اقتصادنا بين نموذجي دبي وسنغافورة بقلم د. عبدالرحمن محمد السلطان

الاقتصاد الآن

707 مشاهدات 0


   

 


أوضحت في مقال الأسبوع الماضي أن هناك فرقاً كبيراً بين نموذجي التنمية في دبي وسنغافورة، ففي حين حقق كلا النموذجين نجاحاً واضحاً في بناء اقتصاد حديث متطور، إلا أن دور المواطن في النموذجين مختلف.. ففي حين نجد أن المواطن السنغافوري هو من يمتلك ويجيد كل مهارة جديدة والمستفيد الأول من معظم فرص العمل عالية المهارة والدخل التي أوجدتها عملية التنمية، فإن من يمتلك كل ذلك في دبي عمالة أجنبية سيطرت تماماً على سوق العمل، ما تسبب في خلل سكاني خطير كان من نتيجته أن أصبح الأجانب يُشكّلون ما قد يزيد على 95% من سكان دبي.

نموذجنا التنموي وفي ظل اعتمادنا الكبير المتزايد على العمالة الأجنبية، هو أقرب إلى نموذج دبي منه إلى النموذج السنغافوري رغم وجود قوى متضادة تدفعه في اتجاه هذا النموذج أو ذاك.. ففتح الاستقدام على مصراعيه وبرامج السعودة الوهمية وسياسات الهيئة العامة للاستثمار لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية التي لا تشترط توظيف العمالة المواطنة هي قوى تدفع باقتصادنا نحو نموذج دبي.. في المقابل، المطالبة بسعودة الوظائف والامتعاض المجتمعي الشديد مما قامت به الهيئة العامة للاستثمار تمثل قوى تدفعنا نحو نموذج سنغافورة.. والسؤال الآن إلى أي النموذجين يمكن أن يتجه اقتصادنا؟.

من الواضح أنه ورغم الخطورة الكبيرة لاستمرار سيطرة العمالة الأجنبية على سوق العمل في المملكة وكونها غير مبررة في ظل النمو الكبير في حجم وتأهيل مواردنا البشرية إلا أن الاحتمال الأكبر هو ألا تنجح أي جهود تستهدف تحولنا نحو نموذج سنغافورة.. فكما كشفته حملة وزارة الداخلية الأخيرة على مخالفي الإقامة، فإن هناك فئات قوية ومتنفذة ارتبطت مصالحها بهذا النموذج، لذا فهي مستميتة في الدفاع عنه وتسعى للمحافظة عليه وتقاوم أي جهد لتصحيحه، حيث إنها صوّرت الوضع كما لو أن كارثة خطيرة ستحل بالوطن إن أعطيت الفرصة كاملة للمواطن، وأجبر صاحب العمل على توظيفه وقلَّ اعتمادنا على العمالة الأجنبية.. كما أن الدول التي تنتمي لها هذه العمالة هي الأخرى أبدت عدم رضاها عن محاولتنا تصحيح نموذجنا التنموي كونها تدرك أهمية الدور الذي تقوم به هذه العمالة في خدمة بلدانها ليس فقط أثناء وجودها بيننا، وإنما أيضاً بعد عودتها ممتلكة لأحدث التقنيات في العالم.

ما يعني أن هناك قوى ستقاوم أي محاولة لتحولنا نحو نموذج سنغافورة، ولن نستطيع الوقوف في وجهها إلا من خلال إستراتيجة وطنية تستهدف دفع اقتصادنا في هذا الاتجاه قسراً وبحزم لا يثنيه صراخ وعويل من يقدمون مصالحهم الخاصة الضيقة على مصلحة الوطن.. ومن المؤكد أن هذا التحول الإستراتيجي لن يكون سهلاً وسيقاوَم من جهات متنفذة لها تأثير على عملية صنع القرار، كما أن له ثمناً يلزم دفعه في المدى القصير.. علينا جميعاً أن نكون مستعدين لتحمله، فالعائد في المدى الطويل أكبر وأضخم من أن نتجاهله أو نضيعه.

وعلينا أن ندرك جميعاً أن تحقيق اعتماد أكبر على مواردنا البشرية ورفع نسبة مشاركتها في سوق العمل هو السبيل الوحيد للوصول إلى حل جذري لمشكلاتنا الاقتصادية، التي تبدو الآن كما لو أنها مستعصية على الحل رغم كل ما نتمتع به من وفرة مالية، والتي يأتي على رأسها مشكلات تزايد الفقر وارتفاع معدلات البطالة وسوء توزيع للدخل، وما لم نتخذ خطوات جادة ضمن إستراتيجية شاملة لا يُتَراجع عن تنفيذها عند أدنى عقبة تواجهها فإن استقرارنا الاجتماعي والاقتصادي سيكون في خطر كبير.

 

 

الآن:الجزيرة

تعليقات

اكتب تعليقك