غرفة التجارة تدخل على الخط

الاقتصاد الآن

رفضت اسقاط فوائد القروض ووصفت صندوق الأسرة بـ 'البدعة'

2591 مشاهدات 0

مبنى غرفة التجارة

أصدرت غرفة تجارة وصناعة الكويت بياناً بعنوان «صندوق الأسرة.. معالجة غير سديدة لمشكلة غير موجودة»،ترفض فيه اسقاط فوائد القروض واصفة صندون الأسرة بالبدعة وفي ما يلي نص البيان-

منذ منتصف عام 2006، ومقترح إسقاط القروض، بأشكاله المختلفة وتعديلاته المستمرة، يستقطب اهتمام الساحتين السياسية والاقتصادية في الكويت، ويلعب دوراً واضحاً في رسم خارطة مواقف وتحالفات التيارات السياسية من جهة، وفي تشكيل وتوقيت حركات المد والجزر لتعاون الحكومة ومجلس الأمة من جهة أخرى، في إطار سابق خطير لكسب الشارع الانتخابي على حساب العدل والتنمية والمال العام، ها نحن اليوم أمام صيغة جديدة لهذا المقترح تحت اسم «صندوق الأسرة»، الذي تؤكد مؤشرات كثيرة على توافق بشأنه بين الحكومة واللجنة المالية والاقتصادية في مجلس الأمة.

ومنذ إلقاء حجر إسقاط القروض في بئر، لم تر فيه غرفة تجارة وصناعة الكويت إلا بدعة غير مسبوقة، تندرج في سياق نهج الهدر الإنفاقي الذي أفرطت السلطتان التشريعية والتنفيذية في تطبيقاته لتلبية الرغبات الاستهلاكية الآنية والمسرفة، على حساب الاحتياجات التنموية والأجيال القادمة، وهو النهج الذي اهتمت الغرفة بترشيده من عام 1985، وأصدرت في السنوات الأخيرة مذكرات أربع تفنيداً لحقائقه، وتوضيحاً لمخاطره، وذلك في ديسمبر 2006، يونيو 2008، يناير 2010، وسبتمبر 2011، ولعل من المفيد أن نعرض بإيجاز شديد أهم النقاط التي أكدتها الغرفة في مذكراتها، وهي:

1 - لا تملك الكويت فوائض تزيد على احتياجاتها لتبددها في إنفاق عقيم، بل تمر المالية العامة للدولة بمرحلة سيولة ناجمة عن ارتفاع أسعار النفط من جهة، وعن ضعف شديد في معدلات الاستثمار التنموي من جهة أخرى، وبتعبير آخر، تحصل الكويت على عوائد نفطية تزيد على حجم إنفاقها الجاري الذي وصل الى حدود %75 من الناتج المحلي الإجمالي، وتعجز عن كفاية حاجتها الحقيقية للإنفاق الاستثماري الذي لا يتجاوز %9 من الناتج المذكور.

2 - في واقع الأمر، لا تعاني الكويت أزمة قروض استهلاكية متعثرة، فعدد المواطنين الكويتيين الحاصلين على قروض استهلاكية ومقسطة من البنوك وشركات الاستثمار حتى 2008/4/1، والذين ما زالت قروضهم قائمة حتى نهاية عام 2012، لا يتجاوز 67 ألف مواطن، أو ما يعادل %5.6 فقط من إجمالي عدد المواطنين. ويؤكد بنك الكويت المركزي أن القروض الاستهلاكية والمقسطة تتسم بدرجة عالية من الانتظام، ولا تتجاوز نسبة حالات التعثر في السداد المتخذ بشأنها إجراءات قانونية %1.8 من إجمالي عدد القروض المعنية، ونحو %1.2 من إجمالي حجم هذه القروض (حوالي 6.5 مليارات دينار في 2012/11/30).

3 - تنطلق المقترحات المختلفة لاسقاط القروض، بما فيها نسختها الاخيرة «صندوق الاسرة»، من اعتبارات سياسية بحتة، تغفل تماماً الابعاد والانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية والدستورية، والمتمثلة بغياب العدالة والمساواة بين المقترضين وغيرهم، وبين المقترضين انفسهم، ناهيك عن تكريس ثقافة الاتكالية والتهاون وعدم الالتزام، والاستمرار في النهج السياسي والمالي الذي ساهم الى حد بعيد في تعميق الاختلالات الهكيلية بالاقتصاد الكويتي، ولهذا كله، فإن مقترحات اسقاط القروض لم تطرح في اي دولة نامية او متقدمة، بل بقيت بدعة لم تقدم عليها الا الكويت.

4 - تعتقد الغرفة ان السبب الاهم وراء الاقتراحات المختلفة لاستخدام السيولة المالية الحالية في تمويل انفاق من هذا القبيل هو غياب الاستراتيجية الاستثمارية التنموية لاستخدام هذه السيولة، وهذا الغياب المقترن باخفاق متكرر في تنفيذ خطط التنمية، ترك الباب مفتوحاً امام الاستغلال السياسي لهذه السيولة المرحلية، كما سمح بتناقض واضح بين السياسات المالية والنقدية والاقتصادية.

اننا، في غرفة تجارة وصناعة الكويت، نعرف يقيناً ومسبقاً ان بياننا هذا لن يكون له اثر فاعل في مواقف من يملكون اليوم وضع واقرار النسخة الجديدة من مقترح اسقاط القروض، اذ لا يوجد لحوارنا معهم لغة مشتركة، ومن المتعذر ان نصل الى وجهة نظر تتطابق فيها الحسابات المعلنة للمصلحة العامة الراهنة والمستقبلية، مع الحسابات غير الخافية للسياسيين وتطلعاتهم الى صندوق الانتخابات، ومكافأت المواقف وسداد الاستحقاقات، ودليلنا على ذلك ان كل ما ذكرناه عن ابعاد وانعكاسات مقترحات اسقاط القروض، يتفق الى حد بعيد مع دراسات ومذكرات وبيانات اعلنتها جهات وشخصيات رسمية واهلية متخصصة في طليعتها، على سبيل المثال لا الحصر، خطة التنمية وبرامج الحكومة ذاتها، بنك الكويت المركزي، البنك الدولي، المستشارون الاقتصاديون لمجلس الامة والحكومة، تقرير بلير، وتقرير ماكنزي، وهيئات وجمعيات المجتمع المدني ذات الصلة، وتوصيات عشرات المؤتمرات والندوات المتخصصة، ومع ذلك، اقتضت المصالح السياسية التغافل عن آراء كل هذه الجهات.

بل نذهب إلى ما هو أبعد من ذلك فنزعم أن «صندوق الأسرة» المقترح، يسير بالاتجاه المعاكس للمبادرة السامية التي اطلقها حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، حين شكل «اللجنة الاستشارية لبحث التطورات الاقتصادية»، ووجهها - يوم افتتاح اعمالها في سبتمبر 2011 - نحو أهداف ثلاثة: الاستغلال الأمثل للفوائض المالية، معالجة مظاهر الهدر الاستهلاكي غير المسؤول والافراط في الانفاق الجاري غير المنتج، وتهيئة المناخ المناسب لكي ينهض القطاع الخاص بمسؤولياته التنموية. وهي توجيهات انعكست فعلا وبكل قوة وصراحة في تقرير اللجنة المذكورة وتوصياتها.

ما تهدف إليه الغرفة من بيانها هذا، هو التذكير بما سبق ان اوضحته - مع جهات وشخصيات كثيرة ومتخصصة - حول حقيقة ما يسمى «بالفوائض المالية» وواقع ما يسمى «بالقروض الاستهلاكية المتعثرة».

وما تهدف إليه الغرفة من بيانها هذا، هو التذكير بما لم تترك مناسبة - منذ عام 1985 حتى الآن - من دون الدعوة إليه «لكي تبقى تكاليف الرفاه الاجتماعي في اطار قدرة الدولة ومواردها، وفي حدود حاجة المواطنين ومعاييرها، ولكي يبقى دعم المال العام لمستحقيه دون غيرهم، ولكي لا يؤدي التوسع في مفهوم الرفاه الاجتماعي وفي تكاليف الدعم الحكومي الى مزيد من الخلل الاقتصادي والتواكل الاجتماعي، والى تكرار الاعتداء على المال العام وعلى مستقبل الاجيال القادمة».

وما تهدف إليه الغرفة من بيانها هذا، هو الاعراب عن اعتقادها بان تراجع الحكومة عن موقفها الرافض لاسقاط القروض او فوائدها، وموافقتها على اقرار «صندوق الأسرة» لن يضع حداً للهدر السياسي للمال العام، ولن يغلق الباب امام مثل هذه المطالبات. بل ان العكس هو الصحيح على الارجح، فالاستجابة لطلب اسقاط القروض او فوائدها ستفتح أبوابا مماثلة جديدة وعديدة ولعل في سلسلة البدلات والاستثناءات والكوادر ما يقدم لنا مثالاً ودرساً.

وما تهدف إليه الغرفة من بيانها هذا، أخيراً، هو التنبيه مرة اخرى الى ان الكويت دولة يتطلب استقرارها الاقتصادي توسيع قاعدتها الانتاجية وتخفيض درجة انكشافها الخطير، ويتطلب استقرارها الاجتماعي توفير ما لا يقل عن عشرين ألف فرصة عمل حقيقي سنويا وعلى مدى العقدين المقبلين على الأقل. وبالتالي، فإن اهدار فرصة السيولة المالية الحالية سيؤدي حتماً الى نقص خطير في مناعة الكويت الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، واذا كنا لسنا بحاجة الى التذكير بنتائج عدم استقرار اسعار النفط، فإن من واجبنا التنبيه الى اننا نعيش عصر انفجار علمي يحمل كل يوم تقنيات واكتشافات جديدة. وان من واجبنا التحذير بأننا نعيش في قلب منطقة تتناهب أجواءها رياح التغيير، ويتفاعل تحت رمالها وميض نذير.

الآن: المحرر الإقتصادي

تعليقات

اكتب تعليقك