لا حرب ثالثة في الخليج (2 من 2) د. محمد بن سعود المسعود

الاقتصاد الآن

1668 مشاهدات 0


في الغرب كان الألمان يهتفون خلف ــــ لسان إبليس ــــ أدولف هتلر ــــ نعم للحرب، وكانوا يجيبونه حين يسألهم هل تريدون الحرب؟ تحت قيادتي: نعم ونعم نريد! كان غرور القوة هو المسيطر على المشاعر، وكان العقل مختطفا لوهم الانتصار الذي يستحيل أن يتحول إلى هزيمة. وكانت شهوة التوسع بعد سقوط كل مساحة من الأرض.. بطلب المزيد منها، لم يتوقف الألمان كثيرا عند أنين الضحايا قبل أن يخمدها الموت، ولم يتوقفوا في نشوة القوة والانتصار عند التاريخ الذي يتهاوى، ويحترق، ويتلاشى بقوة صواريخ الطائرات الألمانية لقد كان الإنسان الألماني حين ذاك.. أبعد ما يكون عن ــــ إنسانيته ـــ عن نفسه، عن فطرته التي فطر الله الناس عليها. لقد نجح لسان إبليس ــــ هتلر ــــ في غوايتهم، كما فعل السامري.. وجعلهم يعبدون عجلا له خوار اسمه ــــ النصر بالحرب ــــ والمجد العظيم إلى ألمانيا. سرعان ما تغير كل شيء! النصر المقبل أدبر، والقوة التي لا تهزم هزمت، وألمانيا العظيمة ذات العرق الأزرق النقي، وحاملة المجد ذلت، وامتهنت عاصمتها بالصواريخ، وكرامة إنسانها بالموت دون دفن! وتحول جسد صاحب العرق الآري الأرقى إلى طعام للكلاب الضالة.. وما تبقى منه تم رشه بمواد مانعة للتسمم وجرف بالجرافات المخصصة لتجريف الشوارع! وحتى لسان إبليس، ذهب بعيدا ليتجرع القتل الذي فرضه على أكثر من خمسين مليون إنسان، وكان خلفه خراب نصف العالم، وقتل نفسه بالسم الأقوى الذي تم تصنيعه في أرقى مصانع ألمانيا وأكثرها سمية في آن. ومع موته سقط وهم القوة، ووهم الحروب التي تستند إلى آلة القتل وتدمير حاضر الإنسان وحضارته. وفي الشرق! صدام حسين التكريتي.. شعر بأنه أعظم زعيم عربي، وأعظم قائد عسكري، ومهيب ركن.. وكل أسماء العظمة وجنونها، خرج أمام العالم ليمزق اتفاقية الجزائر ــــ النسخة الأصلية التي وقعها العراق مع شاه إيران ــــ محمد رضا بهلوي ـــــ وأمر جيوشه التي يفترض أنها باسلة.. أن تتحرك لتصحيح الخرائط الخطأ في رسم الحدود، وإذا بالحرب تستنزف ألف مليار دولار! من البلدين ودول عربية وخليجية رأت أن ترك العراق منفردا في هذه الحرب سيخلق معضلة كبيرة في إقناع إيران بالبقاء داخل حدودها. وبعد ثماني سنوات.. تم تشريد أربعة ملايين عراقي! وتم مواراة أكثر من مليون قتيل، وخرج العراق مدينا بمليارات لعدد غير قليل من دول العالم. أي أن العراق خسر كل ثروته، حدا جعله مدينا لسنوات طويلة، دفع ثمنها الشعب العراقي الضعيف والعاجز! وفارس العروبة المنتصر الذي أعلن انتصاره على إيران دون أن يحصل على شبر واحد أبعد من اتفاقية الجزائر، وخسر شعب العراق حاضره، ورهن مستقبله لديون هائلة لا قبل له بها. وبالجنون ذاته.. حاول أن يبتلع الكويت، ليجعل منها الغنيمة الباردة والسهلة لسداد خسائر الحرب الأولى! وكان وهم القوة، وتحكيم عقل القدرة العسكرية.. مليون جندي مسلح، خرج من معارك حقيقية لمدة ثماني سنوات، أمام دولة مسالمة وديعة مدنية تسكن برحمة في جنوبه الكويت! وكما هي قصة هتلر جنون العظمة مرة أخرى.. سرعان ما أدبرت، وكان يخالها لن تفعل، وبدأ صبر الملك الصبور الملك فهد بن عبد العزيز ـــ يرحمه الله ـــ ينفد، وبدأ صدام التكريتي يزداد غرورا، وجبروتا، وطغيانا، وأعلن الكويت محافظة عراقية! وسرعان ما تحولت العراق بجيشها ومدنها، وتاريخها كعصف مأكول.. وتحول فارس العروبة والبطل الخالد إلى ضب يسكن الحفر التي يخفيها حاوية نفايات في قرية بعيدة.. تعايش فيها مع رائحة النفايات بكل أنواعها، ومع سرير ناشف، وحقيبة فيها نصف مليون دولار فقط. كما هي ذات القصة.. في ألمانيا، رجع العراق 50 عاما للوراء، تلاشت ثرواته الحاضرة، وبات مستقبله مرتهنا لمشاريع إعادة الأعمار التي لا تنتهي.. وبات غاية آمال العراقيين أن ترتد إليه بعض مكتسباته السابقة! كل واحد من هؤلاء لو استقبل من أمره ما استدبر، لما أقدم على ما أقدم عليه، ولو كان لهما أذن تسمع، وعين تبصر التاريخ، وعقل يفرد الخسائر والدمار المحتمل.. لكان أكثر صبرا وأكثر حكمة، ولتعلم من حكمة الله الخالدة (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ). هي إذا حكمة خادم الحرمين الشريفين.. حين أقسم على رؤساء دول العالم الإسلامي أن يتحملوا مسؤولياتهم، وأن يرتفعوا إليها، وأن ينتصروا على الشعور بالقوة من خلال تحكيم المحبة والحكمة والتعقل. وهذا ما يجعل لجم الغوغاء من الكتبة الذين يستحضرون الحروب مع دول الجيران، وكأنه طفل يضرب على طبلة.. ينتشي بصوتها وهو جاهل أنه يستجلب اللصوص لسرقة أهله وما ملكت أيديهم. أقسم عليكم بالله العظيم.. أن تتحملوا مسؤولياتكم! ما أعظمه من قسم عظيم.. في شهر عظيم.. عند البيت العتيق.. من ملك لا يهب الزمان مثله، إلا بتقتير!

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك