يفي مدى نجاح التنويع الاقتصادي بقلم شسعود بن هاشم جليدان
الاقتصاد الآنإبريل 20, 2013, 11:37 ص 701 مشاهدات 0
بدأت المملكة في وضع خططها الخمسية منذ عام 1390هـ الموافق لعام 1970، وكان من أبرز أهداف جميع الخطط الخمسية التسع التي نفذتها المملكة خفض الاعتماد على النفط أو التنويع الاقتصادي. والتنويع الاقتصادي يعني ببساطة خفض حصة القطاع النفطي في الناتج المحلي الإجمالي. فما مقدار النجاح الذي حققته المملكة في مجال التنويع الاقتصادي طوال 43 عاماً الماضية؟ ولتحديد درجة النجاح في تحقيق التنويع الاقتصادي، يمكن مقارنة حصة القطاع النفطي في الناتج المحلي في عام 1970 مع أحدث بيانات متوافرة عن مساهمته في الناتج. ويجب أن تكون المقارنة بالأسعار الثابتة أو الحقيقية، حيث إن استخدام الأسعار الجارية لا يعكس التغيرات الحقيقية في الناتج وفي حصص القطاعات الاقتصادية، بسبب تشويهه كميات الإنتاج الفعلية من السلع والخدمات.
وتشير بيانات المملكة القومية التي تصدرها مصلحة الإحصاءات العامة إلى أن حصة القطاع النفطي في عام 1970 كانت نحو 64.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة لعام 1999، وارتفعت تلك النسبة إلى 66.7 في المائة في عام 1973. ثم بدأ بعد ذلك نصيب القطاع النفطي (حسب التصنيف المؤسسي) من الناتج المحلي الإجمالي في التراجع التدريجي حتى وصل إلى 22.6 في المائة عام 1985. ويعود معظم التراجع الكبير في حصة القطاع النفطي والحادث في النصف الأول من الثمانينيات لخفض كميات الإنتاج النفطي بدرجة كبيرة، وليس بسبب زيادة التنويع الاقتصادي. وكانت المملكة تقوم بدور المنتج المرجح للحفاظ على أسعار النفط عند مستويات معينة. وعاد نصيب القطاع النفطي للارتفاع في السنوات التالية بعد عودة المملكة إلى زيادة الإنتاج الفعلي للمستويات التاريخية السابقة، حتى وصل إلى نحو 39.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 1991. وبعد ذلك بدأت مسيرة طويلة وبطيئة من الانخفاض التدريجي لحصص النفط في الناتج المحلي حتى وصلت إلى 26.2 في المائة من الناتج المحلي في عام 2011، وذلك بأسعار عام 1999. واختيرت سنة الأساس 1999؛ لأن البيانات القومية لكامل الفترة تتوافر فقط بأسعار 1999 الثابتة.
ويمكن مما سبق ملاحظة وجود تراجع كبير في حصة القطاع النفطي من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي على مدى الثلاثة والأربعين عاماً الماضية. وهذا يرجع إلى عاملين مهمين، أولهما النمو المحدود في إنتاج القطاع النفطي الحقيقي خلال الفترة، والآخر يعود إلى تحقيق نجاح ملموس في التنويع الاقتصادي. ويرجع انخفاض النمو الحقيقي للقطاع النفطي إلى عوامل طبيعية وإلى سياسات الدفاع عن الأسعار واستطالة الانتفاع بالثروة النفطية. ويعود النجاح الجزئي للتنويع الاقتصادي إلى الجهود المضنية المبذولة خلال العقود الماضية والإنفاق الضخم على مشاريع البنية الأساسية وتنمية الموارد البشرية والدعم المباشر وغير المباشر للقطاع الخاص. لقد حققت المملكة نجاحاً معقولاً خلال السنوات الثلاث والأربعين الماضية في مجال تنويع الناتج المحلي الإجمالي، وإن كان أقل بكثير من الطموحات المرجوة. وشهد القطاع الخاص غير النفطي نمواً كبيراً في حصته خلال الفترة، حيث ارتفعت مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي من 12.7 في المائة في عام 1970 إلى نحو 48.8 في المائة في عام 2011. وارتفعت مساهمة القطاع الحكومي من 20.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 1970 إلى 23.8 في المائة في عام 2011.
وشهد عديد من القطاعات الاقتصادية نمواً جيداً خلال الفترة التي وارتفعت مساهماتها في الناتج المحلي الإجمالي، ومن أبرز تلك القطاعات قطاع الصناعات التحويلية وقطاعات الخدمات. في الجهة المقابلة، فإن نجاح عديد من هذه القطاعات مازال يعتمد بدرجات متفاوتة على الإيرادات النفطية، فمعظم أنشطة الحكومة تعتمد على الإيرادات النفطية، كما تدعم الدخول الآتية من القطاع النفطي الأنشطة الاقتصادية المختلفة في القطاع الخاص. وسيؤدي أي انخفاض حاد في الإيرادات النفطية لا ـــ سمح الله ـــ إلى تراجع كبير في الإنفاق الحكومي الذي يغذي الإنفاق على شراء السلع والخدمات في القطاع الخاص. ولهذا؛ فإن النجاح في خفض مساهمة القطاع النفطي في الناتج المحلي ما زال مرتبطاً بدرجه أو بأخرى بإيرادات القطاع النفطي. وإضافة إلى ذلك توافر صادرات القطاع النفطي الإيرادات اللازمة لمعظم لتمويل واردات المملكة التي من دونها سيكون من الصعب استيراد معظم السلع والخدمات والعمالة. وتغذي واردات السلع والخدمات والعمالة أنشطة القطاع الخاص والحكومي أيضاً وسيكون من الصعب على هذه القطاعات الاستمرار في مستوى الأنشطة الحالية بدون الواردات من العالم الخارجي.
لقد نجحت سياسات التنويع الاقتصادي للناتج المحلي بدرجة أكبر من تنويع الصادرات والإيرادات الحكومية، وذلك بسبب تركيز السياسات على تنويع الأنشطة الاقتصادية ولتوفر الإيرادات النفطية بمستويات أكثر من كافية للإنفاق الحكومي وتغطية الواردات. وما زالت صادرات القطاع النفطي تهيمن على إيرادات الصادرات والإيرادات الحكومية بسبب الزيادات الكبيرة في أسعاره وبسبب اتجاه معظم النمو في القطاعات غير النفطية لتغطية الطلب المحلي على السلع والخدمات، خصوصاً الخدمات التي ينحصر تبادلها في الاقتصاد المحلي
تعليقات