التنوع في مصادر الطاقة مطلب استراتيجي بقلم أ.د. سليمان الخطاف

الاقتصاد الآن

1460 مشاهدات 0


 


يوجد نوعان من المحطات الحرارية لتوليد الكهرباء بالتوربينات البخارية أو الغازية، وكلاهما تدفع مولدات الكهرباء لإنتاج الطاقة. وتمتاز المولدات الغازية ببساطتها ورخص ثمنها نسبيا غير أنها تستهلك كمية أكبر من الوقود، مقارنة بمحطات التوليد الحرارية البخارية. أما المحطات النووية فتعمل بالوقود النووي، وتنتج الحرارة عن طريق عملية الانشطار النووي. وهي من أكثر مصادر الطاقة كفاءة، فبعمل مقارنة بسيطة نرى أن السد العالي يولد في حالة التشغيل القصوى 2100 ميجاواط بينما يمكن لمحطة نووية واحدة توليد هذا القدر من الطاقة.

بدأ الاستخدام السلمي والتجاري للطاقة النووية في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي وزودت المفاعلات النووية في العام الماضي نحو 6 في المائة من طاقة العالم و13 في المائة من الكهرباء العالمية. وتعتبر فرنسا رائدة في مجال استغلال الطاقة النووية، ولا سيما أن 80 في المائة من الطاقة الكهربائية في فرنسا يتم إنتاجها من المفاعلات النووية مقابل 20 في المائة في الولايات المتحدة. وبدأ كثير من دول المنطقة التركيز على الطاقة النووية كمصدر رئيس للطاقة، وقبل أيام أعلن قيام شراكة بين اليابان وفرنسا لإنشاء محطة نووية في تركيا لتوليد 4500 ميجاواط بتكلفة تقدر بـ 22 مليار دولار، وسيتم إنشاء المشروع خلال سبع سنوات. وكانت تركيا قد أنشأت أول محطة نووية في جنوب البلاد، وتطمح تركيا لتوليد نحو 15 في المائة من طاقتها بواسطة المفاعلات النووية بحلول 2030. وبدأت إيران بتشغيل المحطات النووية رغم الحظر والزلازل والريبة وعدم الرضا من المجتمع الدولي.

أما الإمارات العربية فقد أطلقت برنامجها للطاقة النووية في أواخر عام 2009 بمنح عقد بقيمة 40 مليار دولار لتحالف كوري جنوبي لبناء مفاعلات نووية وتشغيلها بصورة مشتركة لمدة 60 عاما وستقوم هذه المحطات بتوليد الكهرباء في عام 2017، أي بعد أربع سنوات ستكون الإمارات أول بلد عربي يستغل الطاقة النووية في إنتاج الكهرباء. وستقوم الإمارات بإنشاء محطات أخرى لتبدأ بإنتاج الكهرباء في عام 2020. وتأمل الإمارات من هذا البرنامج إنتاج 25 في المائة من حاجتها من الكهرباء بمعزل عن النفط والغاز لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة، حيث تُظهر التقارير أن الطلب على الكهرباء في الإمارات سيتضاعف بحلول عام 2020، إضافة إلى دعم التنمية الاقتصادية وتوفير العديد من فرص العمل، كما ستجنّب الإمارات ما يصل إلى ‬12 مليون طن من الانبعاثات الكربونية سنويا. وكانت الإمارات قد استغنت عن فكرة اختيار الفحم في توليد الطاقة في الإمارات لأسباب بيئية.

ويبقى الجدل القائم وهو أن عددا من الدول المتقدمة وضعت خططا للتخلص النهائي من الاستخدام المدني للطاقة النووية، ودول الشرق الأوسط حباها الله بطاقة شمسية هائلة على مدار السنة نظيفة وصديقة للبيئة ومستدامة لكنها مهدرة. لذلك فإن البعض يرى أن الإمارات ستنتج بعد إنشاء هذه المحطات الأربع وإنفاق المليارات ووجود بعض المخاطر من التعرض للإشعاعات النووية 5600 ميجاواط، بينما ستنتج الجزائر 6000 ميجاواط من مشروع هجين يقوم على استخدام الغاز والطاقة الشمسية معا، لذلك ليس هناك داعٍ لأخذ كل هذه المخاطر. وأما الفريق الآخر فيعتقد أن الناس لا تدرك مدى صعوبة الطاقة الشمسية وارتفاع تكلفتها، إذ إنها تساوي نحو أربعة أضعاف تكلفة الطاقة النووية وبعمر افتراضي يصل إلى ثلث عمر الطاقة النووية، هذا عدا الحاجة إلى مساحات شاسعة لإقامة الملايين من الخلايا الشمسية التي تحتاج إلى تنظيف من الغبار وصيانة مستمرة. لذلك فإن كثيرا من الخبراء يرون أن الطاقة الشمسية لا يمكن أن تكون مصدرا أساسيا لتوليد الكهرباء، ولكن يمكن فقط أن تكون مصدرا مكملا لمصادر الطاقة الأساسية سواء نووية أو أحفورية أو مائية. وقد أثبتت الأبحاث والدراسات أن الطاقة النووية هي أفضل مصادر الطاقة، وذلك لانخفاض تكلفتها وكفاءتها العالية. وهى شبه مستدامة، لأن الوقود النووي متوافر بالشراء أو بالتصنيع وتبقى تكاليف إنشاء وتشغيل المحطات النووية من أفضل مصادر الطاقة من الناحية الاقتصادية والعملية. لكن الخطورة الكبرى تتمثل في المشكلات الهندسية والتخلص من النفايات بدفنها أو تدويرها. ويجب أن نتذكر دائما أننا نتكلم هنا عن تقنيات قمة في الخطورة وتتطلب كفاءات عالية مدربة على أمور السلامة ولا مجال هنا للإهمال أو الخطأ.

وأعلنت اليابان أنها بحلول 2040 قد تستغني تماما عن الطاقة النووية، لكن هذا الإعلان كان بمنزلة رد فعل لكارثة فوكوشيما، ويرى كثير من الخبراء أن اليابان قد تتراجع عن هذا الإعلان، كما تراجعت السويد وربما أيضا تتراجع عنه ألمانيا وسويسرا. أما الصين ثاني اقتصاد في العالم فهي تبني 26 محطة نووية في وقت واحد، وتبني روسيا 11 محطة، والهند سبع محطات وكوريا الجنوبية ثلاث محطات، وكثير من دول العالم تبني أو بصدد بناء محطات نووية للمساعدة على تلبية الطلب المتزايد على الطاقة. ولكل دولة ظروفها وتأخذ قراراتها طبقا لمعطياتها المحلية، فالنمو السكاني والحالة المناخية ووجود المصادر الطبيعية وقربها من مواقع الزلازل أو البراكين كلها عوامل تؤثر في قرار أي دولة في نوعية الطاقة المستخدمة، فألمانيا -على سبيل المثال- تعتمد على الفحم في إنتاج نحو نصف الطاقة الكهربائية، في حين أن السويد تعتمد على المساقط المائية في إنتاج نحو نصف طاقتها الكهربائية، بينما تعتمد دول الخليج العربي على النفط والغاز في توليد الكهرباء.

وفي الختام تعتبر منظومة الكهرباء السعودية أكبر منظومة في البلاد العربية، حيث بلغت قدرة التوليد المتاحة في المملكة خلال عام 1432/1433هـ 57432 ميجاواط، وهي تنمو بمقدار 7 في المائة سنويا، وهذا يعني أن الأمر في حاجة إلى دراسة موضوعية. ويمكننا توليد الطاقة الكهربائية في المملكة إما بواسطة حرق النفط ومشتقاته أو الغاز الطبيعي أو استغلال الطاقة المستدامة مثل الطاقتين الشمسية والنووية، وبالتالي فإن الاحتفاظ بالنفط للاستعمالات الأكثر جدوى وأكثر نفعا كوقود لوسائل النقل وللصناعات البتروكيماوية، حيث لا تستطيع وسائل الطاقة الأخرى استبدال النفط. وفي هذا المجال أعلنت المملكة أنها ستنشئ 16 محطة نووية لإنتاج 17000 ميجاواط، وأنها رصدت 100 مليار دولار لإنشائها وستبدأ بتشغيل أول محطة خلال عشر سنوات. علينا التخطيط لمستقبل لا تشكل فيه الطاقة عبئا على الدولة ولا تعيقنا عن تحقيق أهدافنا التنموية، لذلك يجب أن تكون الطاقة النووية والشمسية والحرارية جزءا من منظومة تضم مصادر الطاقة الأخرى.

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك