صدام ونصرالله وصناعة الوهم
زاوية الكتابكتب مايو 24, 2013, 11 م 8293 مشاهدات 0
نحن قوم نحب بعنف، ونكره بقسوة، وحبنا العنيف وقسوتنا بالكره تشكل مواقفنا السياسية في الغالب.
قبل غزوه للكويت عام 90، كان صدام حسين لدى كثير من العرب وغالبية من الخليجيين وبالذات الكويتيين منهم، بطلا قوميا حاميا للبوابة الشرقية وللأمة العربية وخطرا على إسرائيل التي كان يهدد بحرق 'نصفها'. كان معظم الكويتيين يعلقون صور صدام في بيوتهم وملصقاته على سياراتهم، وتلفزيوناتهم على قناته، وكان الواحد يخشى الكويتيين أكثر مما يخشى العراقيين إن تعرض لصدام حسين. وقد كان مؤيدو صدام حسين ينسون أو يتناسون أو حتى يغفرون له كل جرائمه تجاه الشعب العراقي-سنة وشيعة وكردا، ويبررون عدوانه بغزو إيران وانتهاكاته التي لا تعد ولا تحصى لحقوق الإنسان.
انقلبت الصورة تماما لدى الكويتيين ونسبة كبيرة من العرب تجاه صدام حسين بعد غزوه لدولة عربية جاره، وانتهت أسطورة 'حامي الأمة العربية' وقائد رابع أكبر جيش بالعالم نتيجة جريمته التي لاتزال الأمة العربية تعيش تصدعاتها وتبعاتها.
وتمتع حسن نصرالله –قائد حزب الله اللبناني- بشعبية عارمة شبيهة بشعبية صدام حسين، فهو سيد المقاومة والبطل الذي ضرب إسرائيل لأول مرة في عقر دارها أثناء عدوانها على لبنان عام 2006. وكان التأييد الأكبر لنصرالله- ليس بلبنان وطنه، ولا بإيران منبعه الفكري والسياسي والمالي- ولكن بسوريا، فلقد كانت صور حسن نصرالله تنافس في سوريا صور بشار الأسد نفسه، وكان السوريون-بكل طوائفهم- يرون فيه قائدا للمقاومة ومحررا قادما لفلسطين. واستمر التأييد لنصرالله وحزبه على الرغم من أنه كان صنيعة إيرانية يفخر بها نصرالله نفسه، وبالرغم من أن الحزب طائفي بامتياز-مثله مثل أي حزب ديني بأي مكان بالعالم، ورغما عن اجتياحه بيروت ب7 مايو عام2008 وقتله وجرحه العشرات بحجة حماية سلاح المقاومة.
واندلعت الثورة السورية: فكان المنطق يفترض أن يقف قائد 'المقاومة والمستضعفين' مع شعب يواجه الرصاص بصدور عارية طيلة سبعة أشهر وهو يهتف: سلمية-سلمية، ولكن ذلك لم يحدث، بل العكس هو ما حصل، تماما مثلما توجه رابع أكبر جيش بالعالم لغزو دولة عربية مسلمة ويمحوها من الخارطة بدلا من حمايتها ومؤازرتها.
يقف نصرالله اليوم ومقاتليه في مواجهة مباشرة مع الشعب السوري، تحت ذريعة منع سوريا من السقوط في يد 'إسرائيل وأمريكا والتكفيريين'. غزا صدام الكويت بعد أن ساق مبررات تبدلت على مدى أيام: يسرقون النفط، ثم لأن بها ثورة هب لمساندتها، ثم زعم أن الثوار وحكومة الكويت المؤقتة التي نصّبها طلبوا الانضمام للعراق وعودة الفرع للأصل.
أنكر نصرالله في البداية وجود شيء داخل سوريا، ففي خطابه الأول قال بأنه اتصل ليسأل عما يجري بحمص وجاء الجواب حرفيا: 'ما في شي'، ثم تبدل الخطاب بالمشاركة في القتال حماية لقرى شيعية لبنانية تتعرض لهجمات 'التكفيريين'، ثم حماية لمقام السيدة زينب، ثم 'صلّع' -كما يقال بالشعبي- ليعلن انضمامه إلى خندق بشار الأسد في مواجهة شعبه.
بعد ربع قرن تقريبا على غزو صدام للكويت، ظهرت أصوات مفلسة 'تترحم' على صدام حسين مدفوعة بأحقاد طائفية بحتة وبحنين لمصالح شخصية ولّت بلا رجعة، وعلى الرغم من انكشاف آخر ورقة توت لطائفية ودور نصرالله وحزبه كأداة إيرانية، لايزال بيننا من يرى بحسن نصرالله بطلا للمقاومة تحركه في ذلك مشاعر الجهل والطائفية والإفلاس أيضا.
كم نحن مبدعون بصناعة أبطال الوهم!!
سعد بن طفلة العجمي
تعليقات