الثورة الفرنسية؟​!

زاوية الكتاب

كتب 1826 مشاهدات 0


لا شك بأن التاريخ رافد مهم لبناء المستقبل ومن أقوى الركائز التي تستطيع عليه الأمم تشييد صروح الحاضر والمستقبل…فقراءة التاريخ بعين المتعظ المستبصر تساعد الإنسان على بناء مستقبله ومعرفة المجهول بالمعلوم…فالأحداث إذا تشابهت أسبابها أعطت نفس النتائج…فاستحضار التاريخ للاستفادة منه بقياس أحداث الحاضر على أحداثه من أهم أسباب تحصيل النتائج الايجابية أو تجنّب النتائج السلبية.

فالإستفادة من التاريخ تتوقف على مقدرتنا من كشف تشابه الأحداث وأسبابها وكلما كنّا أدق في القياس وتنزيل الحدث التاريخي وسببه على الحدث المعاصر المشابه له استطعنا تحصيل نفس النتيجة.

أمّا استدعاء الأحداث التاريخية البعيدة كل البعد عن واقعنا وقياسها على واقعنا فلا يساهم بحل المشكلة أو تحصيل المنفعة بل على العكس من ذلك يساهم في تعقيد المشكلة وتعسير التحصّل على المنفعة…علاوة على أنه يقلل من مصداقية الذي يفعله…فالناس عندما تحدثها عن أمم ووقائع بعيدة كل البعد عن واقعهم ثم تنذرهم بأنهم معرّضون إلى نفس مصير تلك الأمم لا تصدّقك وتظن بأنك أحد رجلين إمّا جاهل أو مجنون…؟!!

الكلام السابق ينطبق على بعض نشطاءنا السياسيين الذي أكثروا الكلام عن الثورة الفرنسية بعد حكم المحكمة الدستورية وسحبوها على واقعنا البعيد كل البعد عن الأحداث والأسباب التي حدت بالفرنسيين إلى الثورة ليخوّفوا الحكومة بعواقب استهتارها السياسي…؟!

والحقيقة أن الذي يقرأ عن أوضاع الفرنسيين قبل الثورة يتيقن بأن أوضاعنا تبعد عنهم بمسافة سنين ضوئية…فالفرنسيون كانوا يعانون الأمرّين تحت نظام الاقطاع الذي جعلهم يصلون النهار بالليل عملاً ليتحصّلوا على ما يسدّون به رمقهم وكانوا يسامون سوء العذاب ولا يملكون حتى أنفاسهم…فحياتهم كلها موقوفة على خدمة أسيادهم…وكانوا يُكلّفون بدفع الضرائب القاسية ليسدّوا عجز الميزانية الناتج عن فساد الساسة…أضف إلى ذلك أن رجال الدين الذين كان يجب عليهم نصرة المظلوم تقاسموا دماء الضعفاء وجهدهم مع الساسة…فلم يبق أمام الفرنسيين طريقاً غير الثورة…!

ولكن ماذا بعد الثورة؟

لم يجنِ الفرنسيون من الثورة سوى كتابة المواثيق الجميلة البعيدة كل البعد عن الواقع كما هو الحال في مصر الآن كُتب دستور قال عنه بعض المتخصصين بأنه أفضل دستور عرفه تاريخ مصر ولكن في ظل فوضى عارمة وهرج ومرج…والعجيب أن هذه المواثيق الفضفاضة كانت سبباً لقتل الناس…يقول إمام عبدالفتاح في كتابه الأخلاق والسياسة:(انقلبت الثورة الفرنسية العظيمة إلى ارهاب يجز رقاب الناس لأن القائمين عليها رفعوا شعارات ومفاهيم أخلاقية كالحرية والمساواة والإخاء…إلخ دون تقنين لها فساد 'قانون الاشتباه' كما يقول هيجل بحق…وبدأت المقصلة تتعامل مع الذين لم يوافقوا على الإعدام…ثم المعارضة أيًّا كانت ثم المشتبه في أنهم معارضة ثم المحتمل أن يكونوا معارضة وغرقت فرنسا في بحر من الدماء)…؟!!

ولم تقف هذه المجازر في حدود السنة أو السنتين بل ظلّ الناس يتجرّعون مرارتها قرناً كاملاً…يقول أحد كبار مؤرخي الثورة الفرنسية فرانسو فوريه:(إن تاريخ القرن التاسع عشر كله كان تاريخ الصراع بين الثورة والارتداد عليها)…؟!

فيجب على المتصدرين للكلام في الشأن العام أن يزنوا الأمور بموازين دقيقة ويكونوا قريبين جدًّا من الواقع لا كما هو الحال الآن سادت لدينا لغتين لغة حالمة جانحة نحو عالم مثالي لا فساد فيه ولا مشاكل…ولغة متشائمة تشبّه أوضاعنا بأوضاع الفرنسيين قبل الثورة…؟!!!

عبدالكريم دوخي الشمري

بقلم: عبدالكريم دوخي الشمري

تعليقات

اكتب تعليقك