السقوط المستحق لمصارف قبرص بقلم زياد محمد الغامدي
الاقتصاد الآنإبريل 11, 2013, 1:22 م 669 مشاهدات 0
لا يهم مصدر الأموال، ولن ندقق في طبيعة النشاط التجاري، ولن نسأل عن علاقتك بعملائك، كما أننا سنغض الطرف عن حوالاتك المالية المشبوهة، ولن نفصح عن أرصدتك حتى لا يفتضح أمرك في دولتك وغيرها من دول العالم، ومن ثم تضطر لمواجهة القضاء وجهات التحقيق المختلفة أيضا، كما أننا سنوفر لك استشارات قانونية تسهل تعاملك مع المصارف الغربية. وكي نسهل عليك القدوم والإقامة سنسمح للبلديات والمحال التجارية باستخدام لغتك في اللوحات الإرشادية وفي المحال التجارية، كل ذلك حتى لا تشعر بالغربة أثناء اقامتك لغسل أموالك - عفوا قصدت إقامتك لتسيير شؤونك التجارية. وفوق هذا كله لن نأخذ منك سوى 10 في المائة ضريبة على أرباح شركاتك المصطنعة، هي الأقل في الاتحاد الأوروبي، وهي حصتنا ونصيبنا من الكعكة القذرة. تلك كانت سياسة جزيرة قبرص المصرفية مع الروس، الذين بدأوا في التوافد على قبرص لحظة انهيار الاتحاد السوفياتي، الذين سمحت لهم قبرص بتسجيل البواخر المسروقة والمنهوبة من الدولة لحظة الانهيار بأسماء من نهبوها لإضفاء شرعية التملك وللبدء في إعلان الجزيرة عاصمة كبرى لغسل أموال الروس في أوروبا.
وهذه السياسة التي تبنتها جزيرة قبرص سمحت للمصارف لتتضخم حتى بلغت 750 في المائة من مجمل الناتج المحلي، وفي تقديرات أخرى متحفظة 500 في المائة من الناتج المحلي للجزيرة. ففي عام 2011 دخل قبرص نحو 119 مليار دولار من روسيا فقط، وفي العام نفسه خرج نحو 129 مليار دولار من الجزيرة إلى روسيا. وليس غريبا أبدا أن تحل جزر الكايمن في المركز الثاني للحوالات النقدية لقبرص، وجزيرة جيرسي في المركز الثالث. هذا هو مثلث غسل الأموال في العالم، وللأسف ما زال الصمت الدولي سيد الموقف. وللمعلومية، فاقتصاد قبرص يقوم على الفنادق والشاليهات والمطاعم السياحية، فأين كانت المصارف تستثمر هذه الأموال الضخمة؟ الجواب في سندات جارتها اليونان، ومع تأزم الوضع في اليونان تأزمت قبرص حتى وصل الأمر الى ما وصل له الآن.
ولكن الاتحاد الأوروبي بقيادة ألمانيا، ليس على استعداد لإنقاذ مصارف قبرص دون تدمير الودائع الروسية القذرة، وبذلك أتت حزمه المساعدات بشروط مغلظة على المودعين الذين يملكون أكثر من 100 ألف يورو، ومعظمهم من الروس وغيرهم ممن لديه الكثير لتخبئته، ومع حزمة الإنقاذ المالي أيضا فرضت قواعد مصرفية حازمة ودقيقة لمكافحة غسل الأموال، سعى لفرضها الألمان تحديدا، حيث شكلت وزارة المالية الألمانية لجنة عليا ترجع للوزير، مهمتها دراسة الوضع الأخلاقي وشبه غسل الأموال في مصارف قبرص، وتوصلت اللجنة بعد الفحص والتدقيق إلى أن مصارف قبرص بيئة سهلة لغسل الأموال، ووضعت أحكام وقوانين محكمة وملزمة لقبرص كي تطبقها بلا (لف ودوران)، واعتبر ذلك جزء من المساعدات لها.
لا يمكن لدولة أن تنجح وتحقق التنمية حين تتبنى سياسات اقتصادية كالتي تبنتها قبرص. أقول هذا في الوقت الذي يتوقع أن يشهد عدد من دول الخليج العربي، وبالأخص دبي، تدفق في الودائع القادمة من أوروبا. الحذر كل الحذر من استقبال مثل الودائع الموجودة في جزيرة قبرص، فهذه الودائع لا تجلب سوى الشبهة، ومعها تأتي من يمثلونها من المرتزقة والسرقة والقتلة وتجار المخدرات وغيرهم، فتقرير اللجنة الألمانية اعتمد بشكل أساسي على أقوال أوروبيين وأمريكان، تعرضوا للسرقة وتعرض ممثلوهم للقتل، ولغيرها من الجرائم البشعة، فالحذر من هذه الودائع واجب.
إن السقوط المدوي لمصارف قبرص نتيجة ونهاية مستحقة لتبني سياسة استقطاب الودائع المشبوهة، كما تأتي كدرس لدول الاتحاد الأوروبي قاطبة، فسكوت الاتحاد الأوروبي على الممارسات غير الأخلاقية لأي من دول الاتحاد سيكون له أثر كارثي على بقية دول الاتحاد عاجلا كان ذلك أم آجلا. وتحميل المودعين جزءا من الخسائر عملية موفقة، فـ 34 في المائة من ودائع قبرص فوق المائة ألف يورو لروس مشبوهين، ويجب عليهم تحمل الخسائر مبدئيا، على أن يتم العمل على القضاء، وبشكل كلي، على البيئة القبرصية المحفزة لغسل الأموال في الأيام والأشهر القادمة. وعلى دول الخليج العربي، وبالأخص دبي، الحذر من تدفق الودائع القادمة من أوروبا، فما ينتج من الشر والرذيلة، لا يؤدي سوى لكارثة فظيعة.
تعليقات