من يدفع ثمن أزمة الديموقراطية هو البلد والشعب.. بنظر المقاطع

زاوية الكتاب

كتب 648 مشاهدات 0


القبس

الديوانية  /  أزمة الديموقراطية لدينا

أ.د محمد عبد المحسن المقاطع

 

لو تصفح أحدنا الكتابات التي سادت دول أوروبا الغربية، وفي مقدمتها بريطانيا، منذ بداية ستينات القرن الماضي وحتى بداية التسعينات منه، في خصوص اشكالية الديموقراطية لديهم، لوجد أنها تتلخص بمصطلح أطلق عليه crises of Democracy، أي أزمة الديموقراطية، وفحوى تلك الأزمة هو استبداد الأغلبية البرلمانية، رغم أنها حقيقة «أقلية»، لأنها تمثل ما بين %30 إلى %35 من الناخبين فقط، لكنها تحوز أغلبية المقاعد في البرلمان وتظهر برداء الأغلبية، في حين أنها أقلية، فأصوات ناخبيها لا تتجاوز ثلث الناخبين، وتتصرف بمنطق الأغلبية، كما أن الناخبين لا يتجاوز عددهم %30 من الشعب في أفضل الدول، بعد استبعاد كل فئات غير الناخبين أو غير المسجلين، فضلا عن انقاص أعداد من لم يشاركوا في الانتخابات، إضافة إلى أن حيازها الأغلبية البرلمانية مؤقت بمرحلة انتخابية محددة، وكل تلك اعتبارات تؤكد انحسار وصف الأغلبية عنها رغم تدثرها بردائها، إذ ان وضعها الحقيقي أنها أقلية، مما يعني انها ان استبدت وتفردت وأقصت الآخرين، فإنها اقلية مستبدة تتكلم بلسان أغلبية لا تمتلكها، ولذا سمي ذلك بأزمة الديموقراطية في دول أوروبا الغربية، لأن شرعية تمتع تلك الأغلبية بالحكم باسم الشعب رهن أمرين: أولهما الخضوع للمنظومة الدستورية، التي يجافيها الاستبداد والتفرد أو الطغيان والإقصاء، وثانيهما تمثيل الأمة بحسن تمكين الأغلبية بتمثيل مصالح الشعب لا مصالحها الخاصة، إلى جوار حفظ حقوق الأقلية ورعايتها.

واليوم إذا أردنا بحث أزمة الديموقراطية لدينا في العالم العربي، ولدينا تحديدا في الكويت، نجد أنه يمكن أن نوجزها بالأمور الآتية:

- ان كل عناصر أزمة الديموقراطية لدى الغرب السابقة متحققة لدينا، بل نزيد عليها الأمور اللاحقة.

- وجود حالة صارخة في التفاوت في تمثيل الأمة، فمن يدعي حيازته الأغلبية عبارة عن خليط غير متجانس من القوى السياسية والفئات الاجتماعية والعصبيات القبلية أو الطائفية أو الفئوية، التي تهدم تناقضاتها ركائز الدولة وأطر المشروعية فيها، لكن جمعتها مصالح خاصة آنية مضرة.

- غياب أي نظام قانوني يضمن شفافية وعلنية عمل المجاميع والكتل السياسية المختلفة، ويلزمها باجندات وطنية، ويفرض عليها رقابة حقيقية ـ هياكل وعضوية وماليا ـ مما أوجد تنافرا بين الشعب وبينها، وأضعف فرص وجود رأي عام مستنير وفعال.

- انطلاق الأغلبية، سواء كانت معارضة أو حكومية، من تصور خاطئ مؤداه أنها بمجرد حيازتها الأغلبية البرلمانية تملك التصرف بتفرد، وتجور على حقوق الأقلية والمستقلين، بل وحقوق المجتمع، فتتوالى منهم تشريعات وقرارات وممارسات تكرس هذة النزعة المنحرفة وتؤصل لها.

- غياب تشريعات وقواعد ضبط الانحراف في العمل البرلماني، الذي نتج عنه أن صارت تلك الأغلبية الوهمية بؤرة للفساد السياسي والتكسب الانتخابي والحاضن للانحراف الإداري، ومحطة للتبديد المالي، ومنبعاً لهدم القيم الوطنية، فلا قواعد لمنع تضارب المصالح تنفع، ولا أحكام لمنع استغلال العضوية تردع، ولا نصوص لوقف المتاجرة بالكرسي النيابي تشفع، ولا مبادئ لوقف التدخل في عمل السلطات الأخرى تقمع، فصار العمل البرلماني متدنيا، وهو يتدثر برداء الأغلبية المستبدة، التي لا تمثل إلا نفسها ومصالحها الضيقة، وهو ما حول الديموقراطية لدينا إلى ازمة حقيقية، ومن يدفع الثمن هو البلد والشعب، فلا عزاء للديموقراطية بهكذا أغلبية.

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك