همسات في أذن التنمية «التعليم العام» بقلم فهد الصدي

الاقتصاد الآن

425 مشاهدات 0



ترددت كثيرا في الكتابة عن التعليم العام، عندما أتذكر دور التعليم العام في التنمية الاقتصادية وأثره في تطوير القوى العاملة التي تعتبر ثالث ثلاثة عوامل تحدد النمو الاقتصادي على المدى البعيد؛ أجد نفسي أُحدق في مقلمتي وأردد أبيات الحارث بن عباد ''قربا مربط النعامة مني...''. لكن ما كان يجعلني مترددا في الكتابة هو أن التعليم العام موضوع استغله الكثير من النُّقاد لتمرير مصالح شخصية في مجابهة السعودة التي حمل لواءها المغفور له ـــ بإذن الله ــــ الأمير نايف بن عبد العزيز. بعد عودة الدفعة الأولى من طلاب برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي تساقطت الأقنعة، واتضح أن مخرجات التعليم السعودي لم تكن السبب الرئيس في عدم توظيف السعوديين في القطاع الخاص. هذا لا يعني أنني راض عن مخرجات التعليم العام ـــ أو حتى العالي ـــ في مملكتنا أو أنني أنفي عنه بعض التهم التي وجهت إليه، إلا أنني مقتنع بأنه كان من الصعب الحصول على نتائج أفضل بكثير من التي حصلنا عليها في ظل الصدمة الثقافية التي عاشها المجتمع السعودي خلال فترة ما بعد الطفرة والضعف الإداري الذي عايشناه وما زلنا نتعايش معه والتيارات الفكرية والاجتماعية الهائجة التي سادت المجتمع وفرضت على التعليم العام مداهنتها. باستثناء تدريس الطلاب والطالبات في عمائر وبيوت مستأجرة أتوقع أنني أستطيع الدفاع عن جميع الانتقادات التي وجهت للتعليم العام خلال الفترة من ثمانينيات القرن الـ 20 إلى مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ــــ حفظه الله وأطال في عمره ــــ لتطوير التعليم العام في عام 2007 التي أحدثت ثورة في نظام التعليم العام السعودي.

يعتبر مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم العام ''تطوير'' أحد الانتصارات التنموية للسعودية ومبادرة أتمنى من أعماق قلبي ألا تفقد زخمها أو تُقتل في مهدها في حال تعرض الاقتصاد السعودي لصدمة غير متوقعة، كانخفاض حاد في أسعار النفط، أو عند حدوث تغييرات في قيادات المؤسسة التعليمية السعودية. كما أدعو الله أن يطيل في عمر ملكنا ليحمي هذه المبادرة بدعم رجاله الذين جعلوا أمنيته واقعا نعيشه وحتى يرى نتائجها على أبنائه وبناته. عند

ما أتحدث عن مشروع ''تطوير'' فأنا أنزع قبعة المستشار الاقتصادي وأتحدث بلسان رجل الشارع، لم أدرس البرنامج دراسة باحث ولم أنظر إليه بنظرة تحليلية متفحصة أو أجمع عنه معلومات ميدانية ـــ وإن كنت أنوي ذلك ــــ إنما أتحدث عن مشروع ''تطوير'' من المعلومات المتوافرة للعامة ومن واقع إحساسي به كمواطن. يعتبر مشروع ''تطوير'' حجر الزاوية في عملية إعادة الهيكلة التي تقوم بها وزارة التربية والتعليم من خلال مشروع شامل يأخذ في عين الاعتبار جميع النواحي التشريعية والتخطيطية والتنظيمية والتشغيلية، إضافة إلى تحفيز القطاع الخاص للمشاركة وتأصيل دوره في العملية التعليمية. يتضمن مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم العام أربعة محاور أو برامج رئيسة لتحقيق الرؤية المستقبلية للتعليم العام في المملكة. يهدف البرنامج الأول إلى تطوير المناهج التعليمية حتى تتمكن من الاستجابة للتطورات العلمية والتقنية الحديثة بشكل يسد حاجات الطلاب والطالبات المعنوية والمعرفية والمهنية والنفسية والاجتماعية، كما يهدف البرنامج الثاني إلى إعادة تأهيل المعلمين والمعلمات من النواحي الفنية بشكل يجعلهم قادرين على تدريس وتحقيق أهداف المناهج الحديثة. أما هدف البرنامج الثالث من البرامج الأربعة فهو تطوير البيئة التعليمية وتمكينها من استغلال أدوات الاتصالات وتقنية المعلومات لتطوير الأساليب التعليمية. بالنسبة إلى البرنامج الرابع من برامج ''تطوير'' الرئيسة، فالهدف منه هو تنمية القدرات الإبداعية وتطوير المهارات والهوايات للطلاب والطالبات من خلال الأنشطة المنهجية واللامنهجية. يبدو لي أن البرنامج الرابع هو استجابة للانتقادات اللاذعة التي تعرض لها التعليم العام في السعودية لاعتماده على التلقين كأسلوب رئيس في التعليم، بما في ذلك المقولة الشهيرة للدكتور غازي القصيبي ـــ رحمه الله ــــ ''الناس يولدون جُهالا، وليسوا أغبياء، التعليم الساذج في مدارسنا، هو الذي يجعلهم أغبياء''. مع احترامي لوجهة نظر شخص بوزن غازي القصيبي، أعتقد أنه بالغ نوعاً ما في قسوته على التعليم العام.

لو كان لي عتب على مشروع ''تطوير''، أعتقد أنه لم يعط الاهتمام الكافي لتطوير مهنة المعلم كمهنة احترافية، وأقصد بذلك تطويرها لتحقق المكانة الاجتماعية والدخل المادي الذي يجعلها من الوظائف الجذَّابة للموهوبين. أتوقع أن تطوير مهنة المعلم كوظيفة احترافية من أهم الأسباب في تطوير التعليم العام، فعلى الرغم من الجهود التي بذلتها مؤسسات التعليم العام في الولايات المتحدة لتطوير التعليم العام، إلا أنها لم تطوّر مهنة المعلم ما جعل التعليم العام الأمريكي يعاني لعقود واضطرار الجامعات الأمريكية لاستقطاب الطلاب المميزين من الهند وشرق آسيا بشكل خاص وجميع دول العالم بشكل عام. في سبعينيات القرن الـ 20 كانت مهنة المعلم من أرقى المهن في ألمانيا الغربية، وكان يتهافت عليها نخبة الشباب ما نتج عنه ثورة تعليمية وصناعية لا تزال ألمانيا تقطف ثمارها إلى هذا اليوم، على الرغم من الانحدار الذي تعيشه مهنة المعلم في التعليم العام الألماني منذ ثمانينيات القرن الماضي. يعتبر نظام التعليم العام في اليابان وكوريا الجنوبية من أفضل أنظمة التعليم العام في الوقت الحالي، على الرغم من وجود بعض العيوب الخطيرة مثل نسبة الانتحار العالية لطلاب الثانوية بعد ظهور النتائج، ولا عجب في أن الوظائف التعليمية سواء في التعليم العام أو العالي في اليابان وكوريا تعتبر من أرقى الوظائف فعلى سبيل المثال من الطبيعي جداً استقالة وزير في اليابان لقبوله عرض وظيفة تعليمية في إحدى الجامعات.. بصراحة كانت هذه المعلومة صعبة التصديق بالنسبة لي ما اضطرني للبحث عنها.

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك