الاقتصاد المصري من وكالات التصنيف إلى «العرَّافين» بقلممحمد كركوتي

الاقتصاد الآن

478 مشاهدات 0



طال انتظار حكومة الرئيس المصري المؤمن محمد مرسي، لوفد صندوق النقد الدولي. فالوفد (حتى الآن) لم يحجز تذاكر سفره إلى القاهرة، رغم جاهزية مكان إقامته فيها. ولو أراد غرفاً في القصر الجمهوري بدلاً من الفنادق لتوفرت فوراً. ولا توجد حتى مواعيد افتراضية للسفر. فالمقاعد شاغرة على الدرجة الأولى، لكن لا نية لأحد بإشغالها. فالطائرات الآتية إلى مصر فارغة حتى من السياح. وعندما تفرغ من هؤلاء، تفرغ ''أوتوماتيكياً'' من مسافري ''الصندوق''، ومن أولئك الباحثين عن الاستثمارات. لا داعي للذهاب إلى المطار لاستقبال القادمين، طالما أن الهاتف المنتظر لم يرن بعد. وقد يكون حاله، كحال المهدي المنتظر. والمشكلة، أن حكومة هشام قنديل الحاضرة في ''قاعات'' الانتظار، غائبة عن الساحة! وربما لأول مرة في التاريخ تغيب حكومة من مواقعها، لانتظار غائب تدل كل المؤشرات على أنه لن يأتي.

في الانتظار، تلقي وكالة ''موديز'' للتصنيف الائتماني ''قنبلتها'' في وجه المنتظرين الغائبين، لتعلن خفضاً مريعاً جديداً للتصنيف الائتماني لمصر من درجة B3 إلى درجة CAA1، بعد أسابيع قليلة فقط من تخفيض سابق. والأسباب تُحصى لكنها كثيرة، وفي مقدمتها ''غياب القدرة على التنبؤ بالسياسات المالية والاقتصادية ونتائجها''. وهذا وحده عزز عدم قدرة حكومة مرسي- قنديل على تأمين قرض صندوق النقد الدولي الذي تسعى إليه لاستعادة توازن اقتصادها. وللذين لا يهتمون بدرجات التصنيف، فهذه الوكالة الكبرى تعتمد درجة C كآخر مستوى لدرجات التصنيف، وحسب التفسير الاقتصادي، تعني هذه الدرجة ''التزامات ضعيفة، وتحمل مخاطر ائتمانية مرتفعة جداً. والمؤسسات التي تحمل هذا التصنيف قد تكون متأخرة مالياً وعن السداد''. والتصنيف الجديد لمصر، ينقلها إلى مصاف الدول الفقيرة، على حساب توصيف النامية.

ليس أمام حكومة مرسي الآن سوى ''العرافين'' الاقتصاديين، لكي ''يعرفوا'' درجات التصنيف الائتماني للبلاد. ففي النظام نفسه، من يعتقد أن محصول القمح تضاعف (حتى قبل موسم الحصاد!)، ببركة الرئيس مرسي. ووفق هذا الاعتقاد، قد نرى مشكلة عويصة في مصر، ترتبط بكيفية التخلص من فائض القمح! هل ترميه في البحر أو النهر، أم تهبه للدول الفقيرة؟! ''العرافون'' الاقتصاديون، هم الوحيدون الذين يمكنهم أن يطمئنوا النظام الحاكم في مصر، وربما اضطروا إلى القيام (بعمل) لجلب النحس على وكالات التصنيف. ففي إحدى القنوات التلفزيونية المصرية المؤيدة لمرسي، أكد ثلاثة أشخاص يحملون شهادات الدكتوراه، أن الرئيس ''معمول له عمل''! ونادى آخرون بضرورة العمل ليس لحل مشكلة السولار (المازوت) في البلاد، بل لـ ''فك العمل''! والسولار، ليس كافياراً ولا مستحضراً لتلميع الأحذية، إنه المادة التي أثرت بصورة مخيفة على ماذا؟ على الصناعة والزراعة والنقل وحركة المرور، وكل القطاعات المرتبطة بصورة مباشرة أو غير مباشرة به.. وحتى الصيد.

قدمت حكومة هشام قنديل، الذي قال يوماً: ''لا أعرف لكن أنا متأكد مع أني كنت شاكك!''، برنامجاً اقتصادياً، امتنع خبراء صندوق النقد الدولي على تكملة قراءته. فالعناوين الفرعية وحدها في هذا البرنامج، كانت كافية للوصول إلى الاستنتاج النهائي حوله. ولأنها حكومة ضعيفة (بل وغائبة)، فقد ظنت أنها قادرة على استدراج ''الصندوق''، في حين أنها لو قرأت التاريخ من سطحه لا من عمقه، لعرفت فوراً أن الذي يستدرِج في هذه الحالة هو ''الصندوق'' لا الطرف الآخر. والحقيقة، هذه استراتيجية ثابتة متبعة، تجلب معها مخاطر كثيرة جداً، مع صمامات أمان قليلة جداً. لا يحتاج الأمر إلى خبراء متعمقين في قضايا الإقراض. نقرة واحدة على الشبكة الدولية تأتي المعلومات المطلوبة، خصوصاً في فترة الانتظار الطويلة لاستقبال وفد، لن يأتي سريعاً، وغالباً لن يأتي.

تعيش مصر اليوم، حالة غريبة. ففي الوقت الذي لا غنى لها فيه عن وجود حكومة احترافية، جلب مرسي معه حكومة موالية، ولم يعرف أن مرحلة إعادة البناء تحتاج إلى كل العمال بدوام كامل. لقد ''أخون'' – من إخوان- الحقائق، وهو أمر لا ''يُؤَخْوَن'' ولا يُسيَس. لا أحد يتوقع الريادة من الرئيس المصري ''المنتخَب طفيفاً''، ليس فقط لعدم قدرته على التحدث بلغة أجنبية مفهومة، ولكن لأنه قدم شكراً مجلجلاً لباكستان عن دورها العسكري في حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973! بينما لم ترسل (في الواقع) حتى ملحقاً عسكرياً لسفارتها في القاهرة. والريادة لا تأتي من قوة (أو هول) القيادة، بل من حكمتها. وهذه الأخيرة، مفقودة.

مصر اليوم، ليست على مفترق طرق، وذلك لغياب الطرق لا المفترق. يمكنها أن تنهض، شرط أن تزيل وزارات ولجان ''الأوهام والعرافين'' التي تصنع القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وهي تحتاج في هذه المواقع إلى عارفين لا عرافين.. وإلى حرفيين لا موالين، وإلى رئيس وزراء، ''يعرف ومتأكد.. لكنه ليس شاككاً''. وإلى رئيس ينبغي أن يدرك أن مصر كلها للجميع، لا للجماعة. غير أن السؤال الأهم يبقى ''هل يتركونه ليدرك''؟!

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك