حل مشكلة الأراضي.. إعادتها من الخصوصية إلى الملكية العمومية بقلم د. عدنان بن عبد الله الشيحة

الاقتصاد الآن

895 مشاهدات 0



مشكلة الإسكان في السعودية كبيرة، لكنها بسيطة وغير معقدة! تحتاج فقط إلى جرأة وقرار حاسم في أن تعود الأراضي إلى أصلها، وهي العمومية وليس الخصوصية! إن إقطاع الأراضي العامة أو بيعها برسوم زهيدة أدى إلى حالة من الاحتكار في سوق العقار. وهذه هي المعضلة الرئيسة التي تواجه الأفراد من ذوي الدخول المتوسطة والأقل الراغبين في امتلاك أرض لبناء مسكن. إذ إن أسعار الأراضي لا تتناسب مع دخولهم، وهذا دليل على عدم التوازن في الاقتصاد بين الدخل والإنتاج ''في هذه الحالة الأراضي الصالحة للسكن''. إن الأساس الذي بني عليه الاقتصاد السعودي هو اقتصاد السوق الذي يعتمد في جوهره على المنافسة الكاملة، وإذا ما أصبح هناك احتكار انتفت المنافسة وانتفت معها الكفاءة في استخدام الموارد والاستجابة لما يرغب فيه المجتمع. ففي حال الاحتكار لا يمثل السعر القيمة الحقيقية للسلعة، ما يؤدي إلى خلل في استخدام عناصر الإنتاج وتحولها من السلع ذات القيمة الأعلى ''بسعر تنافسي'' إلى السلع الأقل قيمة للمجتمع، بسبب السعر الخادع للمحتكر. وهنا لا بد من الالتفات إلى أن الاحتكار لا يؤثر سلبا فقط في الأفراد، بل في الاقتصاد الوطني برمته في إعطاء مؤشرات غير صحيحة للمستهلكين والمستثمرين، وهكذا تتحول الأموال والموارد من إنتاج ما هو مطلوب اجتماعيا إلى استثمارها في سلعة كالأراضي تلتهم مدخرات المواطنين دون إنتاجية تذكر تشبه إلى حد كبير لعبة القمار في تبادل الأموال بين الأفراد ليس إلا!

إن الأراضي في أصلها عامة مشاعة تخضع للسلطة العامة التي تمثل المصلحة العامة، أي مصلحة جميع المواطنين دون تمييز. وهنا مربط الفرس هو في التمييز في المعاملة التي تصيب المنافسة وآلية السوق في مقتل. فحين تستقطع الأراضي تتحول من أراض عامة إلى أراض خاصة، وهو أمر خطير جدا يقود لتقويض المصلحة العامة ويهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، حتى الأمني على الأقل في المدى البعيد عندما تتراكم المشكلة وتكبر وتتحول إلى طود كبير لا يمكن مواجهته. وما يزيد الطين بلة في سوق الأراضي أن الأسعار تنتفخ ليس فقط بسبب الاحتكار الإقطاعي، لكن أيضا بسبب كثرة الوسطاء العقاريين والعمولات التي يجنونها بطرق أقرب ما تكون غير شرعية، فمن المساهمين إلى المطورين إلى كبار العقاريين إلى صغار العقاريين حتى تصل في نهاية المطاف إلى المواطن متوسط أو ضعيف الحال فيجد نفسه مضطرا للحاجة إلى دفع سعر للأرض يفوق قدراته المالية، وهكذا ينتحر المواطن اقتصاديا ويخسر الاقتصاد الوطني مليارات الريالات بدفنها في الأرض دون تشغيلها فيما ينفع الناس ويكبر الكعكة الاقتصادية ويسهم في معالجة البطالة بين الشباب. إنها مشكلة كبيرة لم نستوعب بعد حجمها الحقيقي وما ستفضي إليه من نتائج وخيمة إذا لم تتم معالجتها على وجه السرعة. لقد أعمتنا الوفرة المالية الريعية عن رؤية مشكلة الأراضي بطريقة موضوعية وعادلة وشفافة، لكن في واقع الأمر تجر من ورائها مصائب كبيرة تمس الأمن الوطني والاستقرار الاجتماعي والنمو الاقتصادي.

ما يجب علينا إدراكه أن مشكلة الأراضي مشكلة في الأصل تتعلق بالقرار الإداري البيروقراطي العام، وسيكون من الخطأ التعامل مع ظاهرها الاقتصادي ومحاولة معالجتها من هذا المنطلق. وقد يصدق في معالجة مشكلة الأراضي قول الشاعر:

''وداوني بالتي كانت هي الداء'' فأصل المشكلة إقطاع الأراضي وتحويلها من عام إلى خاص، والحل الأمثل، بل الوحيد إعادة الأراضي إلى الملكية العامة. ولأن المشكلة متجذرة ويتداخل فيها أطراف نافذون، ومضى وقت طويل أخذت فيها تلك الملكيات الخاصة صفة الشرعية على الأقل الإجرائية فقد يصعب استردادها.. إذا ما الحل؟ الحل في المدى البعيد بناء مدن جديدة في أطراف المدن الكبيرة، وكم كنت أتمنى أن تبنى مدينة الملك عبد الله الاقتصادية على بعد 40 كيلومترا عن الرياض العاصمة، إذ إن نشاطا بهذا الحجم كفيل بتوفير وظائف وخدمات متكاملة تنقل الطلب على الأراضي من الرياض إلى المدينة الجديدة. أما على المدى القريب فلابد أن تقوم البلديات بتطوير الأراضي وتقديمها لوزارة الإسكان لبناء مساكن عامة. من ناحية أخرى، يكون هناك تقييم لتكلفة تطوير الأراضي ومن ثم إضافة نسبة 10 في المائة أرباحا وتحديد سعر البيع. وهذا ما يفترض أن يكون عليه تطوير الأراضي العامة مستقبلا. هذا يأتي مرة أخرى من منطلق أن الأراضي في أصلها عامة، وبالتالي لا بد من الحفاظ على المصلحة العامة في إجراء أو آلية لتطوير الأراضي. لكن المشكلة في الحصانة التي يتمتع بها البيروقراطيون دون مساءلتهم اجتماعيا عبر المجالس النيابية ''الشورى والمناطق والمحلية والبلدية'' والاكتفاء بمراقبتهم إجرائيا على الورق ''من بيروقراطيات أخرى'' لا تلقي بالا للنتائج المؤثرة لقراراتهم على المجتمع سلبا وإيجابا! هكذا تستمر قصة الأراضي الطويلة دون أن يلوح في الأفق أمل في إنهائها. لا بد لمجلس الشورى أن يتدخل ويقدم مقترحا لتعديل الوضع القائم ويصدر قرارات حاسمة وجريئة تعيد الأمور إلى نصابها، كما سيكون من الضروري مناقشة قضية الأراضي في إحدى جلسات الحوار الوطني للوصول إلى حلول مرضية توافقية توازن بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة. إن رفع الوعي بقضية الأراضي ووضعها كأولوية في الأجندة الحكومية أمر في غاية الضرورة ويستحق الاهتمام والعناية للخروج من الوضع المتأزم. الأرض عنوان الإنسان وسر ارتباطه وولائه وكينونته، لذا هي أبعد من أن تكون فقط سلعة اقتصادية، حتى إن أصبحت تمثل أكثر من 35 في المائة من دخل الفرد السنوي أو يزيد! فمتى تعود الأراضي إلى أصلها عامة وتخضع إجراءات تطويرها للمصلحة العامة؟ تساؤل يطرحه الناس بصمت في ظل ضجيج التصريحات البيروقراطية التي تعدهم بالحلول السرابية!

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك