أوروبا تتطلع إلى «طيور الجليد» لتخفيف أزمتها المالية بقلم جيليان تيت
الاقتصاد الآنمارس 27, 2013, 1:32 م 693 مشاهدات 0
هذا الربيع، وبينما تتلوى قبرص، يلعق أصحاب العقارات في ميامي شفاههم بسعادة وحبور. ففي وقت يعود إلى عام 2008 هوت أسعار العقارات في ميامي بنسبة بلغت 40 في المائة، لكن بعض التقديرات تذهب الآن إلى أنها ارتفعت بواقع الثلث من أدنى مستوياتها ـــ وما زالت مستمرة في الارتفاع.
جزئياً، يعود ذلك إلى انتعاش اقتصادي أمريكي أوسع وهروب رساميل من أماكن مثل أمريكا اللاتينية والصين. لكن هناك عاملا آخر يثير صخبا في أوساط سماسرة العقار، هو أن عائلات أوروبية ثرية تقبل بصورة متزايدة على شراء عقارات في جميع أنحاء ميامي. ولفترة من الوقت كانت هذه العائلات تذهب، كما أبلغني أحد السماسرة، إلى أماكن مثل إسبانيا والبرتغال واليونان (وقبرص). والآن تدفعهم الاضطرابات في منطقة اليورو إلى فلوريدا، لأسباب تتعلق بـ'الاستقرار والقدرة على التنبؤ'.
ومن الصعب أن نعرف حجم الأموال التي يمثلها هذا الاتجاه، لكن باعتباره رمزا لويلات منطقة اليورو، فإن الأمر لافت للنظر لسببين على الأقل. أولاً، تحتاج أماكن مثل قبرص واليونان وإسبانيا إلى إنفاق المستهلكين بالقدر الذي يمكنها الحصول عليه. وإذا تحركت ثروة منطقة اليورو (أو روسيا) إلى الغرب أكثر، سيكون ذلك نبأ سيئا لأسواق العقارات المرهقة في البحر الأبيض المتوسط، وللمطاعم الفارغة، وهلم جرا.
والسبب الثاني وراء بروز قصة ميامي هو أنه في عالم مثالي لا ينبغي أن تمثل فلوريدا تهديداً تنافسياً لأوروبا، بل يتعين أن تكون مصدر إلهام كبيرا، إن لم تمثل الأمل. فإذا كنت ترغب في تصور كيف يمكن أن يخلق قادة منطقة اليورو مستقبلا حيويا لأماكن مثل قبرص أو اليونان، في إطار نظام اقتصادي أوروبي مشترك، فإن قصة فلوريدا يمكن أن تشجعك.
فكّر في الأمر. قبل بضعة عقود كانت فلوريدا متباطئة اقتصاديا ـــ داخل أمريكا. لكن بعد ذلك نجحت ميامي في إعادة تسمية نفسها مركزا عالميا رئيسا وتمكنت فلوريدا من إيجاد أعمال سياحية حجمها 80 مليار دولار سنوياً، توفر الآن سُبع الوظائف في الولاية. واللافت للنظر أن أكثر من تسعة أعشار النشاط السياحي يأتي من أماكن أخرى في الولايات المتحدة، خاصة المناطق الشمالية.
وفلوريدا، على الأخص، تستفيد مما يسمى 'طيور الجليد' ـــ الملايين الذين يفرون من مناطق في شمال الولايات المتحدة وكندا كل شتاء، لزيارة فلوريدا أو العيش فيها.
وبروز ظاهرة 'طيور الجليد' يعود إلى حد ما، إلى وجود عملة وخطة مشتركة في الولايات المتحدة ـــ فمن الناحية الاقتصادية، وبشكل أساسي تبادل فلوريدا بشواطئها سيارات من الغرب الأوسط، أو الخدمات من نيويورك، مثلا. ومع ذلك هناك عامل آخر رئيس بالنسبة 'لطيور الجليد' هو البنية التحتية المرحبة، التي تجذب العملاء إلى فلوريدا ليس فقط بسبب الشمس، لكن أيضاً بسبب القدرة على التنبؤ بالمسائل القانونية. والآن يوجد هذا النمط في أوروبا أيضاً. وتحصل إسبانيا على أكثر من 50 مليون سائح سنويا، 12 مليونا منهم يأتون من المملكة المتحدة وثمانية ملايين من ألمانيا. واليونان والبرتغال وإيطاليا أيضاً وجهات سياحية رئيسة بالنسبة لأولئك المتعطشين للشمس من شمالي أوروبا، وإن كان ذلك على نطاق أصغر. لكن على الرغم من بدء أسر ألمانية وبريطانية وهولندية شراء عقارات في أوروبا الجنوبية خلال العقود الأخيرة، إلا أن ظاهرة 'طيور الجليد' في أوروبا متخلفة عن نظيرتها الأمريكية، ويرجع ذلك جزئياً إلى الانقسامات الثقافية واللوجستية. وللأسف، عدم اليقين السياسي والاقتصادي لا يساعد (على الرغم من أن الجنوب يحتاج إلى تجارة 'طيور الجليد'). والأكثر إثارة للانتباه هو تراجع الزيارات السياحية الألمانية إلى اليونان بنسبة 6 في المائة العام الماضي، وانخفاض إنفاقهم بنسبة 10 في المائة، وهو أمر يعود فيما يبدو إلى قلق من ردة فعل ضد ألمانيا.
وتوقف الإنفاق في أماكن مثل إسبانيا أيضاً. وعلى الرغم من إعلان مطوري العقارات في الولايات المتحدة، مثل دونالد ترامب، عن صفقات عقارية غير عادية في إسبانيا واليونان، وبأسعار تقل في المتوسط بنسبة 30 في المائة عن أعلى مستوياتها، إلا أن هناك قليلا من الأدلة على أن الأثرياء الألمان أو الهولنديين يتدافعون يتدافعون للفوز بمثل هذه العروض.
هل من شيء يمكنه تغيير ذلك؟ يمزح بعض المراقبين في منطقة اليورو بأن إجراء على نحو ما تفعل الدول الراديكالية يمكن أن يساعد. ويجري تداول نكتة داخل دوائر السياسة في منطقة اليورو تقول إن الحكومة الألمانية يجب أن تبدأ في استخدام خزينتها العامة الواسعة لشراء قسائم لأصحاب المعاشات التقاعدية يمكن إنفاقها فقط في مخيمات العطلات اليونانية والإسبانية والبرتغالية.
ففي النهاية، إذا اضطرت حشود من أصحاب المعاشات الألمان والهولنديين، أو الفنلنديين إلى إنفاق المال في اليونان، أو قبرص فمن الممكن أن يعمل ذلك على تصحيح أرصدة الحساب الجاري وزيادة النشاط في الجنوب. والأفضل من ذلك، أن مثل هذا المشروع يمكن أن يحصل حتى على تصفيق وترحيب الناخبين الألمان، أو على الأقل، يمكن لمشهد المتقاعدين السعداء بحمام الشمس أن يثير قدرا أقل من الغضب الذي يمكن أن تثيره فكرة تلاشي المال الألماني داخل الثقب الأسود في البنوك القبرصية. وكما تمزح إحدى الشخصيات في منطقة اليورو 'يمكن أن يكون ذلك نصرا للجميع'.
لكن في الوقت الراهن تظل هذه مجرد مزحة في وقت متأخر من الليل. فما يحتاج المستثمرون إلى مراقبته حقاً هو 'طيور الجليد' المنتمية إلى القطاع الخاص ـــ أو التطوير العقاري. وإذا ما طار سرب 'طيور الجليد' جنوبا، فمن الممكن أن تكون تلك علامة على أن أوروبا بدأت تشفى أخيراً. وإذا لم يفعل، سيكون ذلك أمرا مشؤوما حتماً. وفي كلتا الحالتين، أفضل أمل هو أن تتعلم أوروبا الدروس الصحيحة من فلوريدا. وإذا لم يحدث ذلك، سيحتفل أصحاب العقارات في ميامي لبعض الوقت.
تعليقات