معضلة السيارة الكهربائية بقلم بيورن لومبورج

الاقتصاد الآن

683 مشاهدات 0



لعقود من الزمان، أسرت فكرة السيارة الكهربائية مخيلة المبدعين ــ بما في ذلك هنري فورد وتوماس أديسون قبل أكثر من قرن من الزمان. وكان المشاهير، والمثقفون، والخبراء، والزعماء السياسيون على السواء يصورون هذه المركبات وكأنها المثل الأعلى لمستقبل مسؤول بيئيا. وأعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن مليون سيارة كهربائية سوف تجري على الطرق السريعة في ألمانيا بحلول عام 2020. وعلى نحو مماثل، وعد الرئيس باراك أوباما بمليون سيارة كهربائية في الولايات المتحدة ــ ولكن قبل ذلك التاريخ بخمس سنوات.

ذات يوم، سوف تصبح السيارة الكهربائية منتجاً عظيماً حقا ــ ولكن ليس الآن. فهي باهظة التكاليف؛ وهي غير مريحة؛ والفوائد البيئية المترتبة عليها تكاد لا تُذكَر (وفي بعض الحالات قد لا يكون لها أي فائدة على الإطلاق).

إن العديد من البلدان المتقدمة تقدم إعانات دعم سخية للسيارات الكهربائية تصل إلى 7500 دولار في الولايات المتحدة، و8500 دولار في كندا، و9000 يورو (11700 دولار) في بلجيكا، و6000 يورو حتى في إسبانيا التي تعاني من ضائقة مالية. وتقدم الدنمارك إعانة الدعم الأكثر سخاءً على الإطلاق، فتعفي السيارات الكهربائية من ضريبة التسجيل الهامشية التي تبلغ 180 في المائة على كل المركبات الأخرى. وبالنسبة للسيارة الكهربائية الأكثر شعبية على مستوى العالم، وهي السيارة نيسان ليف، فإن هذا الإعفاء يعادل 63 ألف يورو.

ولكن من الواضح أن هذا ليس كافيا. ففي الدنمارك لا يتجاوز عدد السيارات الكهربائية حتى الآن 1224 سيارة. وفي ألمانيا، بلغ مجموع مبيعات السيارات 3.2 مليون سيارة في عام 2011، ولكن 2154 منها فقط كانت كهربائية.

ويبدو أن هذه الأرقام أرغمت أوباما وميركل على تعديل توقعاتهما بما يتفق والواقع. فوزارة الطاقة الأمريكية تتوقع الآن نحو 250 ألف سيارة كهربائية فقط بحلول عام 2015 ــ وهو ما يعادل 0.1 في المائة فقط من كل السيارات التي تجري على الطرق في الولايات المتحدة. كما اعترفت ميركل أخيرا بأن ألمانيا لن تقترب حتى من رقم المليون سيارة كهربائية بحلول عام 2020.

والواقع أن هذه المسافة تبدو مستحيلة، نظراً لقصر المسافة التي تستطيع أن تقطعها السيارة الكهربائية في كل مرة، فالسيارة نيسان ليف على سبيل المثال لا تسير أكثر من 117 كيلومترا بعد كل شحن. ولهذا السبب، فإن أغلب من يشترون سيارة كهربائية يشترونها كسيارة ثانية، لاستخدامها في الرحلات القصيرة. وإذا سارت السيارة أقل من 50 ألف كيلومتر باستخدام شبكة الطاقة الكهربائية الأوروبية، فإن الانبعاثات التي تطلقها من ثاني أكسيد الكربون في الإجمال تكون بذلك قد تجاوزت الانبعاثات التي تطلقها السيارة التقليدية.

وحتى إذا سارت لمسافة أطول كثيرا، ولنقل 150 ألف كيلومتر، فإن الانبعاثات الكربونية التي تطلقها السيارة الكهربائية سوف تكون أقل من انبعاثات السيارة التي تعمل بالبنزين بنسبة 28 في المائة فقط. وعلى مدى العمر الافتراضي للسيارة، فإن هذا المستوى من شأنه أن يمنع 11 طناً من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، أو ما يعادل نحو 44 يورو من الضرر المناخي.

والأمر الأسوأ هو أن السيارات الكهربائية المباعة في الاتحاد الأوروبي سوف تؤدي في واقع الأمر إلى زيادة الانبعاثات العالمية من ثاني أكسيد الكربون. ولأن الاتحاد الأوروبي حدد هدفاً ثابتاً للانبعاثات بحلول عام 2020، فإنه سوف يعوض عن الانبعاثات في مجالات أخرى (ربما بزيادة الاعتماد على طاقة الرياح)، بصرف النظر عن نوع السيارة المباعة 38.75 طناً من ثاني أكسيد الكربون تطلقها كل سيارة تعمل بالبنزين، ونحو 16 طناً من الناجمة عن استخدام الطاقة الكهربائية لإنتاج كل سيارة كهربائية. ولكن على الرغم أن حجم الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي سوف يظل بلا تغيير، فإن أغلب البطاريات الكهربائية تأتي من آسيا، وهذا يعني عدم التعويض عن 11.5 طن إضافية من الانبعاثات.

وفي الصين سنجد أن ما تمثله السيارة الكهربائية من عدوان على البيئة أشد وطأة، وذلك لأن أغلب الطاقة الكهربائية في الصين تنتج بحرق الفحم. والسيارة الكهربائية التي يتم شحنها بمثل هذه الطاقة سوف تطلق من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون 21 في المائة زيادة عما تطلقه السيارة التي تعمل بالبنزين. وكما تبين دراسة حديثة، فلأن محطات الطاقة العاملة بحرق الفحم في الصين تتسم بالقذارة الشديدة، فإن السيارات الكهربائية تعمل على تفاقم تلوث الهواء المحلي. ففي شنغهاي، يقتل تلوث الهواء الناتج عن مليون سيارة إضافية تعمل بالبنزين نحو تسعة أشخاص كل عام. ولكن مليون سيارة كهربائية إضافية قد تقتل نحو 26 شخصاً سنويا، نظراً لزيادة التلوث الناجم عن حرق الفحم.

إن شعار السيارة الكهربائية يصرف انتباهنا عن القضية المهمة حقا وهي الانتقال الفعّال من حيث التكاليف من الوقود الأحفوري إلى طاقة خضراء أرخص، وهو الأمر الذي يستلزم الإنفاق على البحوث والإبداع. وقد تصبح السيارة الكهربائية بمثابة خطوة عظيمة إلى الأمام بعد 20 عاما. ولكن إعانات الدعم السخية المقدمة لها اليوم تعني تمكين تكنولوجيا باهظة التكاليف، وغير مريحة، وضارة بالبيئة غالبا.

 

الآن:فاينانشال تايمز

تعليقات

اكتب تعليقك