إسقاط الفوائد فيه تجاوز للأصول الدستورية.. هذا ما يراه النيباري

زاوية الكتاب

كتب 1012 مشاهدات 0


القبس

لماذا تراجعت الحكومة؟  / القروض وإنجاز مجلس الصوت الواحد

عبد الله النيباري

 

كانت المآخذ على المجالس السابقة تدني لغة الخطاب، وكثرة الاستجوابات، والتسابق إلى تبديد أموال العامة، بحثاً عن المكاسب الشعبوية.

وجاء مجلس «الصوت الواحد» رافعاً شعار «تحقيق الإنجازات وتطهير سمعة المجلس مما علق به من أدران»، نتيجة تبديد أموال الدولة، استجداءً لإرضاء الناخبين، والمبالغة في طرح الاستجوابات، من دون مبررات، والتنابز بالألقاب.. وما إلى ذلك.

ولكن، ما إن بدأت مسيرة مجلس «الصوت الواحد»، إلا ووجد الناس أنه يتصرَّف وكأنه في سباق مع المجالس التي سبقته، بالمزايدة على طروحاتها ونهجها وخطابها، وحتى التنابز بالألقاب بين أعضائها، وكأنهم يبحثون عن ستر عورة، أو نفي تهمة أن هذا المجلس في جيب الحكومة.

احتجاجات

وفي كل جلسة، نسمع احتجاجات وتوبيخاً من بعض أعضاء لزملائهم، على التفريط في ممارسة المجلس لدوره الرقابي، وصلت لدرجة التهديد بالاستقالة، ونعت المجلس بأوصاف لم تطل المجالس السابقة.

وعلى الرغم من تراكم المآخذ على تصرفات مجلس «الصوت الواحد»، فإن هناك حذراً من انتقاده، والابتعاد عن التنديد بممارساته، ربما بدافع عدم الاستعجال، أو لالتزام الصبر والسكوت، وأن مضي أعضاء المجلس واستمرارهم في هذه التصرفات كفيل بإغراق السفينة، من تدخل من أحد، رغم حرص الحكومة على بقائه أربع سنوات، والخضوع لرغبات وشطحات أعضائه، كما حصل أخيراً في مشروع شراء القروض وإلغاء فوائدها.

وقبل الدخول في مناقشة هذا القرار،أبدي بعض الملاحظات على تصرفات ومواقف أعضاء المجلس، وكذلك أعضاء الحكومة، التي أراها مخلة بالدستور وضوابطه، وكذلك الإخلال بضوابط وقيود العمل السياسي:

1 - رفض المجلس رفع الحصانة عن العديد من أعضائه، بالمخالفة لنص الدستور (مادة 111)، التي تحظر اتخاذ إجراءات التحقيق والتفتيش أو القبض أو الحبس أو أي إجراءات جزائية أثناء انعقاد المجلس.

وغرض النص في هذه المادة، هو ألا تتخذ إجراءات كيدية تمنع أو تعيق عمل العضو أو أداءه لواجبه، كافتعال حادثة تمنعه، باحتجازه عن التصويت على قرار لمصلحة الحكومة، وكان معارضاً له.. هذه هي الكيدية، ولكن ما هي الكيدية إذا كانت دعوى مرفوعة من مواطنين قبل شهور تعرّض لهم العضو بالسب أو التجريح والنيل من سمعتهم ورفعوا قضايا ضده، وأحالت الحكومة طلب النائب العام إلى المجلس.. وهذا كله بعد شهور من وقوع الحدث، فلماذا يعترض المجلس ليحمي أعضاءه من التحقيق، بذريعة الكيدية والشكوى، بعد شهور من وقوع الحدث، بل إن بعضها قبل أن يصبح المدعى عليه عضواً في مجلس الأمة؟ ولا يجوز التذرع بسوابق في المجالس الماضية، فالخطأ لا يبرر الخطأ، فحماية المجلس لأعضائه هدر لحقوق المواطنين، وتعدٍ على ما وفره لهم القانون من حماية.

2 - استسهال تأجيل مناقشة الاستجوابات التي أصبحت تقليدا ساريا في هذا المجلس. فتقديم استجواب لرئيس الوزراء أو أي وزير، هو حق دستوري لكل عضو، والمجلس يحكم عليه بعد سماعه. أما التأجيل لدورة قادمة أو لشهور، فهو مصادرة للحقوق الدستورية للنواب. والاستجواب أداة الرقابة الأساسية، والعبث بها تعطيل لممارسة المجلس لهذا الدور، ثم إن الاستجواب يخاطب فيه العضو الرأي العام، من خلال المجلس، ليمارس الرأي العام رقابته على المجلس وعلى الحكومة. وحجب الاستجواب، بتأجيله أو الغائه، عمل مخالف للدستور.

3 - رحلات سياحية بطائرات حكومية:

فقد كثرت في الآونة الأخيرة السياحة العائلية بطائرات حكومية، وتزايد ظاهرة اصطحاب الوزراء لأقاربهم وزوجاتهم وأطفالهم، ومن كان بلا زوج اصطحب أمه وخالاته، ووصل الأمر إلى أن أحدهم ركب مع أهله بطائرة الحكومة، فيما ركب الوفد الرسمي المرافق بطائرة تجارية، ثم يصرح بأن ما يفعله لا يخالف القانون، وآخر يسافرلوحده من دون مشاركة وفد رسمي، ثم تظهر صورة له بالصحف والتلفزيون يقابل مسؤولين في ثاني أكبر دولة في العالم، ثم يقال انه يعرف كل شيء ولا يحتاج الى وفد مرافق، وكأن السفرة لأغراض خاصة، للبحث عن صفقات أو وكالات تجارية مثلا.

الأعراف السياسية

الأعراف السياسية تفرض ضوابط وقيودا على استخدام أملاك الدولة وخدماتها، كالرحلات الرسمية، وأي منافع يحصل عليها وزير أو عضو مجلس نيابي أو موظف عام يجب أن يعلن عنها، ولا يجوز قبولها، حتى لو كانت دعوة بتذكرة سفر أو إقامة في فندق، ومثال ذلك أن وزير دفاع الماني سابق ثارت ضجة سياسية ضده لاصطحابه عائلته في رحلة رسمية بطائرة حكومية. في السابق، كانت تتم مثل هذه التصرفات سراً، أما الآن، فقد أصبحت فساداً علنيا، يتحفنا به مرتكبوه بالتصريحات، وبصورهم في الصحف والتلفزيونات.

إسقاط القروض

لا يختلف اثنان على أن تشبث أعضاء المجلس السابق والأسبق والحالي بمسألة شراء الدولة للقروض الاستهلاكية والمقسطة، يعد سعيا لكسب الرضا الشعبي، أي يعتبر تكسبا سياسيا.

وفي حالة القروض اليوم تختلف عما كانت عليه عام 2008 وما قبله:

أولاً: كان حجم القروض وعدد المقترضين كبيراً. ففي إحصائية البنك المركزي بلغ عدد المقترضين في 30/11/2007، حوالي 167 ألف مقترض، وعدد القروض 186 ألف قرض، باعتبار أن هناك من لديه أكثر من قرض.

وبلغ حجم القروض 4 مليارات دينار، والرصيد غير المسدد بلغ 3.6 مليارات دينار، وكانت أسعار الفائدة محل شكوى، لارتفاع معدلاتها، وبسببها يصبح المبلغ المطلوب سداده على مدة الاقتراض، وهي 15 سنة، يقترب من ضعف الدين الأصلي، أي أن الفوائد المطلوب سدادها تعادل قيمة الدين الأصلي.

تطورات

منذ عام 2008 حصلت تطورات قلصت حجم هذه الديون وأعبائها، فتقرير اللجنة الحالية يتحدث عن 700 مليون دينار يمكن أن ترتفع إلى 900 من دون إضافة قروض البنوك الإسلامية، وتقدر الفوائد بحوالي 300 مليون، وتقلص عدد المدينين من 167 ألفا إلى حوالي 67 ألف مدين، بمتوسط مديونية عشرة آلاف دينار.

هذا الانكماش في عدد المدينين وحجم أو رصيد المديونية وانخفاض أعباء الدين (الفوائد) إلى 300 مليون، نتيجة لسداد البعض جزءا من مديونيتهم، وخصوصا أن ما يقرب من 69 ألفا، من أصل 167 ألفا، متوسط مديونية كل منهم 5500 دينار، و42 ألفا متوسط المديونية 15 ألف دينار، ومجموع هاتين الشريحتين يعادل ثلثي عدد المدينين آنذاك.

هذا إلى جانب أن عدداً كبيراً استفاد من صندوق المعسرين الذي اشترى ديونهم ويقسطها ابتداء من سنة 2020 بالتقسيط المريح.

كذلك، اتخذ البنك المركزي قرارات تحدد ألا يتجاوز ما يخصم من صافي المرتب أكثر من 40 في المائة، وأن يُعاد احتساب سعر الفائدة كل خمس سنوات، وألا تزيد التعديلات على 2 في المائة.

الديون الاستهلاكية والمقسطة

لذلك، فإن مشكلة الديون الاستهلاكية والمقسطة لم تعد بحجم ما كانت عليه في السابق، وأن المستفيدين، وهم أصحاب الديون قبل 2008، عددهم لا يزيد على 12 في المائة من إجمالي المقترضين للقروض الاستهلاكية. طبعاً، حجم القروض المقسطة والاستهلاكية حالياً عاد إلى ما يقارب الأرقام التي كان عليها عام 2008، ولكن بالشروط الجديدة.

لذلك، كل هذه الضجة التي تثيرها اللجنة المالية في مجلس «الصوت الواحد» لا يستفيد منها إلا 12 في المائة من أصحاب القروض الاستهلاكية والمقسطة. ولذا، توصف بأنها لا تعالج قضية شعبية عامة، وإنما هي مشروع في الغالب للتكسب السياسي على حساب هدر المال، والاستمرار في نهج المنح والهبات.

والمؤسف حقا، قيام وفد من المجلس لمقابلة سمو الأمير، لبحث أمر هو من اختصاص المجلس والحكومة، وسمو الأمير إذا كان لديه رأي، فمن حقه أن يستخدم صلاحياته، عبر وزرائه، ولكن أن يخرج وفد من المجلس بعد زيارة الأمير ليعلق الاتفاق الرسمي على مشروع شراء الدولة للقروض وإسقاط الفوائد فيه تجاوز للأصول الدستورية. وذهبت مع الريح تصريحات وزير المالية، الذي قال: «ما عندنا إلا صندوق المعسرين»، وهو على حق في ذلك، فلماذا تراجع؟ ولماذا تراجعت الحكومة؟ وما مبرر الاحراج بما أن الموضوع بين المجلس والحكومة، وهو كلام سديد، رفعا للحرج.

فهل يجوز هدم الكيان الدستوري، لأن النواب يريدون شراء رضا أو أصوات المواطنين، والسلطة تريد شراء ولاء أعضاء المجلس؟!

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك