هوس الغاز الصخري واستراتيجية الخليج

الاقتصاد الآن

الكويت والسعودية دخلتا المجال رغم الأضرار البيئية

2370 مشاهدات 0


فجأة أصبح الكل يريد أن يبحث وينتج ويصدر الغاز الصخري، الكل أصبح يريد أن يقلد الولايات المتحدة الأمريكية وبأي ثمن، ولم يعد أحد حتى يفكر في كلفة إنتاج هذا الغاز قبل أن يتأكد من تواجده وامكانية تطويره،  أو من تواجد الماء العذب وهو العنصر الأهم في تقنية انتاج هذا الغاز الغير تقليدي، لدرجة أن الصين مثلا تريد أن تختصر الطريق بالذهاب مباشرة لشراء الشركة الأمريكية المالكة لتقنيات عملية 'الفراكنج ' ( Fracking  ) . وهي تقنية تكسير الصخور وضغط كميات كبيرة من الماء العذب والمواد الكيماوية والرمل لكسر الصخور تحت ضغط الماء والمواد الكيماوية والرمل ولعمل  فجوات أو قنوات وسدود  لمرور الغاز الى الخارج، وهذه العملية قد لاتكون مكلفة جدا، الا أنها تتطلب كميات هائلة من الماء العذب، وبالرغم من كل هذا فالكل متجة نحو هذا الاكتشاف الجديد ليصبح  'مودة ' هذا العصر .  
ففي الأسبوع الماضي أعلنت كلا من الكويت والمملكة العربية السعودية رغبتهما في إنتاج هذا النوع من الغاز والاستثمار في هذا المجال الحديث والتقنيات الصعبة بالنسبة لنا في الكويت  حيث حتى هذه اللحظة  لا نعرف كيف  نتعامل أو ننتج الغاز التقليدي من الغاز الحر  والمكتشف عام  2006  . و لاندري مامصير هذا الغاز ومتى فعلا يتم انتاجه لتخفيف العبء المالي المستمر والمتزايد والبالغ أكثر من مليارين دولار سنويا  لاستيراد الغاز الطبيعي  من الخارج . وكيف علينا ان نتعامل مع الغاز الصخري ومع التقنيات و الكميات  الكبيرة المطلوبة من الماء العذب ولسنا قادرين حتى هذه اللحظة على التعامل وانتاج الغاز الاعتيادي  من حقول الشمال.
في حين بدأت المملكة العربية بخطوة كبيرة بحفر 7 حقول تجريبية في الربع الخالي حول امكانية توافر الغاز الصخري . وتتوقع المملكة بوجود أكثر من 600 ترليون قدم احتياطي من الغاز الصخري، لتحتل المركز الخامس عالميا اذا تم تأكيد وتثبيت  وجود هذه الكميات .
والمشكلة  التي تواجه العالم  ومن دون استثناء الآن هو كيفية منافسة الولايات المتحدة الأمريكية بتفوقها على الجميع بتوافر انتاج هذه الكميات الهائلة من الغاز الصخري بامتلاكها على ارخص مصدر للطاقة و لتنافس وتتفوق فيها على الجميع من رخص قيمة هذا الغاز في جميع صناعتها سواء في قطاع الطاقة أو في  قطاع التصنيع، لدرجة أن أوروبا بدأت تصرخ بعدم قدرتها على منافسة أمريكا تجاريا في اي مجال، حيث ان سعر الغاز وسعر الكهرباء ضعف اسعار أمريكا. و الآن بدأت أوروبا تطالب سن تشريعات لمساعدتها وحمايتها من الاستثمار في هذا المجال حيث ان بعض الدول مثل المانيا و فرنسا تعارضان اصلا استخراج هذا النوع من أراضيها لأسباب بيئية منها التلوث، فالماء مثلا ونتيجة لاستعمال كميات كبيرة من المواد الكيماوية قد يؤثر على المياه العذبة في باطن الأرض،  في حين وافقت بريطانيا على الحفر والتنقيب علي الغاز الصخري و كذلك أوكرانيا حيث وقعت مع شركة شل عقدا يزيد قيمته عن 10 مليار دولار لتعتمد على نفسها بدلا من أن تتعرض سنويا لتهديدات روسية بقطع امدادت الغاز او بدفع فاتورة أكبر.
و تطالب حاليا الآن معظم الدول الصناعية الكبرى بأن تسمح الولايات المتحدة الأمريكية بتصدير الغاز الصخرى الى العالم  وتقدمت اليابان  بطلب رسمي باستيراد الغاز الصخري، حيث ان الشركات اليابانية تمتلك استثمارات عالية في هذا المجال .  وتقدمت ايضا شركة شل رسميا بطلب تصدير الغاز وهي تمتلك حقول وكميات وفيرة من الغاز ممكن ان تصدر كميات منها الى الخارج. 
في حين بدأت الشركات الأمريكية العاملة في هذا المجال باعداد الشروط و المواصفات الضرورية المطلوبة لحث الحكومة الفيدرالية على ادراجها والموافقة عليها لتكون شروطا تلتزم بها الشركات . وهي ايضا لطمأنة الرأي العام الأمريكي حول سلامة استخراج وانتاج  الغاز الصخري ووضع المواصفات لإعطاء الأذونات لحماية المستهلكين والجمهور  ووضع هذه الصناعة تحت مجهر و مراقبة الحكومة الأمريكية وان تتخلص الشركات النفطية من مسؤوليتها وان تعمل دائما تحت الشروط و القيود الموجودة والموثقة و منها كذلك استقلالية العمل خارج الولايات المتحدة الأمريكية تحت نفس الشروط والقيود .
الغاز الصخري أصبح واقعا ولا يستطيع أحد أن يشك حول سلامة وامكانية استعمال هذا الغاز وتوافره بكثرة في جميع أنحاء العالم، ويبقي السؤال الوحيد هو كلفة انتاج هذا الغاز، وهل تستطيع الدول الاخرى منافسة أمريكا في هذا المجال، فهناك دول مثل أوكرانيا لا تهمها التكاليف طالما انها تستطيع ان تتحرر من الاعتماد المطلق على روسيا وتستطيع لأول مرة أن تجد البديل والخيار الآخر المناسب، وقد يكون الخيار الأقل كلفة لاحقا اقتصاديا و سياسيا، أما عن بقية دول أوربا فانها أصبحت تبحث عن التطمينات بوضع  شروط السلامة  في استخدام هذا الغاز الجديد، حتى تبدأ في الاستثمار فيه أيضا، وقد لا ترغب وتفضل ان تستورد الغاز من الدول المجاورة مثلما تفعل الآن باستيرادها الكهرباء من فرنسا، الا أن وجود شروط واذونات السلامة ستجعلها تتخلص من أهم عنصر قد يكون يقلقها . 
ويبقى السؤال الأخير، ماذا عنا نحن في منطقة الخليج العربي؟ و لماذا نستثمر في الغاز الصخري ونحن محاطين بأكبر الدول المنتجة للغاز التقليدي في العالم مثل  قطر و العراق وايران، لماذا لا نستورد منهم، ولماذا نستثمر في الغاز الصخري ونحن بأمس الحاجة الى كل قطرة من الماء،  لماذا نستثمر بهذا الغاز وامكانية حتى استيراد الغاز الصخري من امريكا قد يكون أقل كلفة من انتاجه محليا، آخذين بعين  الإعتبار قيمة انتاج الجالون الواحد من الماء العذب،  وعدم وجود الخبرات المطلوبة في هذا المجال، أم أننا نريد ركوب المودة وبس .

كامل عبدالله الحرمي
كاتب ومحلل نفطي مستقل

بقلم: كامل الحرمي- كاتب ومحلل نفطي مستقل

تعليقات

اكتب تعليقك