حمد بن خليفة: تنحى وبقي بالقمة!
زاوية الكتابكتب يوليو 1, 2013, 8:20 ص 5958 مشاهدات 0
البقاء بالقمة رغم التنازل عنها
أتحاشى الكتابة مديحا للمسئولين في أي مكان قدر الإمكان، ورغم شرف معرفتي بسمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني التي تمتد سنينا، إلا أنني لم أكتب عن سموه يوما، ففي زمن اختلطت فيه إشادة المواقف بالنفاق والتكسب والاسترزاق، يتحرج القلم عن الكتابة عن المسئولين سدا لباب الشبهات.
لكن الشيخ حمد بن خليفة فرض على العالم كله أن يتوقف أمام ظاهرة غير مسبوقة في تاريخنا السياسي العربي والإسلامي الطويل، وألزم المراقبين والمحللين أن يحكوا رؤوسهم ويتمعنوا وينظّروا ويكتبوا لقمة تتنازل عن القمة وتبقى رغم ذلك فوق القمة. فالتنازل عن موقع إشرافي إداري في وزارة أو هيئة حكومية في عالمنا هي ضرب من المستحيل، ناهيك عن التنازل عن قمة السلطة في وقت تتمتع فيه قطر بالاستقرار والازدهار والأمن. فقد شهد التاريخ خلفاء السلطة الذين ترجموا الخلافة على أنها ثوب سربلهم الله به، وأن نزع ذلك الثوب حرام وغير جائز، بل إنه أم الكبائر السياسية في نظر قادة البطش العربي اليوم، حيث نشهد طغاة أتوا إلى السلطة بالدبابات وتربعوا عليها وسط برك من الدماء وحمامات، فذاك على استعداد أن يقتل كل شيء، ويحرق كل شيء، ويدمر كل شيء من أجل البقاء في قمة هرم السلطة، وهذا قتل ولا يزال مئات الآلاف من شعبه، وتنازل عن نصف أرض بلاده ثمنا 'بخسا' لبقائه في السلطة التي تولاها منذ عقود وعض عليها بالنواجذ والقواطع، وطاغية الشام حرق بلاده وشعبه ولايزال، وعلى استعداد أن يفني كل الشعب السوري على أن يتنازل ويرحل غير مأسوف عليه.
بكل تلقائية وثقة وهدوء، تنازل سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني عن إمارة دولة قطر لولي عهدها سمو الشيخ تميم بن حمد، ومن يعرف الشيخ حمد يعرف أن لا أحد سواه يمكن أن يقوم بهذه الخطوة التاريخية، فلم يكن متسلطا أثناء تاريخ حكمه، ولم يعرف عنه عنجهية الحكم، ولم تغره القوة والإمارة، بل العكس تماما: معروف ببساطته وشعبيته وسلوكياته الإنسانية التلقائية، فهو يوما مع عائلته الكريمة بسوق واقف، وآخر يحضر لعبة رياضة، وثالث يمشي في بهو فندق ليتناول الغداء مع كاتب أو مفكر أو أكاديمي،،، وهكذا.
لقد رأينا طغاة يحضرون مباريات كرة قدم جمهورها المخابرات، وشاهدنا دكتاتوريين يمثلون دور البساطة بمكان عام في حي أو ربما قرية أفرغت من ساكنيها من أجل تمثيل المشهد، لكن التلقائية والبساطة الطبيعية كانت رفيق الشيخ حمد في حياته الطبيعية اليومية.
لقد وضع الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بلاده في مصاف الدول المتقدمة، فنهضت بكافة مجالات البناء والتعليم والصحة والإعلام (الأخير قصة أخرى). وصار للبلاد أول دستور مكتوب وقوانين محترمة، وأصبح مواطنوها الأعلى دخلا، وتبوأت المكانة الأولى عربيا في محاربة الفساد، وأصبحت رقما سياسيا كبيرا في عالم السياسة الإقليمية والعربية بل والدولية، أي أن سمو الشيخ حمد كان مخلصا في عمله طيلة فترة حكمه، والإخلاص قيمة نفتقدها في كثير من مسئولينا بالمنطقة العربية، وحين قرر الترجل عن صهوة قيادة بلاده، ترجل وهي في أبهى صورها، واطمأن بأنه قد وضعها على سكة المستقبل، وبأن العودة للوراء مستحيلة.
تنازل الشيخ حمد بن خليفة عن قمة السلطة، لكنه تبوأ قمم أخرى لا توصل السلطة وحدها لها، فقد تربع على قمم قلوب شعبه وقمم التاريخ. تنازل طوعا استثمارا بالمستقبل عن قمة السلطة، ليتبوأ قمم جديدة يستحيل إزاحته عنها، بل هي قمم لا يمكن التنازل عنها حتى لو أراد الشيخ حمد ذلك.
سعد بن طفلة العجمي
تعليقات