«السعودية 2075».. رؤية مستقبلية وخريطة طريق بقلم عثمان الخويطر

الاقتصاد الآن

1000 مشاهدات 0


 


هذا هو عنوان دراسة علمية قيّمة وحديثة، تتكون من مجلدين من الحجم الكبير، من تأليف الأخ الفاضل عبد العزيز بن إبراهيم بن محمد الحقباني. وهو مؤلَفه الثاني بعد كتابه الأول (2007) الذي كان بعنوان ''صناعة التاريخ، السعودية وثورة الطاقة البديلة''. والذي تنبأ فيه بأن العالم مقبل على تحدٍ كبير في مجال الطاقة، وبأننا على أبواب ثورة للطاقة البديلة؛ ولأهمية هذا المؤلف، أقترح أن يهتم بقراءته المسؤولون في الجهات المختصة في المملكة.

والمُؤلَّف الأخير يُعد بحق متعمقا في تحليل واقع ومستقبل الطاقة، وما تضمنه من أفكار جوهرية للتعامل مع المرحلة القادمة التي ستشهد تحديا كبيرا لتأمين مصادر الطاقة الرئيسة على المستويين المحلي والعالمي؛ وذلك بطرح رؤية مستقبلية قد تسهم في تجنب المملكة كثيرا من التقلبات التي بدأنا نشهد بوادرها على الساحتين الإقليمية والعالمية. ويقع الكتاب في 616 صفحة من الحجم الكبير، مع إخراج مُتميز وحروف متوسطة الحجم، وبلغة ميسرة وسهلة الفهم لغير المتخصصين في الاقتصاد وشؤون الطاقة. وتتجلى في الدراسة عمق المواطنة الحقَّة بجليل معانيها التي يتحلى بها المؤلف، جزاه الله عنا خير الجزاء ونفع بعلمه ومجهوده. وهذه الدراسة تتحدث بمجملها عن الوضع الحالي والمستقبلي لمصادر الطاقة بشتى أنواعها، وهي دراسة تحليلية شاملة مُجردة من الأهواء والمصالح الخاصة، وتختلف اختلافاً جوهرياً عن معظم الدراسات التقليدية والمتحيزة. ويبين الأستاذ عبد العزيز فيها رأيه المتنور وبصراحة متناهية بناء على حقائق ومعطيات وتحليلات واستنتاجات علمية. وسيجد القارئ بين ثناياها ما لم يعهد من المعلومات القيمة عن كل ما يتعلق بشؤون مصادر الطاقة التقليدية وغير التقليدية والطاقة المتجددة، وذلك بأسلوب مُبسَّط بعيد عن المصطلحات العلمية والفنية المُعقدة. وتُؤكد الدراسة أن العالم اليوم أصبح على أبواب عصر جديد يتميز بمرحلة انتقالية من الطاقة النفطية الرخيصة إلى عالم مصادر الطاقة المكلِفة والمتجددة وتحدياتها. كما تنبأ المؤلف بحدوث ثورة تغيير في المصطلحات الاقتصادية التقليدية وتحولها إلى مسميات غير تقليدية في عصر ما بعد الطفرة الاقتصادية العالمية، التي كانت قد بُنيت أساساً على مصادر الطاقة النفطية الرخيصة. وهو من المؤيدين والداعين إلى قيام صناعة متكاملة لتوليد الطاقة الشمسية على أرض المملكة بمنظومة غير تقليدية، تستفيد من الميزة النسبية الجيوجغرافية للمملكة. وكان قد تقدم منذ سبع سنوات باقتراح إلى المقام السامي بإنشاء ''مدينة لتوطين صناعة الطاقة الشمسية'' تكون حاضناً لجميع الصناعات المتعلقة ببرنامج إنشاء مرافق توليد الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية. فقد كان له السبق وهو ينبه إلى أهمية الطاقة الشمسية لمستقبلنا. ومن المؤسف أن اقتراحه آنذاك لم يلق الاهتمام الذي يستحقه من المسؤولين في المراكز ذات الاختصاص، ما تسبب في تأخير الدخول لعدة سنوات إلى هذا المجال الحيوي الذي نحن في أمس الحاجة للبدء في تنفيذ مشاريعه والاستفادة من السبق إلى مضماره، ونحن الأحق بين الدول أن نكون في المقدمة.

الكاتب أثار أسئلة محيرة، على المستويين المحلي والعالمي؛ وأجاب عنها بكل جدارة واقتدار. فهو يتوقع أن ''ذروة الطاقة'' مرحلة قادمة لا محالة؛ وأن هذه المرحلة ستشهد مرحلة نظام اقتصادي جديد. فهو يقول: ''لكي نصنع المستقبل.. يجب أن نقرأه''؛ وهو بذلك يستشرف ما أسماه ''الاقتصاد غير التقليدي''. فيشرح ماذا يعني؟ وعلى ماذا يقوم؟ وما مظاهره؟ وهل للمملكة دور فيه؟ وما فرص الاستثمار فيه؟

ويقول: ''العصر القادم عصر ''الاقتصاد غير التقليدي''، ستتشكل فيه حضارات وستندثر أخرى.. والدول التي تحسن قراءته، والاستعداد له، وتقوم بتوفير متطلباته، ستتوافر لها فرص النجاح أكثر من غيرها. والأكيد أن من يفرِّط في موارده التي يمكن أن تساعده على تجاوز هذه المرحلة فإنه سيفرِّط في طوق النجاة ولن يكون هناك فريق إنقاذ يتولى مساعدة الغرقى...''؛ ص 418.

كما أنه أسهب في تحليل استهلاك الطاقة على المستوى المحلي؛ ويتوقع أن تصل المملكة إلى مرحلة أسماها بـ ''ذروة الاستهلاك المحلي''. وتطرق إلى آثارها وتبعياتها بتفصيل دقيق؛ مدعم بالرسوم البيانية المبنية على الأرقام الحقيقية، ومنها يرسم الخطوط المستقبلية؛ التي لا شك أنها ستفاجئ الجميع! وهذه الدراسة العلمية المُبسَّطة (مع ضخامتها) عن المستقبل الاستراتيجي للطاقة النفطية ومصادر الطاقة الأخرى المتجدد منها وغير المتجدد وما يتعلق بمستقبل المياه في المملكة بوجه عام، كما يراها أستاذنا الفاضل، لحري بها أن يستفيد منها كل أستاذ في أقسام هندسة البترول والهندسة الكيماوية ومُتخصصو العلوم الاقتصادية في جامعاتنا. وأن تكون في متناول الاقتصاديين المحترفين ومسؤولي الاستثمار في البنوك والمراكز المالية. ومن باب أولى أن نضع أعداداً منها فوق رفوف مكتبات الجامعات لتكون مرجعاً للطلاب والطالبات ومنبع ثقافة للجميع. وهذا أقل ما تستحقه هذه الدراسة القيّمة التي تتناول بالتفصيل والتحليل واقع ومستقبل ثروتنا النفطية ومصدر معيشتنا. ولا يهم إن كنا جميعاً نتفق مع رؤية الكاتب الفاضل عبد العزيز الحقباني ومع مضمون الدراسة، أم أن البعض منا لهم وجهات نظر مخالفة. ولكن المهم هو أن نتبين الرأي الآخر ونقارن بين ما هو منطقي وغير منطقي، واضعين أمام بصائرنا أن اقتصادنا ومصدر دخلنا يعتمد اعتماداً كلياًّ على دخلنا من النفط الخام والمشتقات النفطية المكررة. وليس هناك مؤشرات قوية في أننا سنتحول في المستقبل القريب إلى اقتصاد مُنتِج بدلاً من الاقتصاد الريعي، على الرغم من محاولاتنا الفاشلة التي كانت قد بدأت مع أول خطة خمسية منذ 40 عاماً. ونعني بذلك الاقتصاد الذي يعتمد على إنتاجية أفراد المجتمع تحت الظروف السائدة في بيئتنا الصحراوية دون مصادر نفطية. فهذه هي الحال التي سيؤول إليها مصير سكان منطقة الخليج بعد عصر النفط، وهي حقيقة مُرَّة المذاق ولكنه الواقع الذي لا مفر من قبوله.

''السعودية 2075'' ليس كتابا، كغيره من الكتب، وإنما هو منهج ورؤية شاملة لمستقبل كبير يجب أن يرى طريقه للنور والتنفيذ؛ وأعتقد أنه قد يكون من المبادرات النادرة جدا التي أثارت الأسئلة التي يتهرب الجميع منها وعرض الحلول بواقعية متكاملة قد لا يتمكن منها العديد من الخبراء. ومع أن الكاتب قد أنهى دراسته في عام 2010؛ إلا أنها لم تطبع بعد ككتاب، فآمل، إن شاء الله، أن يرى هذا الكتاب النور عما قريب.

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك