لماذا تباطأت الهند؟بقلم راجورام راجان
الاقتصاد الآنمايو 13, 2013, 3:30 م 778 مشاهدات 0
بالنسبة لبلد فقير مثل الهند، فإن النمو يصبح ضرورة بديهية. وهي إلى حد كبير مسألة توفير السلع العامة: الحكم اللائق، وأمن الأرواح والممتلكات، والبنية الأساسية مثل الطرق والجسور والموانئ ومحطات الطاقة، فضلاً عن الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية الأساسية. وخلافاً لعديد من الدول الفقيرة بالقدر نفسه فإن الهند تتمتع بالفعل بطبقة قوية من رواد المال والأعمال، وطبقة متوسطة كبيرة إلى حد معقول وجيدة التعليم، وعدد من الشركات ذات المستوى العالمي التي يمكن تجنيدها في الجهود الرامية إلى توفير هذه السلع العامة.
لماذا إذن تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي في الهند إلى هذا الحد، من نحو 10 في المائة على أساس سنوي في الفترة من 2010 إلى 2011 إلى 5 في المائة فقط اليوم؟ وهل كان النمو السنوي بنسبة 8 في المائة تقريباً على مدى عقد كامل من عام 2002 إلى عام 2012 انحرافاً عن القاعدة؟
في اعتقادي أنه لم يكن كذلك، وأن عاملين مهمين دخلا إلى المعادلة في العامين الماضيين.
فأولا، لعل الهند لم تكن مستعدة بشكل كامل للنمو السريع في الأعوام السابقة للأزمة المالية العالمية. على سبيل المثال، تحتاج المصانع والمناجم الجديدة إلى أراض، ولكن الأراضي يحتفظ بها غالباً صغار المزارعين أو تسكنها مجموعات قَبَلية، لا تملك سندات ملكية واضحة ولا المعلومات والقدرة على التعامل على قدم المساواة مع شركات الإنشاء أو المستحوذين على الشركات. وليس من المستغرب أن يشعر المزارعون والمجموعات القَبَلية غالباً بأنهم تعرضوا للاستغلال عندما اشترى أراضيهم المشترون الدهاة في مقابل ثمن زهيد ثم باعوها في مقابل ثروات طائلة. والتعويضات التي حصل عليها المزارعون الفقراء بالفعل لم تذهب بعيدا؛ فبعد أن باعوا سبيلهم الأساسي لكسب العيش، أصبحوا الآن في مواجهة ارتفاع حاد في تكاليف المعيشة المحلية، بسبب التنمية والتطوير.
ولكن مع عودة الدول الصناعية، المبتلاة بمشاكل مالية ومصرفية فضلاً عن الديون السيادية، إلى التباطؤ من جديد، فقد تبين أن علاج الأسواق الناشئة كان مؤقتا. فللتعويض عن انهيار الطلب من الدول الصناعية، لجأت الأسواق الناشئة إلى تحفيز الطلب المحلي. ولكن الطلب المحلي لم يكن في احتياج إلى السلع نفسها، وكان المعروض من السلع المطلوبة محلياً ناقصاً بالفعل قبل الأزمة. وكانت النتيجة الصافية النشاط المحموم ــــ طفرات في أسعار الأصول والتضخم في مختلف أنحاء العالم الناشئ.
وفي الهند تفاقمت الأمور بسبب تباطؤ الاستثمار الذي بدأ مع ظهور المعارضة السياسية للتنمية غير المقيدة. وأدى تقييد العرض الناجم عن ذلك إلى تفاقم التضخم. لذا فحتى مع تباطؤ النمو، قرر البنك المركزي رفع أسعار الفائدة من أجل إيجاد التوازن بين الطلب والمعروض المتاح، الأمر الذي دفع الاقتصاد إلى مزيد من التباطؤ.
ولإحياء النمو في الأمد القريب، فيتعين على الهند أن تعمل على تحسين العرض، وهذا يعني التحول من الاستهلاك إلى الاستثمار. وينبغي لها أن تفعل هذا من خلال خلق مؤسسات وعمليات شفافة جديدة، وهو ما من شأنه أن يحد من ردود الفعل السياسية المعاكسة. كما يتعين عليها في الأمد المتوسط أن تعمل على إزالة القيود التنظيمية غير العملية التي ترغم الشركات معتمدة إلى حد كبير على وجود نظام بيروقراطي رشيق ومتعاون.
ومن بين أمثلة هذه المؤسسات الجديدة اللجنة الوزارية للاستثمار، التي تأسست من أجل تيسير إتمام المشاريع الضخمة. ومن خلال الجمع بين وزراء رئيسيين، نجحت اللجنة في تنسيق عملية اتخاذ القرار والتعجيل بها، ووافقت بالفعل على إنفاق عشرات المليارات من الدولارات في اجتماعاتها القليلة الأولى.
وإضافة إلى مزيد من الاستثمار، تحتاج الهند إلى الحد من الاستهلاك وزيادة المدخرات. وقد اتخذت الحكومة خطوة أولى بإحكام ميزانيتها وتقليص إنفاقها، خاصة على إعانات الدعم المشوهة. وتحتاج الأسر أيضاً إلى حوافز أكثر قوة لزيادة مدخراتها المالية. وستساعدها في ذلك أدوات الدخل الثابت الجديدة، مثل السندات المرتبطة بالتضخم. وسيكون من المفيد أيضاً خفض معدل التضخم، الذي من شأنه أن يزيد من العائدات الحقيقية على الودائع المصرفية. كما يسهم خفض الإنفاق الحكومي، إلى جانب السياسة النقدية المحكمة، في تحقيق قدر أكبر من استقرار الأسعار.
إذا سارت الأمور على ما يرام، فإن اقتصاد الهند لا بد أن يتعافى ويعود إلى متوسط النمو الأخير بنسبة 8 في المائة في العامين المقبلين. والآن يتم الإعداد لمشاريع جديدة هائلة لدعم هذا النمو. على سبيل المثال، ممر دلهي ـــ مومباي الصناعي المرتقب، وهو مشروع يتم بالتعاون مع اليابان ويحتاج إلى استثمارات تبلغ 90 مليار دولار، ومن المقرر أن يربط دلهي بموانئ مومباي، ويغطي طولاً إجمالياً يبلغ 1483 كيلو مترا، ويمر عبر ست ولايات. ويشمل المشروع تسع مناطق صناعية ضخمة، وخطوط شحن فائقة السرعة، وثلاثة موانئ، وستة مطارات، وطريقا سريعا يتألف من ست حارات، ومحطة لتوليد الطاقة الكهربائية بقوة 4000 ميجاواط.
لقد شهدنا بالفعل دفعة قوية للنشاط الاقتصادي بفعل بناء الهند شبكة من الطرق السريعة. وقد تكون الدفعة للوظائف والنمو بفضل ممر دلهي ـــ مومباي الصناعي أعظم كثيرا.
وبقدر ما تسهم الاستجابة الديمقراطية للعجز المؤسسي في تحقيق نمو أقوى وأكثر استدامة، فإن الغيوم التي تحجب سماء الهند الاقتصادية قد تحمل معها الخير. ولكن إذا انهمك ساسة الهند في عملية تسجيل النقاط بدلاً من بناء المؤسسات، فإن التباطؤ الحالي قد ينذر بطقس عاصف قادم.
تعليقات