الاستقرار السياسي والاقتصادي..يكتب عدنان الشيحة

الاقتصاد الآن

734 مشاهدات 0

من الأرشيف

ما شهدته الساحة المصرية من أحداث متسارعة وتحولات كبيرة مثال حي على أن الاستقرار السياسي والاقتصادي لا يفترقان، ولا يمكن أن يتحقق أحدهما دون الآخر. مصر التي عانت أزمة اقتصادية خلال عقود لم يكن في مقدور إدارة الرئيس المنتخب محمد مرسي أو أي إدارة أخرى معالجتها في وقت قصير، لأن الأمر يتطلب تغيير هيكلة الاقتصاد المصري، ليس فقط بزيادة الإنتاج القومي، لكن ــ وهو الأهم ــ مع توزيع كفء وعادل للثروة. هذه الحلول طويلة المدى لا تلقى قبولاً لدى المواطن المصري الذي يتطلع لمستوى معيشي أفضل وحلول سريعة للمشكلات الآنية والملحة التي عاناها ردحاً من الزمان. وربما هذا الذي أفضى إلى الثورة العارمة، أو قد يكون أحد الأسباب المهمة التي أججت الاحتجاج ضد الرئيس مرسي. فقراراته، وإن كانت اقتصادياً في الاتجاه الصحيح، إلا أنها لم تكن سياسياً كذلك. المقصود أن الناس تريد حلولاً سريعة ولا تلتفت إلى العوامل التاريخية ولا إلى العوائق الخارجية، وليس لديها الاستعداد للانتظار طويلا لمعالجة مشكلاتها. هذا النفس القصير والضغوط المعيشية الطاحنة هي التي عجلت برحيل الرئيس مرسي، وأقول عجلت، لأن الوضع الاقتصادي تم استغلاله أو حتى إذكاؤه من قبل أطراف المعارضة إعلامياً وفي الشارع لتأزيم الوضع السياسي، ومن ثم تحقيق هدفها بإقالة الرئيس والاستيلاء على السلطة. ومع ذلك قد يكون هذا التحليل لما حدث من انقلاب في الشأن السياسي المصري تبسيطاً للواقع واختزالاً لوضع معقد تتداخل فيه أطراف عدة داخلية وخارجية اتفقت فيما بينها على إسقاط الرئيس المنتخب وعجلت برحيله من السلطة. البعض طرح مسألة تحكم حزب الإخوان المسلمين في السلطة كسبب للثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس مرسي، وهو أمر غير صحيح على الأقل في الإجراء الديمقراطي الذي يعتمد على حكم الأكثرية، وبما أن حزب الحرية والعدالة فاز بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية فحق له أن يضع السياسات التي انتخب من أجلها. وهذا ما نجده في جميع النظم الديمقراطية، ففي الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما يتولى الحزب المنتخب إدارة البلاد ويضع سياساتها الاقتصادية وتوجهاتها السياسية. تطبيق هذا النهج الديمقراطي يتطلب نضجاً سياسياً وقبولاً بالقرار الانتخابي. وكم هو عدد المرات التي نرى فيها المرشح المنهزم يبارك للمرشح الفائز في النظم الغربية ويتقبل ذلك بكل رحابة صدر ومهنية عالية. والفترة الرئاسية والعضوية البرلمانية محدودة زمنياً، وهي بذلك تمثل فرصة لتطبيق توجهات وآراء ومبادرات المنتخبين حتى إذا ما انقضت فترتهم تم تقييم أدائهم ونتائج برامجهم وسياساتهم، وعلى أساسه إما أن يعاد انتخابهم في حال حققوا ما يأمله الناس، أو يتم انتخاب غيرهم. وهكذا نرى أن العمل السياسي مبني على اجتهاد المنتخبين وحرصهم على تحقيق ما يطلبه الناخبون لضمان إعادة انتخابهم. إلا أنه في الحالة المصرية، وهي تجربة جديدة، لم ترغب المعارضة في انتظار الفترة المتاحة للرئيس المنتخب وضاقت ذرعاً ولم تتحمل السياسات التي تبناها، فسارعت بكل ما أوتيت من قوة داخلية وخارجية لإسقاطه. وهذا في واقع الأمر خطأ كبير تم اقترافه سيدفع ثمنه الشعب المصري لسنوات قادمة بفوضى وعدم ضبط اجتماعي وعدم استقرار سياسي، سيقود إلى عدم استقرار اقتصادي وستدخل مصر دوامة من العنف والفوضى السياسية.

إن ما حدث في مصر يتعدى كونه انقلاباً على رئيس منتخب إلى إفشال العملية السياسية الديمقراطية برمتها، والعودة مرة أخرى لحكم العسكر، لكن هذه المرة لن يتمكن الجيش من ضبط الأمور بسبب الانفلات الجماهيري والاحتكام للشارع لتكون هناك حالة من الفوضى الاجتماعية. إن الضمان لأي استقرار اجتماعي وسياسي واقتصادي هو في دولة القانون التي تحتكم إلى الإجراء السياسي والتعبير الحر والتفاوض تحت قبة البرلمان، كل ذلك داخل إطار من القيم الاجتماعية والمبادئ السياسية المشتركة. لا بد أن يكون هناك مشترك وطني يرتضيه الناس ليكون مرجعاً للاحتكام وتصريف أمورهم. هكذا فقط تهدأ النفوس وتستقر الأوضاع ويطمئن الناس ويكونون على بينة من الأمر وعلى علم بالوسائل الإجرائية الكفيلة بمعالجة مشكلاتهم ومناقشة قضاياهم وتحقيق احتياجاتهم وتطلعاتهم. ومتى استقر الناس على إطار قانوني تحقق الاستقرار السياسي، وتحسنت كفاءة القرار العام المسؤول عن وضع السياسات الاقتصادية والتوجهات التنموية، وهو ما يقود إلى الاستقرار الاقتصادي. لكن الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي يتطلب إصلاحاً سياسياً، ليس فقط في تطبيق الحوكمة من أجل الحكم الراشد، لكن بتحقيق العدالة الاجتماعية بتوزيع عادل للثروة. لكن الإشكالية التي تمنع من الوصول إلى حالة من النضج السياسي في مصر هو العبث الأيديولوجي والتحزب الفكري، حيث يكون النقاش عن المحاصة وتقاسم السلطة ومن يحكم من، وليس الاجتماع على قيم مشتركة تحقق العدالة والحرية والتنمية والعيش الكريم. لذا ما حدث في مصر كان من باب الشغب الفكري، وهو وراء الشغب في الشارع وتجييش الجماهير التي تعيش حالة من الذهول والجهل وعدم الاتزان والانقياد عاطفياً دون تفكير وتمعن فيما يجري حولهم. إنه أمر مخيف أن يقع في مصر ذات التاريخ والحضارة والإمكانات الفكرية والبشرية هذا السقوط الحضاري وفشل أبنائها في إدارة الاختلاف بالتفاوض ومن خلال الشرعية والعمل المؤسسي. لقد أحدث الانقلاب شرخاً كبيراً في المجتمع المصري وأعادها للمربع الأول، والأخطر هو الاعتقاد أن مصر لا تحكم إلا بالعسكر. وسيظل التناحر السياسي والتراجع الاقتصادي، وستدخل مصر دوامة من الشر لا يُعلم مداها. وسيطول تأثير ضعف مصر السياسي والاقتصادي باقي دول المنطقة، وربما أثر في الخريطة الجوسياسية. الدعم الاقتصادي السخي الذي ستحصل عليه مصر سيقلل من وقع الأزمة، لكن لن يعالجها، فالأمر يتطلب تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي وليس واحدا دون الآخر.

 

الآن - الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك