زايد الزيد يروي تجربة السجن

زاوية الكتاب

13 يوما، ما بين 'العنبر والزنزانة': حياة السجن والسجناء

كتب 8873 مشاهدات 0

أمام إدارة التنفيذ في مبنى السجون بعد الإفراج

الأيام الثلاثة عشرة التي قضيتها بالسجن هي تجربة ثرية بالنسبة لي على المستوى السياسي والاجتماعي وحتى الأسري، وهي واحدة من المحطات الرئيسة في حياتي على الرغم من قصر مدتها الزمنية، ولقد تعرفت على جوانب من حياة السجن والسجناء ما يكفي للكتابة عنها مطولاً، وربما هذا ما سيكون مستقبلاً، لكن هنا سأكتب أو سأدون لمحات سريعة من هذه التجربة، فاليكم بعضها:

تواصل مع الخارج

كنت أتصور قبل دخول السجن، ان السجين تنقطع اتصالاته عن العالم الخارجي بمجرد دخوله السجن، لكنني سرعان ما اكتشفت عكس ذلك، فهناك صحف يومية توزع على الزنازين وهناك تلفزيونات، وأيضاً يمنح السجين يومياً سبع الى عشر دقائق للاتصال هاتفياً بمن يرغب، وهذه الأشياء مجتمعة تجعل السجناء على اتصال وعلم بما يدور خارج أسوار السجن الى حد ما، عكس ما هو متصور عندي وربما عند كثيرين غيري..

عنابر وزنازين

باعتبار ان قضيتي جنحة وليست جناية، فانني أودعت بالسجن العمومي، وهو مخصص لسجناء الجنح وأيضاً لمن هم موقوفون على ذمة جميع القضايا، سواء كانت جنحاً أو جنايات، لكن حالما تصدر الأحكام بالسجن على الموقوفين على ذمة الجنايات فانه يتم ترحيلهم الى السجن المركزي.

والسجن العمومي يحتوي على ستة « عنابر» وكل « عنبر» يحتوي على أربع زنازين، وكل زنزانة تتسع لـ 22 سجيناً ويوجد بها مطبخ صغير ودورتا مياه، وأتصور ان طول الزنزانة بحدود عشرة أمتار بينما عرضها لا يتجاوز الخمسة.

وكنت نزيلاً في «العنبر» الثالث، وفي الزنزانة رقم 3، وكان عددنا فيها 16 سجيناً تقريباً، وأقول «تقريباً» لأن الأعداد تتغير في الزنازين سريعاً وبشكل يومي بسبب الافراج عن سجناء أو ترحيلهم للسجن المركزي، في مقابل دخول سجناء جدد..

مختلفون لكن متكاتفون

الشيء الجيد في السجن ان العنابر والزنازين تختلط فيها العديد من الجنسيات، فالزنزانة التي كنت أقبع فيها - على سبيل المثال - كانت تحتوي على أحد عشر كويتيا ومصري وسوري ويمني وسعودي وباكستاني، وفي ظني ان هذا التنوع يخلق حالة من الهدوء والتوازن بعكس الحال لو كانت العنابر او الزنازين مقسمة حسب الجنسيات.

وفي زنزانتنا رقم (3) كان التعاون والتكاتف يطغى على الاختلافات السياسية والفكرية والمذهبية التي تظهر بيننا، فرغم بروزها بين الحين والآخر، الا أن الجميع يحرص على أن تظل في حدود «الاختلاف» ولا تنتقل الى دائرة «الخلاف»، حتى انه كثيراً ما نشهد خواتيم الجدل والنقاش تتحول الى ضحك ومزاح، وأظن أن العقل الباطن لدينا كسجناء يدفعنا لمثل هذا التآخي والتكاتف لأننا نجتمع في هم واحد مشترك هو كوننا سجناء، الأمر الذي يبدو انه ينسينا همومنا الأخرى ويقمع بداخلنا اختلافاتنا أو يهذبها على أقل تقدير.

سجناء عاملون ورائعون

الأمر المزعج بالنسبة للكثير من السجناء هو عدم انتظام النوم في الزنازين، فبسبب الفراغ وكثرة النزلاء في الزنزانة الواحدة، وبسبب عدم اطفاء الأضواء بتاتاً طوال اليوم، فانه لا وقت محددا ولا منتظما للنوم، وأكثر من يعاني من هذا الأمر هم النزلاء العاملون في ادارة شؤون السجن كونهم ملتزمين بمواعيد منتظمة ومحددة للعمل، وربما يستغرب الكثيرون من هذا الأمر، وأنا كنت أولهم، فلم أكن أتصوره بتاتاً هو أن السجناء هم من يديرون الكثير من شؤون السجن وتفاصيله، فلكل زنزانة (غرفة) مسؤول، وهذا المسؤول هو واحد من سجناء تلك الزنزانة، ولكل «عنبر» مسؤول وهو واحد من مسؤولي الزنازين، كما ان السجناء مسؤولون عن ممرات السجن التي تربط «العنابر» بالعيادة الطبية والعيادة النفسية والاجتماعية و«الكانتين» ومكاتب ادارة السجن، وهم مسؤولون عن توزيع الوجبات الغذائية على «العنابر» وعلى ايصال السجناء للعيادات، وعن غيرها من المهام الروتينية كفتح ساحة الفسحة واغلاقها وادارة مصليات «العنابر»، والحقيقة ان المرء ليعجب من الهمة والنشاط اللتين تتملكان كل واحد من هؤلاء السجناء العاملين في ادارة شؤون السجن، فهم مثابرون بشكل كبير، ومنتظمون بشكل أكبر، ومتعاونون مع الجميع بشكل رائع، يراعون احتياجات السجناء ويساعدونهم قدر ما تسمح به النظم، ووالله اني لأعجب من قدراتهم في استيعاب السجناء واحتوائهم على الرغم من تنوع القدرات العقلية والاوضاع النفسية للسجناء، وكثيراً ما كنت أتأمل في أحوالهم، حيث أجدهم يواسون الجميع في مصابهم، بينما لا تجد من يواسيهم او من يخفف عنهم الضغوط النفسية الواقعة عليهم، حتى يتراءى لك أن السجناء يغفلون أن زملاءهم هؤلاء هم سجناء مثلهم !

فتحية لهؤلاء السجناء الزملاء العاملين دوماً بلا كلل ولا ملل.

احذروا تأجير السيارات

كون السجن العمومي هو مستودع سجناء الجنح، فان معظم نزلائه من المتورطين والمحكومين في قضايا مالية، وأكثرها قضايا «خيانة أمانة» و«شيك بدون رصيد»، وما شكل صدمة جديدة لي أن هناك الكثير من المسجونين بسبب مبالغ مالية بسيطة، ولقد وجدت أن الكثير من قضايا خيانة الأمانة بسبب التأخر في دفع المبالغ المستحقة لشركات تأجير السيارات، والمصيبة ان بعض المسجونين كانوا قد دفعوا كل ما عليهم من مبالغ للشركات ولكن بعد تسجيل القضايا عليهم، والجهل بالاجراءات بالقانونية حال دون استكمال اجراءات التنازل عن القضية، وقد ظن هؤلاء ان مجرد دفعهم لتلك المبالغ يسقط القضايا المرفوعة عليهم تلقائياً، واذا بهم يفاجأون بأحكام سجن غيابية صادرة عليهم من دون ان يعلموا عنها شيئاً!

أما قضايا الشيكات بدون رصيد فوجدت أن معظمها كانت جزءا من أعمال تجارية حقيقية ولكن بسبب تعثر الموارد تجد ان اصحاب هذه القضايا يغرقون في الديون ومن ثم يدانون بسبب تلك الشيكات الخالية من الارصدة، ما أريد أن أقوله ان معظم قضايا الشيكات بدون رصيد لم يكن أصحابها نصابين يحترفون عمليات الاحتيال على الناس بل انها كانت ادوات ديون في اعمالهم التجارية، وهناك فرق كبير بين ان يكون الشيك بدون رصيد جزءا من عمل تجاري وبين ان يكون اداة احتراف في النصب والاحتيال، لذلك فان معظم دول العالم لا تجعل من السجن عقوبة للشيك بدون رصيد حتى لا يتعثر عالم التجارة والمال عندهم، ومن يتضرر من الشيك بدون رصيد يلجأ للقضاء المدني وليس الجنائي.

مشاعر متناقضة

حالة الافراج عن أحد السجناء تشهد متناقضات في الحالة الشعورية لدى كل من المفرج عنه ولدى بقية السجناء، فما أن يُبلغ أحد بأنه تم الافراج عنه فان مشاعر الفرح لديه لا تكون - ساعتها - مكتملة، ذلك أنه يراعي بشكل تلقائي وعفوي مشاعر زملائه القابعين في السجن، كما ان زملاءه بقدر فرحتهم بخروج زميل لهم الى فضاء الحرية، فانك ترى في عيونهم بعض الشعور بالحسرة لفقدهم وجود زميل لهم كان يشاركهم ويشاركوه المأكل والمشرب والهموم ! كما أظن أن كل سجين حينما تتوالى الافراجات تباعاً عن زملائه في الزنزانة، أظنه يشعر بخوف ان يكون هو آخر من سيفرج عنه، هذه المشاعر مجتمعة تسيطر على مشهد الافراج عن احد السجناء في الزنزانة الواحدة، وهي حقيقةً أصعب ما يكون، وتظل محفورة بالذاكرة لدى الجميع سواء عند المفرج عنه الذي سيكون حراً طليقاً بعد ساعات أو لدى المنتظرين!

زايد الزيد

النهار

تعليقات

اكتب تعليقك