الأمير العاشق للصحراء (1 من 3)
زاوية الكتابالوليد بن طلال: أنا محافظ دينيا إلى أبعد الحدود
كتب إبريل 3, 2013, 2:03 م 4498 مشاهدات 0
لم يكن وليد الصدفه بث لقاء الأمير السعودي الوليد بن طلال في قناته روتانا خليجية في 24 محطة تلفزيونية وإذاعية سعودية وعربية فرجل الأعمال الشهير لديه جهاز علاقات عامة نشط , ولم يكن من الصعب عليه الترويج لهذا اللقاء المهم إذ سبق لهذا الجهاز أن عبر بالأمير السعودي محطات قاسية في سيرته منها أزمة رفض عمدة نيويورك السابق رودلف جولياني لشيك تبرع تقدم به الأمير العربي الوليد بن طلال لصالح ضحايا تفجير مبنيي التجارة العالمية في نيويورك بعد أن تم قبول التبرع وأقيم إحتفال خاص بذلك والسبب ملاحظة أبداها الأمير في ذلك الإحتفال مفادها أن على الولايات المتحدة تغيير سياساتها الخارجية تجاه العرب .
إذن الوليد بن طلال لديه ما يقول في نواح عدة فكان هذا اللقاء الذي تم الترتيب له بإحترافية وأجري في أستديوهات قناة روتانا خليجية والتي يملكها وهي كتجربة إعلامية ستكون نواة لقناة إخبارية عربية ستطلق قريبا في البحرين يملكها الأمير ويخطط لأن تكون منافسه لقناتي الجزيرة والعربية الإخبارية أطلق عليها أسم قناة العرب .
محاورو الأمير كانوا أربعة سعوديين ومحاور مصري يعملون جميعا في قنوات تابعة للأمير لكنهم أشتهروا بالكفاءة المهنية وهم المحاور الرئيسي علي العلياني والإعلامية ميساء العمودي , والمذيع عبدالله المديفر , والإعلامي المصري في قناة روتانا مصرية تامر أمين إضافة لصحافي سعودي شهير هو جمال خاشقي الذي يتولى حاليا منصب مدير قناة العرب .
كان لافتا أن المحاورين في بداية اللقاء كانوا يمهدون لبعض أسئلتهم بالقول إسمح لي سمو الأمير على هذا السؤال الصريح وهي عبارة تنم عن تردد المحاور في حين كان المطلوب تحرك المحاورين بكل أريحية ومن دون الحاجة إلى التمهيد وهو ما أستدركوه لاحقا حين سخن اللقاء .
هذا لايعني أن أداء المحاورين كان سلبيا بل على العكس الأسئلة كانت مهمة ومطروحه ودقيقة لكنها لم تكن مفاجأة ولم تتضمن في أغلبها الطابع المحرج وهو ما كان يأمله ألاف الإعلاميين الذين يعلمون أن الأمير الوليد بن طلال متحدث لبق وحاضر الذهن والمعلومه وسبق له أن تجاوز مطبات حقيقة في لقاءات عده مع محطات تلفزيونية أجنبية شهيرة .
هذا عن شكل اللقاء ولكن ماذا عما كشفه اللقاء عن الوليد بن طلال ؟
الوليد بدأ ممتنا منذ البداية لوالده الأمير طلال بن عبدالعزيز ولوالدته منى رياض الصلح حيث حرص على الإشادة بخصال الثقة بالنفس ومحبة التغيير وخدمة المجتمع التي ورثها حسب قوله وأخوه خالد وشقيقته ريما من والديهما .
والده الأمير طلال بن عبدالعزيز وهو أحد الشخصيات العربية التي أشتهرت بالإنفتاح منذ الصغر كما أنه أشتهر بإنشاء مؤسسة خيرية وتنموية ضخمة كانت وراء إنشاء أول بنك عربي للفقراء وأول جامعة عربية مفتوحه أما الأميرة منى فقد كانت إبنة للسيساي اللبناني الوطني الشهير رياض الصلح والذي كان له دور مهم في إستقلال لبنان .
