الوقت الحاضر ليس مناسبا للتقشف في بريطانيا بقلم مارتن وولف

الاقتصاد الآن

1795 مشاهدات 0


 

تعتبر وزارة المالية البريطانية أن جون مينارد كينز أحمق. فقد اشتهر عنه قوله إن 'الطفرة، وليس الركود، هي الوقت المناسب للتقشف'. لكن وزارة المالية البريطانية، في ظل جورج أوزبورن، ترفض هذه النظرة. وكما كان الحال غالباً من قبل، الوزارة على خطأ.   هذا الجدال الذي شاع في الثلاثينيات يعاد طرحه الآن، حيث يلعب صندوق النقد الدولي دور كينز. ففي نشرة آفاق الاقتصاد العالمي لشهر نيسان (أبريل)، قال الصندوق: 'لأن الانتعاش الاقتصادي ضعيف نظراً للطلب الفاتر، ينبغي أن تنظر بريطانيا في إعطاء مرونة على الأجل القريب في مسار التعديل في المالية العامة'.   ومن غير المعتاد بالنسبة للصندوق أن ينتقد سياسات المالية العامة لبلد عضو في مجموعة السبع بسبب كونها متشددة. وهذا الأسبوع كانت أمام الصندوق فرصة لمتابعة هذه النصيحة بقوة في البيان الختامي لمشاورات المادة الرابعة، لكنه تراجع بسبب الخوف. ولا أجد ذلك مفاجئاً، فلا بد أن الضغط عليه للتراجع كان هائلاً.   صحيح أن الصندوق يؤكد أن بريطانيا 'لا تزال بعيدة عن الانتعاش القوي والمستدام'. ويضيف أن 'المخاطر لا تزال تميل باتجاه الجانب السلبي'، والواقع أن علامات التعافي هي مجرد لمعة هنا أو هناك. فقد توسع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تراكمية مقدارها 1.1 في المائة بين الربع الثالث من 2010، حين شرعت الحكومة في تطبيق برنامجها التقشفي، والربع الأول من 2013. وفي ذلك الحين كان الناتج لا يزال أدنى بنسبة 2.6 في المائة من المستوى الذي كان عليه قبل ذروة ما قبل الأزمة. وكانت حصة الفرد من الناتج أدنى بنسبة 6 في المائة عن مستواها قبل الأزمة. وكما بيَّن المعهد الوطني للأبحاث الاقتصادية والاجتماعية، فإن طول المدة التي كان فيها المعدل دون ذروة ما قبل الأزمة هي أطول فترة منذ القرن التاسع عشر. وكما ذكرتُ من قبل، توقف الانتعاش الاقتصادي عملياً في 2010.   وفي استعراضه للعدد الأخير من تقرير التضخم، يؤكد محافظ بنك إنجلترا، السير ميرفن كينج، أن 'معظم الاقتصاد – خصوصاً قطاعي الخدمات والتصنيع مجتمعين – سجل في الواقع نمواً بمعدل ثابت، وإن كان عادياً، مقداره 1.2 في المائة خلال 2012'. ومع ذلك حتى هذا النمو يعتبر ضعيفاً. فضلاً عن ذلك، لا نستطيع أن نقلل من أهمية الجمود الإجمالي بالإشارة إلى قطاعات معينة ذات أداء أفضل. وفي الاقتصاد الطبيعي يفترض دائماً أن تكون هناك بعض القطاعات الضعيفة، لكن ما الذي يحدث في القطاعات القوية؟ الجواب بالنسبة لبريطانيا: قليل. ما الذي ينبغي عمله إذن؟ يشير صندوق النقد إلى منهج متعدد الجوانب: من بين أشياء أخرى، ينبغي لبريطانيا الاستمرار في الأموال السهلة وإصلاح النظام المالي. وليس هناك إنسان عاقل يختلف مع ذلك، لكن ماذا يقول الصندوق حول سياسة المالية العامة؟ إنه يكتفي فقط بالطلب من الحكومة أن تأتي بالاستثمار الرأسمالي 'الذي من شأنه أن يساعد في تسريع الاستثمار الخاص وتحفيز النمو الذي تمس الحاجة إليه'.   وهذا الاقتراح بالفعل ليست له قيمة. ومن هذا الجانب أتفق مع زميلي كريس جايلز، لكن ليست هذه نهاية الموضوع. ومن المؤكد أن السياسة المالية العامة ليست هي الجواب عن كل شيء. فليس هناك من يعتقد ذلك، لكن في اقتصاد تكون فيه السياسة النقدية فاقدة للكفاءة، بسبب ضعف النظام المالي ولأن أسعار التدخل قريبة من الصفر، هناك حاجة أيضاً إلى استخدام سياسة المالية العامة. وينطبق هذا بصورة خاصة حين يكون لدى القطاع الخاص فائض هيكلي هائل من الدخل يزيد على الإنفاق. والهدف المزدوج لسياسة المالية العامة يجب أن يكون المحافظة على الطلب الإجمالي وفي الوقت نفسه تحسين العرض. وسبق أن رسم لنا الطريق أستاذان من جامعة هارفارد، هما كارمن راينهارت وزميلها كينيث روجوف: 'هناك ما يبرر اللجوء إلى مسار من الاقتراض العالي، بالنظر إلى الطلب الضعيف وأسعار الفائدة المتدنية، حيث تستطيع الحكومات تحديد مشاريع بنية تحتية تكون ذات عوائد عالية. إن الاقتراض من أجل تمويل مشاريع بنية تحتية منتجة يثير إمكانية النمو على الأمد الطويل، وفي النهاية يدفع بنسب الدين إلى الأدنى'.   ولنفترض أن الحكومة في 2010 أطلقت برنامجاً استثمارياً بنسبة 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي (بحدود 150 مليار جنيه). من الممكن – بل ينبغي – أن تشتمل هذه الاستثمارات على مشاريع للإسكان، إلى جانب البنية التحتية المعهودة. لكن سيتساءل المشككون، كيف كان من الممكن تمويل ذلك؟ مع أسعار الفائدة الحقيقية على المدى الطويل للغاية قريبة من الصفر، الجواب هو: بسهولة. وفي سياق برنامج استثماري مؤقت، تختفي المخاوف التي عبر عنها راينهارت وروجوف بخصوص الارتفاع اللاحق في أسعار الفائدة، حيث إنه من الممكن 'حبس' أسعار الفائدة المتدنية والإبقاء عليها. وكان من الممكن لبرنامج من هذا القبيل أن يكون منسجماً مع خطط التقشف في الإنفاق في الوقت الحاضر، على الرغم من أنه كان من الأفضل منطقياً لو تم تأجيل رفع الضرائب.   وقدر صندوق النقد الدولي أن التقشف الفعلي في المالية العامة البريطانية (بعد تعديله بحسب الدورة) خلال الفترة من 2010 إلى 2013، يبلغ 4.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا الرقم أعلى من إيطاليا أو إسبانيا. لكن الأداء اللاحق لبريطانيا قضى على المخاوف التي مفادها بأن استمرار العجز بمبالغ كبيرة من شأنه أن يؤدي إلى انفجار صاعد في أسعار الفائدة على المدى الطويل لبلد واقع في فخ السيولة. لاحظ أنه في ميزانية حزيران (يونيو) 2010، كانت التوقعات بأن يكون صافي إجمالي ديون القطاع العام في الفترة 2011-12 والفترة 2015-16 بحدود 322 مليار جنيه. وفي ميزانية حزيران (يونيو) 2013 كان صافي إجمالي الدين المتوقع بحدود 539.4 مليار جنيه. فهل أدت هذه الزيادة الهائلة إلى رفع أسعار الفائدة؟ الجواب: لا.   كان كينز على حق: الوقت الحاضر ليس هو الوقت المناسب للتقشف. وإن القرار بالتقشف كان هدفاً ذاتياً أنانياً مذهلاً حتى لو لم يكن الصندوق يملك الجرأة ليقولها بصراحة.

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك