هيئة الاتصالات وبعبع الأمن بقلم علي الجحلي

الاقتصاد الآن

723 مشاهدات 0



دأبت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات على التأكيد مرة بعد أخرى أنها ليست ضد المواطن، وإنما تعمل لمصلحته ولخدمة الأمن الوطني. هذه التصريحات التي تعودنا على سماعها من أكثر من مسؤول في الهيئة هي دليل على أن هناك إشكالية حقيقية في التواصل بين المواطن والهيئة. يضاف إلى هذا أنها لم تحقق أي حماية تذكر لحقوق المواطن تجاه الشركات المشغلة. كانت الهيئة طول الوقت تحمي مصالح شركة الاتصالات السعودية بالذات ومن ثم بقية الشركات.

تدندن الهيئة باستمرار على وتر الأمن الوطني، هذا العذر الذي سئمنا من كثرة ترديده. أظن التعذر بهكذا عذر يوفر الحماية للمسؤول من المساءلة، لكنه في الوقت نفسه يسيء إلى سمعة القطاع وثقة الناس به. يمكن الحديث عن الكم الهائل من الخدمات التي تقدمها البنوك عن طريق الإنترنت دون أن يكون لها أثر سلبي على أمن أموال الناس، وهي قضية من أكثر الأمور أهمية وحاجة للحماية.

قامت البنوك باعتماد أحدث أنظمة الحماية وترقيتها باستمرار. هذه الطريقة كانت الوسيلة الوحيدة للبقاء في حلبة التنافس في سوق المال. يوحي هذا الأمر بأن هناك إمكانية لتقديم أفضل الخدمات ما دام العمل في القطاع مبنيا على المتابعة المنطقية والمتوازنة لأحدث معطيات التقنية. لا يمكن أن نعلن أن هذا الموضوع أو ذاك خطير على أمن الوطن و'نكبر الوسادة'، لأننا في ــــ هذه الحالة ــــ نوقع وثيقة موت لقدرة الهيئة على تنظيم السوق والسيطرة على ما يستجد من تقنيات.

هناك ثغرات أمنية في كل نظام جديد، لكن هذا لا يعني أن نستبعد النظام، وإنما يستلزم التفاعل السريع والإيجابي مع التهديدات التي تظهر باستمرار. لهذا أدعو كل مسؤول أن يتوقف عن استخدام كلمة التهديد أو الضرر الأمني كسبب لقرار اتخذه، لأن هذا يعني أنه غير مدرك لتطورات السوق أو غير قادر على مجاراة التقدم العلمي السائد.

أذكر أن قرار تحويل كل الإجراءات الحكومية إلى إلكترونية صدر قبل أكثر من عشر سنوات، وانتهت المهلة الممنوحة لكل قطاعات الدولة لتنفيذ التحول قبل أكثر من ست سنوات، فهل تم شيء في هذا المجال يستحق الذكر؟ الواقع يقول أن نسبة التعاملات الإلكترونية قد لا تصل إلى 10 في المائة من إجمالي التعاملات، بل إن أغلب هذه التعاملات هي من قبيل التقديم على الوظائف أو وضع 'الباركود' على المعاملات الورقية.

ينطبق على حالتنا هذه القول المشهور 'الناس أعداء ما جهلوا'. أجزم أن أكثر من 80 في المائة من المسؤولين في وظائف المراتب العليا لا يعرفون مبادئ التعامل مع برامج 'الأوفيس'، وهي أبسط برامج الحاسب الآلي. سبب مهم جداً في عدم تنفيذ هذه المشاريع واعتمادها هو جهل المسؤول بالحاسب والتخوف من 'الناحية الأمنية'، أو من التغيير الذي يعتبر حتمياً، بل إننا نعتبر متأخرين جداً، مقارنة بأغلب دول العالم الثالث.

هل هو عامل السن؟ قد يكون هذا صحيحاً، فمعلوم لدى الجميع أن الوزارات الشابة هي الأكثر اعتماداً للتعاملات الإلكترونية. يمكن القول أن الوزارات المشغولة بالأشخاص نفسها في المراتب العليا لأكثر من أربع سنوات هي الأقل تفاعلاً مع التقنية. كما أن الوزارات التي يشغلها مسؤولون فوق سن الـ 60 تعاني المشكلة نفسها. إذاً فالقضية ليست أمنية بالنسبة للدولة وإنما قد تكون قضية 'أمن ذاتي' للمسؤول. الدليل أن مجلس الوزراء ووزارة الداخلية من أنجح مستخدمي التقنية وهما أكثر القطاعات أمنية وتعاملاتهما من السرية بالمكان الذي يعلمه الجميع.

جاء الربط الأخير بين التوجه نحو إيقاف برامج الواتساب وسكايب وفايبر، والدواعي الأمنية ليكرس هذا المفهوم ويؤكد أن الهيئة لا بد أن تراجع نفسها وتتعامل بمنطقية مع تطورات التقنية. هذه البرامج منتشرة في كل دول العالم، بل إن دولاً تمنع 'تويتر' و'فيسبوك' تسمح بوجود هذه البرامج، فهل الدواعي أمنية فعلاً؟

إذا كان الأمر كذلك فهناك وسائل كثيرة للسيطرة على السوق والتأكد مما يتم تداوله في هذه الوسائط. يجب على الهيئة أن توجد أرضية معقولة لعمليات المراقبة والتعقب لكل المخالفات، التي يمكن أن تضر بأمن البلاد. لنا في ذلك مثال واضح في وزارة الأمن القومي في الولايات المتحدة، التي تدير عمليات رقابة دقيقة لكل المكالمات التي تدخل أو تخرج من البلاد.

يضاف إلى هذا وجود تشريعات واضحة تحمي أمن وسلامة الوطن وحقوق المواطنين. لكن وجود التشريعات لا قيمة له ما لم تطبق العقوبات على مسيء استخدام هذه البرامج، سواء في الناحية الأخلاقية أو الأمنية. توجد لدينا عقوبات وتنظيمات وسياسات وإجراءات ولكنها حبر على ورق، وليس برنامج 'وورد'. كل المخالفات التي شاهدناها أياً كانت، لم يتخذ بشأنها أي إجراء ــــ حسب علمي. وهذا يعني أنه سيستمر التجاوز ما لم يطبق القانون.

أقترح على الهيئة أمرين مهمين:

الأول: أن تكون في صف المواطن وحماية حقوقه، فنحن ــــ كعملاء ــــ حصلنا من المنافسة التي أوجدها حال السوق أكثر مما حققه تأسيس الهيئة.

الثاني: أن تزيل من تصريحاتها كلمة الدواعي الأمنية، لأن هذه 'الفوبيا' ستستمر في دفع الهيئة ونشاطها للخلف بعيداً عن التطور التقني، ولعل الاتفاق مع الشركة المشغلة للبلاكبيري بإيجاد خوادم داخل المملكة من النشاطات التي يمكن أن تحتذى كوسيلة للتعامل مع الضرورات والتخوف الأمني الوقتي. لكن التفاعل مع التقنية هو الوسيلة الأهم للبقاء في حلبة التنافس العالمي في هذا المجال سريع التحول.

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك