثة والشاملة يمكن النخب الفاعلة في المجتمع من تشكيل الرأي العام بشكل سليم يعزز قوة المجتمع في دعم عوامل التنمية بأنواعها كافة، وهكذا كل عنصر فاعل في المجتمع تمكنه المعلومات أن يكون أكثر كفاءة وفاعلية في خدمة نفسه والمجتمع والوطن في المحصلة.
حق الوصول للمعلومات يعالج مشكلة كبيرة أيضاً وهي مشكلة الشائعات ذات الأثر السلبي في القضايا التنموية، حيث تقتل المعلومات المتوافرة لكل باحث عنها توليد الشائعات ونشرها وتداولها وبناء القرارات على أساسها وفي مجتمعنا كم من مستثمر خسر الكثير من أمواله بسبب شائعات يبثها من يريد أن يحقق من ورائها مكاسب مالية سريعة دون حسيب أو رقيب أو رادع.
ختاماً: لا شك أن الإنترنت والمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي بدأت بتوفير معلومات كثيرة ونافعة للجميع، ولكن مع الأسف الشديد الكثير منها مجهول المصدر وغير علمي وغير مدقق وموثق، الأمر الذي يتطلب أن تقوم الدولة بمهمة توفير مركز معلومات موحد يُمكن المواطن من الحصول على المعلومات الدقيقة والعلمية والحديثة ليتمكن من صناعة القرارات السليمة التي تدعم في محصلتها خطط الحكومة التنموية بأبعادها كافة.
تعليقات