مخاطر إعادة التمويل في منظومة التمويل العقاري بقلم د. فهد بن عبد الله الحويماني
الاقتصاد الآنإبريل 15, 2013, 3:04 م 643 مشاهدات 0
إعادة التمويل في التمويل العقاري تعني إيجاد الآليات اللازمة لرفع مستوى السيولة في منظومة التمويل العقاري، لسبب بسيط هو أن الممولين العقاريين، خصوصاً شركات التمويل العقاري المرخصة، لن تتوافر لديها السيولة الكافية للاستمرار في تقديم القروض السكنية والتجارية دون آلية معينة لتوفير السيولة عند الحاجة. ولو كان من يقوم بالتمويل العقاري فقط المصارف التجارية لما كان هناك حاجة إلى إعادة التمويل بسبب حجم السيولة المتوافرة لدى المصارف. فعملية إعادة التمويل لا تخلو من التحديات الكبيرة والمخاطر التي تصل في أحيان إلى تهديد النظام المالي بأكمله. كيف تعمل شركات إعادة التمويل وما الوسائل التي بيديها لتوفير السيولة للممولين العقاريين؟
حددت اللائحة التنفيذية لنظام التمويل العقاري رأسمال شركة إعادة التمويل بخمسة مليارات ريال، ويجيز النظام إنشاء أكثر من واحدة منها، إلا أن من غير المتوقع قيام أكثر من شركتين نظراً للمخاطر العالية التي تتعرض لها هذه الشركات المتخصصة وصعوبة إدارتها؛ لذا ليس من المستغرب أن يكون راتب الرئيس التنفيذي لواحدة من هذه الشركات في الولايات المتحدة عام 2011 أكثر من 20 مليون ريال. أول من سينشئ شركة لإعادة التمويل هو صندوق الاستثمارات العامة ـــ وذلك كمطلب نظامي ـــ مع السماح للممولين العقاريين بامتلاك 30 في المائة كحد أقصى من أسهم الشركة، وطرح جزء للمساهمين من الأفراد مع احتفاظ الصندوق بحصة لا تقل عن 51 في المائة. أما بالنسبة إلى شركات التمويل العقاري ذاتها فرأس المال المطلوب لا يقل عن 200 مليون ريال، وهنا تنشأ الحاجة إلى إعادة التمويل. فكيف يمكن تقديم تمويلات عقارية على نطاق واسع من قِبل شركة رأسمالها فقط 200 مليون ريال؟ الحل يتم من خلال تدوير القروض بحيث يصبح الممول العقاري أشبه بشركة تسويق في منظومة التمويل العقاري، فتقوم بتسويق خدماتها للمستفيدين من أفراد ومؤسسات وشركات، وتقوم بإنهاء إجراءات الحصول على القروض وتسديد المبالغ النقدية اللازمة لشراء العقار، ومن ثم تقوم ببيع عقود هذه القروض على أطراف أخرى، فتضخ السيولة لها مرة أخرى. وقد أجاز النظام لهذه الشركات إعادة التمويل كذلك من خلال طرح أوراق مالية مبنية على ما لدى الشركة من عقود قروض عقارية، أي أن إعادة التمويل تتم من خلال بيع عقود القروض على شركة إعادة التمويل ومن خلال قيام شركة التمويل بتجميع ما لديها من عقود تمويلية ومعاملتها كأصول يصدر بناءً عليها صكوك أو سندات تباع في السوق المالية في المملكة.
أين المخاطرة في إعادة التمويل؟
أولاً إن عملية قيام شركات صغيرة ـــ برأسمال 200 مليون ريال ـــ بإصدار سندات عقارية لن يخلو من الإشكاليات على الرغم من أن كل من مؤسسة النقد وهيئة السوق المالية ستقومان بالإشراف على هذه الجزئية باشتراط الحصول على الموافقة وعدم إصدار سندات إلا بعد مضي على الأقل عام واحد على منح التمويل... إلخ. هنا قد لا تكون المخاطرة على النظام المالي كبيرة جداً فيما لو كان هناك تجاوزات من شركة أو شركتين من شركات التمويل العقاري إلى درجة إفلاسهما، لكن المشكلة الحقيقية هي إفلاس شركة إعادة التمويل ذاتها، التي يمكن تشبيهها بإفلاس البنك المركزي لإحدى الدول! هل ممكن أن تفلس شركة إعادة التمويل (الوحيدة)؟
شركة إعادة التمويل شركة كبيرة برأسمال خمسة مليارات ريال تأخذ الطابع الحكومي، وهي ليست حكومية، ورسمياً غير مضمونة من الحكومة، إلا أنها فعلياً تحظى برعاية حكومية وستحاول الحكومة بشتى الطرق لمنع دخولها في صعوبات مالية. لتوضيح عمل هذه الشركة نفرض أن لدينا 20 شركة للتمويل العقاري تمنح قروضاً عقارية برهن العقار ذاته، فتكون المخاطرة المالية محدودة إلى حد ما، حيث يمكن بيع العقار واستعادة ما تم دفعه للشخص المقترض، خصوصاً أن النظام حالياً صدر باشتراط ألا يزيد مقدار القرض العقاري على 70 في المائة من قيمة العقار، مع إمكانية تغيير ذلك حسب الظروف الاقتصادية. لو أن هذه الشركات قامت بمنح 100 ألف قرض بمتوسط تمويل يبلغ مليون ريال، لكانت هناك حاجة إلى سيولة تبلغ 100 مليار ريال، بينما رؤوس أموال شركات التمويل مجتمعة فقط أربعة مليارات ريال، إضافة إلى خمسة مليارات ريال رأسمال شركة إعادة التمويل.
بداية المخاطرة ستنشأ عندما تقوم شركات التمويل بالاقتراض لتتمكن من منح القروض، وكذلك عندما تقوم شركة إعادة التمويل بالاقتراض لتتمكن من شراء عقود القروض من شركات التمويل. المخاطرة الأكبر تأتي عندما يدخل مستثمرون آخرون لشراء سندات القروض التي تصدرها هذه الشركات، ثم لا يستطيعون استعادة رؤوس أموالهم، فتحدث ربكة كبيرة في النظام المالي ككل، ولا سيما أن معظم هؤلاء المستثمرين من المصارف والمؤسسات المالية الكبرى، كتلك المعنية بمعاشات التقاعد أو الصناديق المالية الموجهة للأفراد.
هنا، تجدر الإشارة إلى أن السندات التي تصدرها هذه الشركات تأتي بأصناف عديدة حسب درجة المخاطرة في كل فئة. فمثلاً يمكن لشركة إعادة التمويل أن تصدر سندات فئة ''أ'' وفئة ''ب'' وفئة ''ج''، بحيث إن من يملك سندات فئة ''أ'' له الأولوية بتسلم التدفقات النقدية الشهرية التي يقوم المقترضون من الأفراد بسدادها، ثم يليه من يحمل سندات فئة ''ب'' وهكذا. هذا يعني لو أن مجموعة من المقترضين عجزوا عن سداد قروضهم وكان هناك نقص في التدفقات الشهرية، فإن مالكي سندات فئة ''أ'' سيحصلون على فوائدهم الشهرية دون انقطاع وربما مثلهم ملاك فئة ''ب''، إلا أن ملاك فئة ''ج'' قد لا يُدفع لهم شيء. غير أن ملاك فئة ''ج'' يقبلون بذلك؛ لأن العائد المفترض لسنداتهم أعلى من عوائد السندات الأخرى. كذلك، يمكن هندسة هذه السندات بحيث إن من يستثمر في سندات فئة ''أ'' لا يتضرر نتيجة قيام المقترضين من الأفراد بسداد أقساط شهرية أعلى من المبالغ المحددة، ربما لتوافر سيولة نقدية لديهم فيودون تعجيل سداد القرض، بينما نجد أن ملاك سندات فئة ''أ'' لا يرغبون في تسلم عوائد شهرية أكثر من المقرر لهم؛ لأن استعجال السداد يقلص العائد الذي يرغبون في الحصول عليه، فيمكن حمايتهم من السداد الإضافي على أن يتحمل ملاك الفئات الأخرى ـــ تسلسلياً ـــ تبعات ذلك السداد.
إذاً تنشأ المخاطرة نتيجة تخلف المقترضين عن السداد، ما يضع شركات التمويل في مأزق تتعاظم حدته مع نسبة العاجزين عن السداد، وقد تصل المبالغ إلى أرقام فلكية في حالة عدم انضباط المنظومة وتهاون الجهات المسؤولة
تعليقات