شركة أنعام بين منح الأسهم وتوفير النقد بقلم د. محمد آل عباس
الاقتصاد الآنإبريل 6, 2013, 2:17 م 870 مشاهدات 0
ليس عندي شك في أن ما قام به مجلس إدارة شركة أنعام القابضة عمل صعب جدا، لكنه أنجزه، ونقل به الشركة إلى عالم الأرباح بعدما عانت طوال عقود الخسائر المتراكمة التي تجاوزت 75 في المائة من رأسمالها، وهو الأمر الذي أجبر هيئة السوق المالية على أن توقف التداول على أسهمها. قام مجلس الإدارة الجديد بتغيير اسم الشركة من ''المواشي المكيرش'' إلى ''أنعام القابضة''، وذلك نظرا لأنه توسع في أنشطتها كثيرا، بعدما كانت محصورة (كما لم يزل نصها في موقع ''تداول'' الذي لم يتم تحديثه) في ''المواشي'' وصناعة اللحوم، ثم قام المجلس بتخفيض رأسمالها لإطفاء الخسائر حتى تعود الشركة للتداول ومن ثم زيادة رأسمالها، وذلك قبل نحو ستة أشهر، لتحصل الشركة من وراء الاكتتاب على تمويل بقيمة 80 مليون ريال. لقد رسم المجلس الجديد لشركة أنعام خريطة طريق للشركات الخاسرة، خاصة أن سوق الأسهم السعودية لم تزل تكافئ بمنح المزيد من التمويل، وأخيرا قام مجلس الإدارة بإعلان توصية بمنح أسهم (سهم مقابل كل عشرة أسهم) وذلك في مقابل الأرباح المبقاة، ووصفت إدارة الشركة هذه الخطوة برغبتها في تحقيق عائد للمساهمين.
لا أعرف لماذا تصر الشركات السعودية على اعتبار عملية توزيع الأرباح المبقاة إلى أسهم أنها ''منحة''، فلا هي منحة ولا هي تحقق عوائد للمساهمين. تحدث عملية منح الأسهم إذا قامت الشركة بنفسها بشراء أسهمها ثم قامت بعد ذلك بمنحها ''مجانا'' للموظفين أو غيرهم، وهذه الطريقة تستخدم عادة من أجل التحفيز أو لأغراض أخرى. أما ما تقوم به الشركات السعودية فهو حق للمساهمين ضمن حقوق الملكية، وتنعكس قيمته على سعر السهم المتداول، فهي ليست منحة لكن ما حصل هو تعديل لهيكلة حقوق الملكية ورأس المال وتعديل عدد الأسهم من خلال توزيع أسهم بقيمة ما تم تحويله من الأرباح إلى رأس المال، وأما قولهم إنها لتحقيق عوائد للمساهمين فهذا لا يحمل أي معنى أبدا، ذلك أن جميع الأرباح التي تم تحقيقها تم رصدها في سعر السهم من قبل، أي أن سعر السهم المتداول حاليا يعكس جميع الأرباح المبقاة فيه ضمنا، بل حتى الأرباح المتوقع الحصول عليها في المستقبل، فنحن في سوق الأسهم لا نبيع الماضي، بل نبيع المستقبل. نعم القوائم المالية تعرض الأرقام التاريخية، أي نتائج الأحداث الاقتصادية التي حدث فعلا في الماضي، بينما نحن في سوق الأسهم نتداول المستقبل والتنبؤات بالأرباح والخسائر المستقبلية لهذا، لذا فإنه من النادر يكون سعر السهم المتداول مساويا لقيمته الدفترية إلا في السنوات الأولى من التأسيس.
