الاستبداد يرغم حتى أخيار الناس على ألفة الرياء والنفاق.. هذا ما يراه المطيري

زاوية الكتاب

كتب 1370 مشاهدات 0


النهار

الغاية والوسيلة خارج التغطية

ناصر المطيري

 

«إنَّ الشر لا يقتل الشر كما النار لا تُطْفِئ النار» (تولستوي)
يحكى ان أدولف هتلر كان يخفي تحت وسادته كتاب «الأمير» لميكافيللي لينام هانئاً فوق وصيته الشهيرة «الغاية تبرر الوسيلة». وتروي ذات الحكاية عن ستالين وموسوليني وفرانكو وغيرهم من الديكتاتوريين الذين أباحوا لأنفسهم استخدام أشنع أساليب القمع والاضطهاد من أجل غايات رسموها لأنفسهم وأهداف وضعوها فوق كل اعتبار!.
فالاستيلاء على السلطة والاحتفاظ بها خدمةً لمصالح فئة أو جماعة سياسية على حساب جموع الناس ورغماً عنهم، تقتضي استعمال ما يلزم من قهر واستبداد لفرض نظام سياسي يروج له على انه الخير العام، وتعاد من منظور أخلاقي صياغة التسميات والتوصيفات ليصبح كل معارض لهذا النظام أو مناهض لمصالح سادته، شراً مطلقاً لا يستحق الوجود وحتى الحياة. ليقلب الاستبداد كل المثل الخيرة والقيم الانسانية كي يديم امتيازاته ويحمي مكاسبه فيعمم أخلاق الخنوع والذل والدجل والوشاية.
وهنا نستذكر ما نبه اليه الكواكبي قبل أكثر من مائة عام وكأنه يتحدث عن واقع اليوم الذي نعيشه فقال: «بأن الاستبداد يتصرف في أكثر الميول الطبيعية والأخلاق الحسنة، فيضعفها أو يفسدها أو يمحوها.. هو يقلب القيم الأخلاقية رأساً على عقب ليغدو طالب الحق فاجرا وتارك حقه مطيعا، والمشتكي المتظلم مفسدا، والنبيه المدقق ملحدا، والخامل المسكين صالحا أمينا. ويصبح تسمية النصح فضولاً والغيرة عداوة والشهامة عتواً والحمية حماقة والرحمة مرضاً، وأيضاً يغدو النفاق سياسة والتحايل كياسة والدناءة لطف والنذالة دماثة، وأنه أي الاستبداد، يرغم حتى الأخيار من الناس على ألفة الرياء والنفاق، ولبئس السيئتان، وأنه يعين الأشرار على اجراء غيِّ نفوسهم آمنين من كل تَبِعة، ولو أدبية، فلا اعتراض ولا انتقاد ولا افتضاح».
فليس ثمة غاية مهما بدت سامية أو مقدسة يمكن ان ترتفع فوق حق الانسان المتساوي في الحياة والحرية والكرامة. وبالتالي من الخطأ ان نحرر وسائل الكفاح من معاييرها الأخلاقية ونقرنها فقط بما تسوغه المصالح والغايات الوطنية أو الطبقية أو الطائفية الضيقة مهما كانت عادلة أو مشروعة.
وهنا نذكر بسلوك رواد النضال السلمي مثل المهاتما غاندي ومارتن لوثر كينغ ومن ثم نيلسون مانديلا، وقد نجحوا في ايقاظ ضمائر الناس وحفز هممهم عبر مختلف الوسائل المدنية لمقاومة الاستبداد والاحتلال في آن معاً من دون التفريط بالأخلاق والقيم الانسانية.

النهار

تعليقات

اكتب تعليقك