التهرب من دفع الزكاة بقلم سعود بن هاشم جليدان

الاقتصاد الآن

1330 مشاهدات 0


 


أوردت صحيفة 'الاقتصادية' أن أحد كبار التجار في إحدى مدن المملكة الرئيسة يتهرب من دفع الزكاة. والتهرب من دفع الزكاة والضرائب والرسوم بشكل عام ليس محصوراً في عدد صغير من الأفراد أو الشركات، لكنه ممارسة واسعة تشمل كثيرا من الأعمال الكبيرة والصغيرة، وكذلك الأفراد في كل دول العالم. والتهرب من دفع الضرائب في معظم الحالات لا يكون بعدم دفعها كليةً، لكنه يتم من خلال استخدام الثغرات القانونية وغير القانونية في الأنظمة الضريبية، أو التدليس في استخدام البيانات المالية لخفض قيمة الأوعية الضريبية لدى المكلفين، أو رفع مقدار الحسوم الضريبية، أو التأخر في دفع المستحقات الضريبية، أو المماطلة في دفعها. ويستحيل القضاء كلياً على عمليات التهرب من دفع الضرائب والرسوم، لكن دول العالم تسعى للحد منها وخفضها إلى مستويات متدنية، وذلك من خلال وضع العقوبات المناسبة على المتهربين من دفع الضرائب وتفعيل هذه العقوبات ورفع كفاءة المؤسسات الضريبية. ويعتقد كثير من الناس في المملكة أن حجم إيرادات الزكاة منخفض مقارنةً بالوعاء الضريبي المفترض. وأوردت جريدة 'الاقتصادية' أن حجم المتحصل من الزكاة يصل إلى نحو 11 مليار ريال؛ ما يعني أن الوعاء الضريبي للزكاة في المملكة لا يتجاوز 440 مليار ريال، وهذا الوعاء منخفض الحجم مقارنةً بالبيانات القومية المتوافرة، ولهذا فمن شبه المؤكد أن حجم تحصيل الزكاة منخفض. من جهةٍ أخرى، يبالغ بعضهم في حجم الزكاة الممكن جمعها حتى وصلت بعض التقديرات إلى تريليون ريال.

فهل يمكن تحصيل زكاة بهذا المقدار من اقتصاد يصل حجمه إلى نحو 2.8 تريليون ريال؟ وأعتقد أن هذا صعب المنال، فمن خلال النظر إلى البيانات القومية يستحيل جمع هذا القدر الكبير من الزكاة. وتدفع الزكاة على جزء يسير من الأصول الثابتة والأصول السائلة بما في ذلك الأرباح والمخزون في الاقتصاد التي يملكها القطاع الخاص التي تصل إلى النصاب لدى ملاكها. ويستثنى من وعاء الزكاة النظامي في المملكة الأغلبية الساحقة من الأصول الثابتة، وحصص المستثمرين الأجانب (يخضعون لضريبة الدخل)، والأصول السائلة لدى الأفراد، والأموال السائلة التي لم تبلغ النصاب، وكذلك أموال وأرباح القطاع الحكومي. ويدخل ضمن أموال الدولة القطاع النفطي الذي يصل حجمه بالأسعار الجارية إلى نحو نصف إجمالي الناتج المحلي.

وبلغ الناتج المحلي للقطاع الخاص غير النفطي (أو إجمالي الأرباح والأجور في القطاع الخاص) نحو 943 مليار ريال في عام 2012، ونسبة الأرباح مرتفعة في القطاع الخاص وتشكل أكثر من ثلثي ناتجه وقد تتجاوز 700 مليار ريال العام الماضي. أما حجم الأصول السائلة التي تجب فيها الزكاة فلا توجد إحصاءات أو تقديرات حولها، لكن إجمالي حجم الأصول السائلة الخاصة في الاقتصاد يمكن تقديره من خلال بيانات مؤسسة النقد العربي السعودي، التي تفيد بأن إجمالي موجودات المصارف وصل إلى نحو 1734 مليار ريال في نهاية 2012، وإذا تمت إضافة النقد خارج المصارف والذهب وباقي المعادن الثمينة فإن إجمالي الأموال السائلة للقطاع الخاص قد تصل إلى نحو ترليوني ريال. وللوصول إلى حجم وعاء الزكاة الإجمالي لا بد من تقدير حجم المخزون لدى القطاع الخاص والأصول غير السائلة التي تجب فيها الزكاة والأصول السائلة الموجودة خارج النظام المصرفي في القطاعات الاقتصادية الخاصة، وإضافة كل ذلك إلى الأصول السائلة في المصارف. وحجم المخزون والأصول غير السائلة التي تجب فيها الزكاة خارج المصارف كبير، لكن من الصعب أن تتجاوز قيمته قيمة ناتج القطاع الخاص غير النفطي. وقد تصل قيمة الحد الأقصى للمخزون والأصول غير السائلة التي تجب فيها الزكاة إلى ما بين 900 إلى 1000 مليار ريال. وبناءً على هذه المعطيات يمكن أن يصل حجم وعاء الزكاة الكلي في الاقتصاد إلى نحو ثلاثة تريليونات ريال كحد أقصى. ويعود جزء كبير من الأصول السائلة والأصول الثابتة التي تجب فيها الزكاة لملكية أفرادا أو مستثمرين أجانب لا تجمع منهم الزكاة حسب نظامها، وقد يصل حجم الأصول المستثناة إلى نحو نصف وعاء الزكاة الإجمالي. وفي تقديري، فإن الحد الأقصى الذي يمكن أن تصله قيمة وعاء الزكاة النظامي في عام 2012 سيكون في حدود 1.5 تريليون ريال. ولو صح هذا التقدير فإن قيمة وعاء الزكاة سيصل إلى نحو 37.5 مليار ريال، وهو ما يعني أن نسبة تحصيل الزكاة في الوقت الحالي تقل بقليل عن الثلث، كما يعني أن نسبة التهرب من دفع الزكاة في حدها الأقصى تصل إلى نحو الثلثين. وتعتبر نسبة تهرب ضريبي بمقدار الثلثين مرتفعة مقارنةً بنسب التهرب الضريبي في دول العالم المتقدم، لكنها لا تزال مجرد تقديرات للحدود القصوى. من جهةٍ أخرى، فإن حجم الزكاة المحصلة فعلياً يشير إلى تدني حجم وعاء الزكاة إلى مستويات تقل حتى عن أرباح القطاع الخاص غير النفطي، وهذا مؤشر قوي على أن هناك تهرباً كبيراً في دفع الزكاة. وظهور هذا المؤشر يتطلب القيام بعدة تدابير من أهمها، قيام الجهات المعنية بتحصيل الزكاة بإجراء دراسات ميدانية للتأكد من نسب التهرب من الزكاة، وكذلك مراجعة أنظمة تحصيل الزكاة ولوائحها وعقوبات التهرب من سدادها، وتطوير آليات تحصيل الزكاة ورفع فاعليتها.

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك