الزلزال الايراني في النفوس الخليجية
عربي و دوليمايو 1, 2013, 12:09 ص 3326 مشاهدات 0
لم تنفعني صيحات النخوة القبلية الوثنية،ولا الأدعية الدينية لوقف غبار أبيض تساقط فجأة من سقف غرفتي،رافقه أنين الاضلع الخشبية لسكن الضباط في فنتورا-كالفورنيا خريف 1980م.تبعها سقوط كتبي متناثرة على الأرض،وأرتطامي ثلاث مرات بالأثاث وأنا أفر لنادي الضباط الملحق بالمبنى طالبا النجدة. لم يكن الجمع هناك ثملين بعد، فقد بدأت للتو ساعة المرح ' Happy hour'.لكن ما أثار استغرابي هو أنهم رغم تناثر محتويات المكان لم يكونوا في حالة هلع مثلي مع تجربتي الاولى لمعايشة زلزال، بل في حالة صخب ويتراهنون كم ستكون قوة الزلزال حين تعلن بعد قليل. كنت حينها أحاول دون جدوى تمييز الخيط الرفيع بين الثقة والجرأة من جانب،واللامبالاة والتهورالمفرط من جهة أخرى.
وحين نتحدث لجيراننا الايرانيين عن هلعنا من تبعات الزلازل على مفاعل بوشهر نصدم بمرافعات سطحية ليس على الصعيد المعرفي والمنطقي بل وعلى الصعيد التمويهي أيضا حيث يقولون إن سكان بوشهر إيرانيين ولن نقيم مفاعل يقطع الحرث والنسل في جزء من بلدنا. فكيف يريدوننا ان نصدق ذلك ونظام الملالي نفسه هو الذي أستخدم في المرحلة الافتتاحية للثورة فتية يدفعون أمامهم الحمير لفتح معابر في حقول الالغام خلال الحرب الايرانية العراقية نظير وعد بالجنة. فهل وعدت طهران سكان بوشهر بالجنة لأنهم يضحون بأنفسهم لتحقيق الاهداف الكبرى للأمة الايرانية! والاهم،هل سندخل معهم الجنة لأن انفجار بوشهر يعني ان مرحلة العصف النووي ستحرق بوشهر،وسنفنى نحن من الاشعاع،أومن الجوع خلال الشتاء النووي!
إن التهور والاندفاع المفرط هما ماسيدفع ضفتي الخليج لسباق نووي غير محدد المعالم .فهنا على الضفة العربية من الخليج ثمة من يعتقد ان الطبيب المعالج للعلة الايرانية مصر بلا مبرر على تجربة المضادات الحيوية واحد تلو الاخر،فيما تفتك الحمى بخلايا مخ المريض،حيث لم تنفع حتى الان مضادالتهديد الغربيالإسرائيلي بمهاجمة ايران عسكريا،ولا مضادالعقوبات بالحصارالاقتصادي والدبلوماسي،ولاتقريع كاثرين آشتون لسعيد جليلي الذي أصبح أمتصاصه التقريع سبب إرساله في كل مفاوضات.كما يواصل الغرب اتباع سياسة'العصا والجزرة' وكلاهما غير ذي جدوى فالعصى تهديدات اسرائيلية غربية جوفاء . والجزرة حصار دبلوماسي واقتصادي تعودت عليه طهران فأنتفت قيمة الوعد برفعه لو أنصاعت لهم. مما يجعل هذه المتوالية العبثية مستمرة فيما ندخل عامنا العاشر في مرحلة الازمة الممتدة .
إن ما يلفت النظر هو أن الارض الايرانية قد أرسلت ما يشبه دق جرس الانذار،وقد عبرت عن ذلك بهزات عنيفة عدة منها زلزال بم 2003م، وزلزال في نيسابور في يناير2012م و تبريز 2012م، زهان 2012م ودشتي 2013م و زلزال سيستان وبلوتشستان 2013م ثم زلزال بوشهر 2013م . ومما يقلق ان الزلازل تعطي المسوغات لصناع القرار الخليجي بالتطرف في خياراتهم لوقف الطموح النووي الايراني الذي يرونه شرا في سلميته و شرا في عسكريته. فلرفع الكلفة النووية السلمية والعسكرية على طهران يذهب صقور خليجيون لطرح خيارات تشمل:
- الانضواء تحت المظلة النووية الاميركي وفتح سماء الخليج وبحره للصواريخ والغواصات القادرة على تغيير موقف طهران .
-احتماء دول الخليج بمفاعل نووي سلمي وإيصال رسالة لطهران مفادها ان المفاعل السلمي هو الخطوة الاولى للسلاح النووي .
-تطوير جدار الصواريخ الخليجية سواء المصممة للدفاع عن منطقة محددة مثل 'الباتروت' بكل الخليج، أو'ثاد' في الامارات، أو حتى 'رياح الشرق' في الرياض، لتكون قادرة على حمل سلاح نووي، ولعل زيارة هيغل الاخيرة للخليج وتوقيع عقود تسلح ضخمة خير مؤشر على التوجه في هذا المنحى.
-نشر ثقافة التعامل مع الخطر النووي، ويمكن الاحتذاء بتجارب المعسكر الغربي في زمن هلعهم من الرعب النووي السوفيتي في الخمسينيات،والذي ولد ثقافة الملاجئ وتخزين الاغذية والأدوية وإجراءات التطهير.
ولازال تمييز الثقة والجرأة عن اللامبالاة والتهور المفرط في موضوع الطموح النووي الايراني أمر بالغ الصعوبة ،ويزيده تعقيدا تداخل مواقف الكتلتين رغم وقوفهما على طرفي نقيض. حيث أعرب الرئيس'أوباما' عن إلتزامه باستمرار التواصل الدبلوماسي مع إيران مبررا النتائج المتواضعة لإدارته في الازمة بأن ' الدبلوماسية مهمة صعبة'،'ومهمة من يمتلكون صبرا'.وعلى الطرف الاخر أعلنت إيران افتتاح منشأة جديدة لإنتاج اليورانيوم وأعلن نجاد في خطاب له 'في الماضي كنا نعتمد على الخارج للتزود بمادة 'الكعكة الصفراء'، لكن بفضل الله هانحن ندشن المنجم تلو الآخر، وبتنا نمتلك سلسلة إنتاج للطاقة النووية'.
لازلت أتذكر أن الزلزال الذي ضرب كاليفورنيا قبل 33 عاما كان زلزالا متوسط بقوة 5.4 درجة على مقياس ريختر،وفاز بالرهان على قوة الزلزال رجل من نيويورك التي لاتعرف الزلازل،ومع تقديري لجهود اللجان الوطنية للطوارئ بدول مجلس التعاون الخليجي إلا ان عملهم لن يتعدى إخبارنا بعمق البئر التي سيتم رمينا فيها . أما من يدفع بتطبيق إجراءات رفع الكلفة على طهران فهو من يستطيع إيقاف إلقائنا في البئر.
تعليقات