بعد تجربة الأسبوعين بالمعتقل

زاوية الكتاب

زايد الزيد يكشف ملابسات وعيوب شروط قواعد العفو الأميري عن السجناء

كتب 1896 مشاهدات 0


النهار

الخلاصة
العفو وازدواجية التعامل مع السجناء

زايد الزيد

من خلال تجربة السجن يتعرف السجين على جملة من الأمور والقضايا التي لم تكن له أدنى معرفة سابقة بها من قبل، وبالتالي تشكل لديه خبرة جديدة تضاف إلى خبراته الحياتية والمعرفية السابقة.
من بين الأمور التي شكلت لي معرفة جديدة، موضوع العفو عن السجناء، وهو أمر في غاية الأهمية بالنسبة للسجناء وأهاليهم وأصدقائهم، والعفو يعني تخفيض مدة العقوبة عن السجين، وهو منصوص عليه في قانون السجون، والقانون أوكل مهمة بحث تفاصيل «العفو» إلى لائحة تنظم وتعنى بكل شروط «العفو»، وهذا أمر طبيعي، لكن هناك اشكالية في موضوع اللائحة، فبالاضافة الى انها تخضع للتغيير سنوياً بشكل لايتناسب (في بعض الأحيان) مع طبيعة وفلسفة «العفو»، من خلال ابتعاد تلك التعديلات عن منطق الأشياء، فإن التفاصيل أيضاً يمكن ان توظف بهذا الاتجاه أو ذاك، وبين «هذا» و«ذاك» ربما تدخل الوساطات والمحسوبيات، ليتحقق تماماً القول بأن: «الشيطان يكمن في التفاصيل».
تلك مقدمة وجدتها ضرورية كمدخل للموضوع، ولنبدأ في شرحه الآن:
هذا العام فوجئ السجناء بأمر جديد، وهو وجود تعديل جديد بشروط «العفو»، بهذا التعديل تم استبعاد مجموعة كبيرة من السجناء من «العفو» إلا أن يكونوا قد حصلوا على «تنازل» من الطرف الآخر في قضاياهم (أي من المجني عليهم)، وهؤلاء المسجونون الذين تم استبعادهم من «العفو» هم المحكومون على ذمة قضايا: خيانة الأمانة والشيك بدون رصيد والسرقة والنصب والاحتيال، أي القضايا ذات الطابع المالي، وكما أشرنا الى ان المشكلة ليست في التعديل، بل في طبيعة هذا التعديل، ومدى قربه أو ابتعاده عن فلسفة «العفو».
وفي رأيي ان هذا الأمر تعتريه عدة عيوب وتشوبه الكثير من الشوائب سأبينها في النقاط التالية:
أولاً: عدم ابلاغ اصحاب الاحكام (من قبل) بضرورة وجود «التنازل» للحصول على العفو الاميري، أي أن السجناء علموا عن الأمر اثناء اعداد كشوف المشمولين بالعفو.
ثانياً: نظراً لوجود حكم للمجني عليهم بالحق المدني بحيث يستطيع المطالبة بالاموال المستحقة لصالحه، لذلك فإنه من المستغرب من لجنة العفو المطالبة من الجاني طلب التنازل من المجني عليه، بينما الثاني (المجني عليه) يملك حق المطالبة بالحق المدني.
ثالثاً: انه من الوارد جداً ان المجني عليه يستغل وجود شرط «التنازل» ويطلب مبالغ مالية نظير اعطائه التنازل، أي كأن لجنة العفو بوضع شرط «التنازل» جعلت من المحكومين عرضة للابتزاز البشع، وهذا من المؤكد لا يقترب من فلسفة «العفو» وأهدافه، كما انني متيقن بأن هذا الأمر بعيد جداً عن تفكير أعضاء لجنة العفو الذين يعملون بهمة ونشاط وهمهم تحقيق الصالح العام ولكنهم ربما يخطئون سلوك طريق الحق.
رابعاً: بهذا الشرط الذي اصدرته لجنة العفو والذي يخل بكثير من المبادئ وفي مقدمتها مبادئ العدالة والرحمة وحماية المحكومين من الابتزاز، يجعل الجاني والمجني عليه طرفا النزاع، بحيث جعلت المجني عليه هو القاضي والحكم لأنها بذلك أخرجت المطالبة المدنية خارج اروقة المحاكم، والتي من الممكن ألا تحكم بكامل مطالبة المجني عليه في القضايا المدنية!
خامساً: من الممكن جداً ومن الوارد ان يكون لدى الجاني «ايصالات» تثبت استلام بعض المبالغ المطالب بها من قبل المجني عليه، ولكن لايجوز اثبات تلك «الايصالات» بالمحاكم الجزائية، وبالتالي لايتم البت في مصير تلك «الايصالات» بالمحاكم المدنية، فكيف يستطيع المحكوم ان يثبت لاحقاً استلام المجني عليه بعض تلك المبالغ المثبتة بـ «ايصالات» اذا أجبر ان يضع رقبته تحت مقصلة «التنازل»؟!
سادساً: ان ادانة الجاني بالاحكام الجزائية لاتعني ادانته واقراره بالدين المحكوم بشأنه، لان قضاء الاحكام الجنائية ينظرون بعين القانون الجزائي وليس بعين القانون المدني الذي يختلف اختلافاً كلياً عن الجزائي بشروطه واحكامه.
سابعاً: ان ما هو منصوص عليه بالدستور الكويتي ان العدل والمساواة بين المواطنين هما من دعامات الحكم، فكيف لمواطن كويتي ان يتمكن من الحصول على العفو الاميري، بينما مواطن آخر بنفس الجرم بعد عدة أشهر لايحصل على هذا «العفو» لمجرد تغيير شروط «العفو» من دون ان توضع بالاعتبار كل تلك المثالب والعيوب التي اعترت هذا التعديل؟! فاين العدل والمساواة التي ذكرها الدستور؟ وأين الامتثال لأقوال صاحب السمو الأمير التي تحث المسؤولين مراراً وتكراراً على تحقيق العدالة والمساواة بين الجميع؟!
اذاً نحن أمام مشكلة حقيقية وكبيرة تحتاج لتدخل سريع من أصحاب الشأن والعلاقة، وأود هنا أن أؤكد ان طرحي لهذا الموضوع هو لتسليط الضوء على قضية انسانية بحتة تهم شريحة واسعة من المسجونين، وهي تنعكس سلباً أو ايجاباً على حياتهم وعلى حياة أسرهم وأهاليهم، خاصة ان الأمر المحزن والذي أشعر بغصة شديدة كلما تذكرته ان «العفو» يستفيد منه سجناء قضايا القتل والاتجار بالمخدرات ومتعاطو المخدرات والخمور بينما يحرم منه سجناء القضايا المالية الذين وقعوا فيها اما ممارسة لأعمال تجارية لم يوفقوا فيها أو لجهل بالقانون!!

النهار

تعليقات

اكتب تعليقك