هل الهدف إقامة نظام ديمقراطي أم دحر جيش الاسد !
عربي و دوليمايو 8, 2013, 12:05 ص 2290 مشاهدات 0
لاشك ان جانبا كبيرا من العبقرية الشريرة لنظام بشار الاسد يكمن في قدرته الهائلة على توظيف الثغرات العديدة في ثوب المجتمع الدولي لصالحه وتوسيع خرقها بشراسة. فقد بنى الاسد له مخزون من سمعة العنف كانت كافية لتهجير أهالي بانياس وهم الجيب السني الوحيد الباقي في وسط منطقة علوية واسعة على ساحل البحر المتوسط. بل إن مناصري النظام من حزب الله لم يترددوا الاحتماء بتلك السمعة في قصف 'القصير' بمواد كبريتية بعد الاستجابة الرخوة من العالم حيال استخدام جيش الاسد للسلاح الكيماوي . حقيقة أخرى تقول ان أسباب بقاء نظام الاسد على قدميه حتى الان لا يكمن في عوامل دولية فحسب بل إن للمقاومة والمعارضة والجيش الحر وجبهة النصرة يد في ذلك البقاء ، فقد كانت الاهداف عامة في سوريا منذ البداية ، وبالترتيب التالي :
- دحر الجيش السوري النظامي عسكريا
- إطاحة بشار الاسد من السلطة
-إقامة نظام حكم ديمقراطي جديد
وهنا كان الخطأ في التراتبية ،فقد ظهر عدد من الاهداف العملياتية الميدانية التي لا تتعدى قيمة انجازها ميدان المعركة وأخذت صفة الاستراتيجية دون ان تستحقها على حساب الهدف الاسمى الذي يؤدي تحقيقه الى إنهاء الازمة برمتها . فدحر الجيش السوري هدف عملياتي وماكان يجب ان يكون النقطة المحورية حتى لاتتطور لحل وتسريح الجيش العربي كما حدث في العراق .بل كان ينبغي تكريس الهدف الرئيسي و التركيز على إقامة نظام حكم ديمقراطي جديد،وكان ينبغي تصنيف دحر الجيش النظامي و إطاحة بشار الاسد من السلطة على انهما نتائج ضمن المستويات الثانوية المساندة .لكن غياب هذه الحقائق أدى الى تعرية كل طموحٍ توهّميّ للثوار أمام تجمعات سورية آخرى . ولن نلوم المعارضة السورية بقسوة فقد كانت هناك نزعة عبر التاريخ في القفز بمفهوم فوق الاخر،ورفع المفهوم العملياتي الى المستوى الاستراتيجي . ومن الامثلة التقليدية المعروفة في صراع البعدين ما طبقه هتلر ضد فرنسا بالحرب الخاطفة في الحرب العالمية الثانية حين مزج جنرالاته قدرة المدرعات والقوة الجوية لخلق معركة حاسمة بتكتيك 'الحصار والابادة' في عملية ' Operation Sichelschnitt' ومع ان هذا المفهوم العملياتي حظي بالنجاح عبر حصار الجيش الفرنسي وقصم ظهره. إلا ان تبنيه كمفهوم استراتيجي لم يحقق أهداف المانيا العليا، ولم يخلق التأثيرات التي كان هتلر يسعى اليها. فلم يضع نهاية للحرب، ولم يعزل انجلترا ،ولم يخلق التوسع والرفاهية لألمانيا .ويرى المحلل 'هاري ياغر ' إن عقيدة الصدمة والترويع ' Shock and awe' التي نفذها الاميركان عام 2003م ضد نظام صدام قد رفعت في اذهان بعض مخططي البنتاغون وكأنها هدف استراتيجي، وهذا ماسبب فوضى إحتلال العراق وغياب الاستراتيجية لصالح الاجراءات العملياتها مما أدى لطرد الجنرال المتقاعد جيه جارنر 'Jay Garner ' من منصبه وتعيين السفير المتقاعد بول بريمر 'Paul Bremer ' ليدير الامور بكارثية أشد فكان كمن يريد كسر قشرة البيضة بمطرقة تزن 20 كجم. وفي حالات الفهم الخاطىء كهذه، فان المفهوم العملياتي لايتمتع بالتطور والشمولية اللازمين لتحقيق الاهداف الاستراتيجية . وتعد المفاهيم العملياتية الجيدة شديدة الاهمية ،ولكنها تكون مساندة للمفهوم الاستراتيجي فقط لابديل له.
لقد أضاع الجيش الحر وامتداداته المدنية والعسكرية منطق الاستراتيجة في حرب الأسد وخلطها مع المستويات العملياتية، بل ورفع الاخيرة بديل عنها .والاجدى لهم في هذه المرحلة صياغة الخطوات التي يعملون بها، وتحديد انماط ومستويات الموارد الضرورية لدعم تلك الاستراتيجية. حتى لايتم نسخ التجربة العراقية وحل الجيش والتقسيم الطائفي. ومن الموارد الملموسة: القوات العسكرية سواء تحت بيرق الجيش الحر او النصرة او أية بيارق أخرى. ويعتبر الشعب السوري نفسه نازحا ومهجرا ومقيما من وسائل الدعم فلا يترك لذئاب مخيمات اللاجئين وعصابات الاحياء المدمرة وشبيحة الاسد ، كما إن المعدات من غنائم و مساعدات خارجية او مشتراة لها نفس أهمية الاموال والمنشآت فلاتدمر انتقاما ولا تهمل لضباع اللجان الخيرية المزيفة وتجار الحروب المروجين لشعارات زائفة ذات وقع تحرري فيما يستغلون في الوقت نفسه رغبة ضابط التموين في الجيش الحر، فالمشكلة الاساسية في الموارد الملموسة هي أنها نادرا ما تكون كافية على النحو المرضي . أما الموارد غير الملموسة والتي تمثل اشكالية لكونها غير قابلة للقياس غالبا؛فتشمل الثقافة التي تدعم شرعية النضال ،والإرادة الوطنية الاتية من كل قطاعات الشعب عبر قنوات ديمقراطية،والنيات الدولية الحسنة التي يجب حشدها لنصرة مطالب الشعب السوري.بالإضافة الى الشجاعة في اتخاذ قرارات مرة وحاسمة حتى ولو كانت تعني حل وتشكيل المجالس والحكومات الانتقالية كلما كان ذلك ضروريا . بل إن التعصب للهدف الاسمى رغم محاذير استخدامه يعد من وسائل دعم الاستراتيجية .
صحيح ان الفكر العسكري ذا مرتبة تفسيرية فقط،لا صانع للأحداث كصوت الرصاص في الميدان، وصحيح ان من المستحيل التنبؤ بالمستقبل،لكن من يضع عمله داخل قوالب استراتيجية محكمة الاهداف يمكنه التأثير في المستقبل وتشكيل ملامحه على كل المستويات بدل القتال يوم بيوم .وما فقدان اليقين الذي ينتهك بوحشية التفاؤل بزوال الاسد ونظامه إلا نتيجة الارتباك في تحديد الاهداف العليا. فرغم ان مبادئ الاستراتيجيا تقول ان كسب المعارك هدف على المستوى العملياتي بينما يعد كسب الحرب هدفا استراتيجي إلا ان ثوار سوريا لازالوا يتلقفون كل كسب عملياتي وكأنه قيام نظام حكم ديمقراطي جديد ، متناسين ان عليهم الدخول بالتبعات التي لا زال جارهم العراق يعيشها بسبب تجاوز من أدار أموره لمبادئ بسيطة .
تعليقات