وللتوضيح، ففي شركة أنعام مثلا نجد سعر السهم قريبا من 39 ريالا، وذلك عند إعلان القوائم المالية لعام 2012، التي تضمنت الأرباح المبقاة. القيمة الدفترية (وفقا لموقع أرقام) بلغت 11 ريالا تقريبا، وإذا كانت القيمة الاسمية للأسهم تعادل عشرة ريالات فإن هناك ريالا واحدا دفتريا في مقابل الأرباح المبقاة، ولهذا جاء قرار المنح (سهم واحد في مقابل كل عشرة أسهم)، إذاً فالفرق بين سعر التداول (39 ريالا) والقيمة الدفترية (11 ريالا) يعني أن سعر السهم قد عكس الوضع القائم ومعه كل التوقعات المستقبلية بأداء الشركة (وضمن اتجاهات وتوقعات الأداء الاقتصادي الكلي) وحركة السهم (وضمن حركة واتجاه السوق ككل)، فالقول إن منح الأسهم يعني منح عوائد للمساهمين قول لا يدعمه الواقع، فلقد حصل المساهمون فعلا على العوائد عندما ارتفع السعر قبل إعلان القوائم المالية بمدة طويلة، وذلك بتأثير من قدرة السوق على التنبؤ وقدر ما من تسريب المعلومات. وإذا فهمنا هذا نعرف بالتأكيد لماذا ينخفض سعر السهم عندما تقوم الشركة فعلا بتقسيم الأسهم (أي منحها وفقا لمصطلح السوق). فبافتراض أن السعر سهم ''أنعام'' قبل المنحة بلغ 39.6 ريال فإن السعر بعد التوزيع سيصبح 36 ريالا. فالسعر لم يتغير حقيقة، إنما تمت إعادة توزيعه على عدد أكبر من الأسهم. قد يعتقد البعض أنه بعد المنحة يمكن للمساهم أن يبيع الزيادة التي حصل عليها في مقابل أرباحه، وبالتالي التمتع بالأرباح نقدا بعدما كانت محبوسة في الأسهم، لكن هذا لا يغير شيئا ولن يختلف عن مساهم آخر قام ببيع جزء من أسهمه قبل المنحة عند سعر 39.6 ريال، وذلك للحصول على الأرباح. فلو أن لدى مساهم 100 سهم بسعر 39.6 (أي 3960 ريالا) فإن لديه من ضمنها 11 سهما تعادل الأرباح المبقاة (أي 396 ريالا)، فلو باع أسهمه التي تعادل الأرباح فسوف يبقى معه 90 سهما بسعر 39.6 (أي 3564 ريالا) وهي القيمة نفسها لو تمت عملية المنح (حيث كان سيصبح معه بعد المنحة 110 أسهم – لأن المنحة سهم مقابل كل عشرة أسهم) لكن بسعر 36 ريالا (أي 3960)، ولو باع عشرة أسهم الزيادة بسعر 36 ريالا سيحصل على (360 ريالا) وسيبقى معه 100 سهم (بقيمة 3600). وهكذا يبقى المساهم عند مستوى الثروة نفسه سواء منحت الشركة الأسهم أو لم تمنحها. (لاحظ أن الفرق بين 3600 و3564 يساوي 36 ريالا وهو الفرق نفسه بين ما حصل عليه من أرباح في الحالتين، حيث إن الفرق بين 396 و360 هو 36 ريالا).
والسؤال الآن هو: لماذا تقوم الشركات بهذه العملية إذا كانت لا تحقق عوائد حقيقية للمساهمين؟ الإجابة دائما هناك في تلك القائمة السحرية، قائمة التدفق النقدي، إنها تخبر بالحقيقة الصامتة وهي قدرة الشركة على توفير النقد من نشاطها الرئيس، فكثير من الشركات قادرة بطريقة أو بأخرى على أن توفر الأرباح الرقمية التي تظهر في القوائم المالية، وأن تحقق أرباحا من خلال البيع بالأجل أو بطرق عدة يعرفها أهل المحاسبة المالية، لكن وضع السوق والمنافسة يجعلان توفير النقد من تلك الأرباح عملية صعبة، لذا تظهر الأرباح دائما مبقاة بينما النقد أقل بكثير من قدرته على تمويل أنشطة الشركة، فضلا عن توزيعه للمساهمين. بعض الشركات تتلاعب بالمساهمين بحيث تعلن عن توصية بتوزيعات أرباح لا تنوي توزيعها فعلا، ذلك أن قائمة التدفق النقدي ترسل لنا رسائل صريحة بعدم قدرة الشركة على تمويل هذه التوزيعات. البعض الآخر يمنح الأسهم على أساس أنها عوائد للمساهمين لكنها كما وضحت أعلاه ليست كذلك.
ملخص القول إن أداء ''شركة أنعام'' تحسن كثيرا بلا شك لكنها لم تزل تواجه المشكلة القديمة نفسها، مشكلة توفير النقد من الأنشطة الرئيسة، لعل الزيادة الجديدة في رأسمال الشركة تقدم لمجلس الإدارة فرصة ممتازة من أجل تطوير قدرة الشركة على توفير النقد، فهي الضامن الوحيد لقدرة الشركة على الاستمرار
تعليقات