غطرسة أمريكا في العراق تتحول إلى تردد في سورية فيليب ستيفنز
الاقتصاد الآنمارس 17, 2013, 3:54 م 675 مشاهدات 0
بعد عشر سنوات على غزو العراق، يراقب العالم طاغية آخر يقتل شعبه. وكان أول درس من العراق هو أن إسقاط صدام حسين كارثة وُلِدَت من الغطرسة الأمريكية. والآن يرى جانب كبير من الرأي العام المعاصر أن ترك بشار الأسد في السلطة داخل سورية يمثل فشلا للضمير الغربي. ويبدو أن أولئك الذين أدانوا استخدام الجيش الأمريكي في العراق ينوحون ويتفجعون لغياب مثل ذلك الاستخدام في سورية.
وثمة غرض بسيط من العودة للحديث عن غزو العراق، فقد تشكلت الآراء بشأنه في وقت بعيد والقصة السائدة هي أن جورج دبليو بوش وتوني بلير متهمان في أحسن الأحوال بالخداع وفي أسوئها بارتكاب جرائم الحرب. ومن جهتي، كنت دائماً مترددا في الحداد على رحيل نظام غارق في الدماء. والاتهام الذي يتردد هو أن الغزاة فشلوا في التفكير بشأن ما هو التالي بعدما يدمرون الدولة العراقية، وهي مسألة لم يهتم بها كثيرا أناس أمثال ديك تشيني ودونالد رامسفيلد، فيما اعتقد بلير أن وقوفه على الجانب الصحيح من صراع مانوي (صراع الخير والشر) كاف في حد ذاته.
وسورية ليست العراق. فحتى الآن ما يحدث - أو بالأحرى ما لا يحدث - في سورية هو في جزء منه انعكاس لما حدث في العراق. لكن الولايات المتحدة الملسوعة في المرة السابقة حذرة الآن، ويتأرجح البندول عندها من التدخل إلى الواقعية العنيدة. فالدولة التي اعتقدت في فترة ليست بعيدة أنها قادرة على إعادة تشكيل الشرق الأوسط في صورة ديمقراطية تنظر الآن نظرة ضيقة إلى مصالحها الوطنية. في عام 2003 كان لدى البيت الأبيض شعور مبالغ فيه بشأن القوة الأمريكية، واليوم ربما يكون مبالغا في تقدير حدود قدرته على صياغة الأحداث.
ومهما كانت الأدلة على وجود أسلحة دمار شامل في العراق - استنادا إلى المواد المتاحة بعد ذلك كان التهديد مبالغا فيه وليس مبتكرا - أعطت واشنطن فكرة نادرة عن القوى التي ربما أطلقها سقوط صدام حسين. ولا يمكن لأحد أن يتهم باراك أوباما بالفشل في وزن مخاطر التورط في سورية. فالتوترات الطائفية والمذهبية في منطقة الشرق الأوسط موجودة بحيث يراها الجميع. في الجزء الواقع خارج المقاطعة الكردية الشمالية في العراق، توجد الأغلبية الشيعية التي تم قمعها من قبل على يد صدام. ولدى نوري المالكي، رئيس الوزراء، ردود فعله السلطوية الخاصة به. والأقلية السنية تلعب الآن دور الطرف المقموع. وسورية صورة طبق الأصل من عملية التشرذم هذه، وربما يسفر خروج الأسد عن تسليم السلطة إلى السنة الأغلبية، ما يترك العلويين، بجذورهم العائدة للإسلام الشيعي، أقلية محرومة.
العراق وسورية قطعتان في الحرب الطائفية داخل المنطقة. فالأسد يعتمد على حليفه الشيعي، إيران؛ بينما يتم دعم الثوار من قِبَل دول الخليج السنية وتركيا، التي يقودها السنة أيضاً. وترى إيران في العراق الذي يقوده الشيعة بديلاً للعمق الاستراتيجي الذي يمكن أن تفقده بسقوط حليفها السوري.
ويقول بعضهم إن حرب العراق التي سمحت بخروج الجني من القمقم، باقتلاعها هياكل السلطة التي أبقت على العداوات بين الشيعة والسنة تحت السيطرة. اتبع هذا الاستدلال وتصل إلى الاستنتاج المحرج بأنه كان يجب إبقاء العرب تحت النير إلى الأبد. فهل كانت الأمور ستبدو أفضل حقاً لو تم ضمان توازن القوة من خلال الصراع القاتل بين الطغاة المتنافسين في بغداد وطهران؟
وعلى أية حال، لقد بددت الانتفاضات العربية كل افتراضات الحرب الباردة القديمة. وربما لم يعد الغرب قادرا على الاعتماد على الحكام العلمانيين، ولم تعد الأنظمة بقيادة الأقليات تفرض سيطرتها الدائمة على الأغلبيات التابعة. وكان التحول نحو التعددية موضع ترحيب، وإن كان لا يجعل الأمر سهلا على الغرباء. وبالنسبة للغرب، فإن أصدقاء الأمس هم المستبدون المخلوعون اليوم؛ والمقاتلون من أجل الحرية اليوم قد يكونون الجهاديين في الغد. وحتى الآن المستفيد الرئيس من الاضطرابات هم الإسلاميون ذوو الولاء الغامض للديمقراطية.
ولا يستطيع الغرب أن ينشر قواته الخاصة في سورية، فمن شأن ذلك أن يخرج كل شياطين العراق من قبرها ويدعو راعي الأسد الروسي إلى تكثيف مساعداته المسلحة للنظام. وعلى الرغم من أن الفرص تبدو ضئيلة الآن، إلا إنه ينبغي تركيز العمل الدولي في المقام الأول على البحث عن تسوية سياسية - على الأقل محاولة تجنب استمرار الحرب الأهلية بعد رحيل الأسد في نهاية المطاف.
إن ذبح الرئيس السوري لشعبه يحمل رسائل خطيرة للمنطقة ويهدد نظاما دوليا متحضرا. وهنا تظهر نقطة يتعين معها أن تتفوق الضرورات الإنسانية على حسابات المصالح الضيقة.
وبالفعل تقدم الولايات المتحدة وبريطانيا التدريب العسكري للائتلاف الوطني السوري. وتوفر تركيا المعلومات الاستخبارية والخدمات اللوجستية، وربما تقدم وكالة الاستخبارات المركزية مساعدة مباشرة داخل سورية. ويبدو أن الاتحاد الأوروبي قرر عدم تجديد حظر الأسلحة على الثوار عند انتهائه في فصل الصيف.
ومع ذلك، المطلوب الآن هو عرض للدبلوماسية الأمريكية النشطة التي كانت غائبة تماما خلال معظم فترة القتال. أين كانت هيلاري كلينتون؟ أين جون كيري؟ أو في الواقع، أين أوباما؟ أين الاحتجاج رفيع المستوى على الدمار ورغبة موسكو في وقف إراقة الدماء من خلال دعم التسوية؟ ماذا عن حشد التأييد في الأمم المتحدة بخصوص الممرات الإنسانية؟ إذا كان فلاديمير بوتين يحتاج إلى الإطراء والرشوة، فلا مانع من ذلك. و نعم، ينبغي تقديم الضمانات القذرة بتوفير ممر آمن للأسد.
من المحتمل أن تفشل الدفعة الدبلوماسية الكبيرة. وإذا حدث ذلك سيكون على الولايات المتحدة وأوروبا التفكير ملياً بشأن تقديم الأسلحة إلى الثوار. لكن في هذه الحالة سيكون أوباما على الأقل قد بذل مزيداً من الجهد. لقد كان العراق بمثابة استعراض مؤلم للغطرسة الأمريكية ويجب ألا تدفع سورية ثمن التردد الأمريكي.
تعليقات