دور الأب والأم في حياة الأمير أمتد للجدين الملك المؤسس للملكة العربية السعودية عبدالعزيز بن عبدالرحمن , والجد الآخر رياض الصلح رئيس وزراء لبنان وأحد من يوصفون بمحرري لبنان وهما الذين أعتبر الحفيد الوليد الصلة بهما ' شرف أنعم الله عليه به وأمر أشكر الله عليه ليل نهار فبهما كانت صفات السلام والعروبة والشهامة والاصالة '
وأختصر الحفيد حديثه عن الجدين بتجسيدهما لصفتي الوحدة والتحرير قبل أن يتمنى أن يتحلى ولو بقدر ضئيل من صفاتهما .
ولأن النقل التلفزيوني شمل محطات لبنانية كان للحديث مغزى مهم في لبنان تحديدا فالوليد بن طلال يحمل الجنسية اللبنانية وينتمي لبيت سياسي عريق ما جعل البعض يطرح ذات مره ترشحه لمنصب رئيس الوزراء اللبناني خلال فترة صراع سياسي خاضه عبر سلاح الإقتصاد ضد الرئيس اللبناني الراحل رفيق الحريري .
'الإنتماء إلى أسرة آل سعود هذا بحد ذاته شرف كبير ومسؤولية في نفس الوقت ' هكذا كان رد الأمير على سؤال يتعلق بإنتماءه الأسري قبل أن يستعرض جزءا من تاريخ الدولة السعودية الأولى عبر ذكر التاريخ الدقيق لنشوء تلك الدولة عام 1745 ليخلص أن هذا الأمر خلق مسؤولية كبيرة على أسرته .. آل سعود .
الإمارة التي يعتبرها موروثة ومصدر فخر له حرص أن يخضعها لبيت الشعر الشهير ' لا تقل أصلي وفصلي أبدا ... إنما أصل الفتي ما قد حصل ' والذي ذكره عن ظهر قلب .
السؤال المهم عن طموحات الوليد بن طلال السياسية وهو سؤال مستحق يحتاج إلى إجابة تفسر سر إهتمام الأمير بالشأن السياسي وبتكوين علاقات مع رؤساء دول كبرى عده لم تكن إجابته بقدر أهمية السؤال فكانت الإجابة تقليدية بحته ولا تتناسب مع النمط المتفرد لشخصية الأمير ' شوف يا اخي نحنا كلنا في خدمة الوطن والآن العمل والمال والأعمال والإقتصاد كلها متشابكه مع بعض .....' .
وهي الإجابة التي حين قطعها المحاور الرئيسي لأن هناك محور خاص بذلك طلب الأمير مواصلة الإجابة ربما مدركا لأهميتها ' السياسة متشابكة مع كل هذه الأمور الآن '
لتصبح الإجابة بعد دمجها ' شوف يا اخي نحنا كلنا في خدمة الوطن والآن العمل والمال والأعمال والإقتصاد كلها متشابكه مع السياسة ' .
إذن وبشكل العام الطموحات السياسية للوليد بن طلال يحققها عبر وضمن المشاريع والإستثمارات وعبر الأنشطة المجتمعية هكذا كان ظاهر الإجابة .
لكن لا أحد من المحاورين وربما لأسباب مفهومة حاول التطرق لما يوصف بالتنافس بين أبناء الجيل الثاني من آل سعود على القيام بدور أكبر تمهيدا لمرحلة ما بعد أبناء الملك المؤسس عبدالعزيز وهي إجابة كانت ستثري اللقاء .
الملاحظة المهمة خلال الحديث عن الشق المتعلق بالطموحات السياسية أن المشهد أو ما يسمى بلغة الإعلام الكادر أي المشهد الخلفي للمذيع تم الحرص خلال اللقاء أن يتضمن صورا للقاءات جمعت الأمير مع زعماء دول ورؤساء وكان من ضمن ذلك في كادر ميساء العمودي صور للقاءه بالرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي , وفي كادر المحاور الرئيسي صورا للقاءه مع مجموعة من المواطنين السعوديين الذين يأتون لمخيمه في الصجراء بشكل مستمر ومنذ ثلاثين عاما ليقوم بمساعدتهم , في حين تضمن أحد الكوادر صور للقاءاته مع الرئيس الفرنسي الحالي رولان هولاند ومع أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة وفي الاعلى جزء من صورة للقاءه مع أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد .
أما كادر المذيع عبدالله المديفر فكان صورة تجمع الأمير بأيقونة شركة أبل ومؤسسها ستيف جوبز وقد كان لأيقونة شركة مايكروسوفت بيل جيتس نصيبا في كوادر اللقاء حيث كانت كادرا المذيع تامر أمين لتصل الرسالة ... الأمير نشط سياسيا وإجتماعيا وعلميا ولهذا بالفعل كان اللقاء 'متعوب عليه ' .
الأمير الذي يدرك جيدا أن اللقاء مشاهد عربيا حرص ومنذ إجابته الأولى على التذكير بأنه ومنذ الصغر كان حريص على تحقيق شيء ماء يخدم دينه أولا ثم وطنه فأمته وهي تراتبية لم تأتي عبثا وتعكس حسن إستعداد الأمير للقاء وربما الرد على من يتهم الأمير بالتحرر الذي يتم على حساب الدين .
السؤال الذكي جدا للإعلامية ميساء العمودي والتي أستغربت فيه من حرص الأمير على التواجد في مدينة الرياض رغم الشكاوى من الإزحام ومما أسمته تقييدا للحرية الشخصية ومن قلة أماكن الترفيه .
هذه الملاحظات التي قد تشجع الإنسان العادي على البحث عن مكان بديل فما بالك بأمير بثراء الوليد بن طلال إستطاع في معرض إجابته وبذكاء أن يحولها إلى العكس ' أنا أعشق المملكة العربية السعودية ..وبالتحديد أعشق الرياض '.
هذه العبارة لها مفعول السحر خصوصا أنها أتت لتصحح فكرة شائعة أنه أمير يميل للتغريب ويسعى لأمركة المجتمع السعودي لهذا كانت إشارته أنه قضا معظم حياته في الرياض ما عدا فترة بسيطة قضاها في الولايات المتحدة .
الرياض التي حرص الأمير أن يربط عشقه لها بكونه ولد فيها وترعرع ما يجعل هذا العشق الخاص غير متعارض مع باقي مدن السعودية هذه المدينة لها خصوصية لدى الأسرة السعودية الحاكمة ففيها ومنها وإليها وخلالها وعبرها بدأ الحكم السعودي وأستمر في دولة واحدة ت زمنيا فترتي توقف , فالرياض ونجد كانتا ولا زالتا مركز ثقل الحكم في زمن الشح والبذخ فكانت الرياض بالنسبة للوليد علاقة عشق ومحبة وأهل وربع وعشيرة وعائلة وإحساس بالأمن والأمان والسعادة .
إذا كانت هذه الإجابة وفق وجهة نظر تحليلة للقاء تؤكد على الأصالة والإعتزاز بالإنتماء للوطن وللعمق كانت الإجابة المتعلقة بسر تعلقه بالصحراء موجة ثانية تضفي على صورة الوليد نمطا سعوديا وعربيا قح لا يجعل هناك مجالا لإتهامه بالتغريب فكانت صحراء الوليد العلاقة الأزلية التي بدأت منذ الصغر برحلات شارك فيها والده الأمير طلال وعمه الأمير نواف الأمر الذي زرع في نفسه محبة الصحراء .
الأمير الذي أندمج في حديثه عن الصحراء حين قرن البر 'بالتاريخ والأصالة والتراث والعمق والجلسة على الأرض والنقاش والحوار مع أهل البادية ' أعتبر أن كل ذلك يعني له الكثير .
المذيع عبدالله المديفر إلتقط إجابات الأمير العصري المندمجة في حب الصحراء بذكاء فأثار سؤالا شائعا عن الحياة العصرية للأمير ومدى تعارضها مع قيم التدين والقيم المحافظة التي يعيشها المجتمع السعودي فكان رد الأمير الذي قد يستغربه كثيرون ويستحسنه كثيرون وربما يرفضه كثيرون .
' أنا لا أرى أي تعارض وإختلاف بين الإثنين ( العصرنة , والتدين والمحافظة) فأنا أعتقد أنني دينيا متحفظ ومحافظ جدا مثلي مثل أغلبية الشعب السعودي بينما إجتماعيا لن أقول أنني ليبرالي لكنني منفتح أيضا مثل معظم الشعب السعودي '
وهو يرى أنه يطبق ما يؤمن به من محافظة في التدين وإنفتاح في المجتمع من دون تعارض كما معظم الشعب السعودي .
المذيع الدفير وهو متدين واصل بذكاء سؤاله الأول بطريقة مختلفة حين لاحظ مستفسرا أن غالبية المحافظين في السعودية يرون أن الوليد بن طلال أمير بمسحة ليبرالية فواصل الأمير بدوره تكرار إجابته الأولى بالتأكيد أنه دينيا متحفظ ومحافظ لأبعد الحدود وأن كل حياته مرتكزه على الدين الإسلامي فالمواعيد تكون ما بعد أوقات الصلاة أو قبلها أما فيما يتعلق بالمسحة الليبرالية والتنويرية أوما شابه وهي التي عددها الأمير وهو يشيح بيده في الهواء فقال ' كلها أنا بعيد عنها '.
وفي تحليل لهذا الجانب في المجتمع السعودي رأى الأمير أن معظم المواطنين والمواطنات في المجتمع السعودي يسيرون في إتجاهين ' فنحن شعب محافظ دينيا لكنه إجتماعيا منفتح ..لا نقول تنويري ولا نقول ليبرالي لكننا منفتحين ' .
الإجابة بالطبع ذكية وتتناسب مع طبيعة المجتمع السعودي لكنها لم تحصن الأمير تماما من إتهامات المحافظين .
الأمير الذي إستدل ومنذ بداية اللقاء بإستشهادات دينية عاد ليدلل على أهمية الوقت في حياته بمثال طريف ودقيق حين ذكر حين سأله الإعلامي خاشقي عن سر تشدد الأمير بعامل الوقت وإعطاء الأهمية للدقيقة الواحدة ' حين سألني صحافي عربي عن ذلك أعطيته مثالا على أن الإسلام يحاسب على الثانية فإذا كانت صلاة المغرب الساعه السادسة وقلت الخامسه وتسع وخمسون دقيقة وتسع وخمسون ثانية وقلت الله أكبر فلا صلاة لك ... '
وضرب مثالا مشابها في عدم قبول الصوم إذا أفطر المسلم قبل بثانية واحدة ليتساءل ' هل الله العفور الرحيم يحاسب على ثانية واحدة ؟ بطبيعة الحال لا فالله غفور رحيم ... لكنها رسالة دينية إسلامية للمواطن المسلم والمواطنة المسلمة أن تتقيد بالثانية '
ليعلق بطرافة ' فقلت لهذا الصحافي إسمح لي أن تقيدت بدقية فأنا هنا أضعف بستين مره من قوة الإسلام في هذا '
ربما بعد هذه الإجابة ' المتعوب عليها ' تتغير نحو الأفضل الصورة النمطية للأمير العصري الوليد لدى بعض المحافظين في السعودية ... ربما .
الجانب المتعلق بشخصية الأمير أنهى وغدا نواصل المحاور المتعلق بالشأن السياسي والإقتصادي . ( يتبع)
تعليقات