سوق العمل الخليجية والعمالة الرخيصة بقلم د.صلاح بن فهد الشلهوب

الاقتصاد الآن

766 مشاهدات 0



ليس سراً أن تكدس القوى العاملة في سوق العمل في دول مجلس التعاون الخليجي أصبح عبئا ومشكلة بعد أن كان ضرورة في فترة ما، فسوق العمل اليوم تمتلئ بكثير من القوى العاملة النظامية وغير النظامية، التي تحتاج إليها سوق العمل وما لا تحتاج إليها، إضافة إلى دخولها في خط المنافسة مع القوى العاملة الوطنية، حيث إنه وجدت مفارقة غير مقبولة في الحسابات الاقتصادية، وهي أن تعاني دول وجود البطالة لدى مواطنيها في ظل وجود قوى عاملة تفوق في بعض هذه الدول القوى العاملة الوطنية، ومن هنا أصبحت إعادة دراسة وهيكلة ونظام واشتراطات سوق العمل لها أهمية كبيرة لدول مجلس التعاون الخليجي، وبما أن هذه الدول لديها قواسم مشتركة في أمور كثيرة، ومنها سوق العمل، كان من الأهمية العناية بالتنسيق بين هذه الدول.

حيث ورد في بعض التقارير الإعلامية أن هناك عملا وتنسيقا بين دول مجلس التعاون لإقرار قانون ينظم عمل العمالة الأجنبية في دول مجلس التعاون الخليجي، وسيعمل على إبعاد العمالة غير الماهرة.

هذا العمل والتنسيق ليس وليد اللحظة، بل العمل عليه جارٍ منذ فترة ليست بالقصيرة في المملكة، فتكدس القوى العاملة التي لا تحتاج إليها السوق فيه مخاطر كبيرة، فهذه الفئة جاءت للتكسب وطلب الرزق بحد أدنى وضعته لأنفسها قبل وصولها للسوق، وتتفاوت القوى العاملة في سلوكها وأخلاقياتها وقيمها، ففي الوقت الذي يوجد فيه الكثير من القوى العاملة الماهرة أخلاقها عالية وتلتزم بقيم وأنظمة وتقاليد هذه البلاد، بل أصبح بعضها يكتسب جزءا من ثقافة هذه البلاد، نجد في المقابل أن البعض الآخر يختلف عنها تماما، بحيث يسعى لكسب المال بأي طريقة كانت حتى لو كان بارتكاب أنواع من الجرائم التي لا تخفى على من يتابع ويقرأ، وهذا لا يعني أبدا الإساءة لمجموع القوى العاملة، إذ إن الأكثر بلا شك يحمل قيما عالية، ويقدم خدمة للوطن تستحق الإشادة والشكر.

بدأت دول المنطقة، خصوصا في المملكة، بالعمل على متابعة سوق العمل، وحث جميع من يعمل في هذه البلاد على تصحيح أوضاعهم، كما أنها في كل مرحلة تزيد من شروطها في استقدام القوى العاملة، إضافة إلى إلزامها الشركات والمؤسسات بتوطين الوظائف بطريقة متدرجة.

والسؤال هنا هو: كيف سيكون وضع سوق العمل والأسعار وتوفير الخدمات إذا ما تم تطبيق هذا التنظيم بشكل تام؟

نحن نعلم أن كثيرا من الخدمات في المجتمع، خصوصا الاحتياجات اليومية والأعمال، تعتمد بصورة كبيرة على القوى العاملة الرخيصة وغير المدربة التي تتلقى فعليا تدريبها في سوق العمل في المملكة ودول الخليج بشكل عام، وهذه القوى العاملة وبسبب أنها غير مقبولة في بلدان أخرى، بل حتى أحيانا في بلدانها التي أتت منها، وجدت في سوق العمل في الدول الخليج فرصة لكل من يريد أن يبدأ من الصفر، فقدمت بأعداد هائلة وبصورة نظامية وغير نظامية، واستغلت حالة عدم الانضباط لدى بعض المواطنين لتعمل مقابل ''إتاوات'' يدفعونها سنويا لكفلائهم مع تحملهم جميع مصاريف بقائهم حتى أنهم يدفعون تكلفة توظيف مواطنين حاليا كمتطلب لبقاء المؤسسة التي يتبعون لها.

ونظرا لانخفاض تكلفة هذه العمالة وإمكانية عملها لمدة أطول من عمل المواطن، فإن ذلك انعكس بصورة أو أخرى على الأسعار، بمعنى لو أن السوق خلت من هذه العمالة فستكون الأسعار أعلى منها مع بقاء القوى العاملة الرخيصة.

وجود شرط المهارة للعمل له إيجابياته من جهة الجودة، إضافة إلى معالجة كثير من المشكلات التي قد تنشأ في حالة الاستقدام العشوائي التي تسببت في وجود مجموعة تمارس أعمالا غير نظامية بسبب عدم وجود المهارة الكافية لديها والمنافسة الكبيرة فيما بينها، بل من المعلوم أن هناك من يعمل في غير النشاط الذي استقدم من أجله.

بطبيعة الحال وبوجود هذه الحالة لا بد من أن تكون هناك أيضا إعادة للتفكير في طريقة تقديم الخدمات، ومن ذلك الاعتماد على التقنية كبديل عن وجود كثير من العمالة الرخيصة، أو التي لديها ما يمكن الاستغناء عنه بوسائل التقنية الحديثة، إضافة إلى إعادة التفكير في الطريقة التي يتم بها تقديم الخدمات، فعلى سبيل المثال في محطات الوقود في دول كثيرة متقدمة في العالم نجد أن الذي يتولى تعبئة الوقود هم الزبائن، وهي عملية سهلة جدا لا تتطلب أدنى حد من المهارة، ومن شأن مثل هذا الإجراء أن يجعلنا نستغني عن كثير من القوى العاملة في السوق في المملكة، وهي أيضا تخفض التكلفة على أصحاب تلك المحطات، وهذا أيضا يحصل في أنشطة تجارية أخرى، بل إن في بعض الأسواق المركزية في دول متقدمة توجد آلات ليتمكن الزبون من الشراء بنفسه بتمرير السلع على أجهزة موجودة في السوق.

الخلاصة أن إعادة النظر في سوق العمل بصورة شاملة أصبحت اليوم حاجة ملحة للحد من وجود قوى عاملة لا تحتاج إليها سوق العمل، لما لذلك من آثار سلبية في المجتمع، واستقدام القوى العاملة الماهرة له آثار إيجابية، لكن سيؤثر قطعا في الأسعار إذا لم يكن هناك تغير في التفكير في طريقة تقديم الخدمات من خلال الاعتماد بصورة أكبر على التقنية.

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك