عن صناعة التاريخ!.. يكتب محمد المقاطع

زاوية الكتاب

كتب 676 مشاهدات 0


القبس

الديوانية  /  صناعة التاريخ

أ.د محمد عبد المحسن المقاطع

 

في التقدير البشري الخالص، فإن الحدث لا يصنع التاريخ، وإن سجل في مدوناته، لكن من يوجد الحدث هو من يصنع التاريخ، وهؤلاء هم البشر، بل المميزون منهم، فهل لدينا من صنع التاريخ، ومن هو قادر على ذلك؟

سجل الكويت حافل برجال ونساء سطر التاريخ أسماءهم في سجلاته المضيئة، لإسهاماتهم المشهودة في صنع الحدث الذي يتولد منه التاريخ. ولن أتمكن في هذه المقالة المقتضبة أن أمر على ذكرهم جميعا، ولكن سأورد بعضا منهم في مراحل متفاوتة من عمر الكويت، قاصدا ضرب الأمثلة المؤكدة أن الكويت ولادة، فهل يعقل أن تصاب بالعقم عن ولادة أمثالهم، وقد أكد التاريخ أن أصل نسلها طيب وما زال.

يوم ضاقت حال البلد من الغزاة عليها في مراحل متقدمة من تاريخ الكويت، توحدت جهود رجالات البلد وأبنائها لبناء سور الكويت، تحصينا لها ودفعا للشرور المحيطة، عند وفاة الشيخ سالم المبارك قدم أهل الكويت وثيقة 1921 الدستورية التي أسست لنظام حكم ديموقراطي، وحسمت فيه النزاعات بين أبناء الأسرة على منصب الإمارة بنص صريح.

وقد تحملت كتلة العمل الوطني في 1938 الإصرار على مجلس أمة منتخب، تولى وضع دستور 1938 بتوافق مع حاكم الكويت آنذاك، فكان تراضيا مشهودا، وقد حمل رجال الكويت عبء مرحلة الاستقلال وتصدرهم نخبة من أبناء الأسرة الحاكمة، ومن اهل الكويت المشهود لهم، فكان انجازا مشهودا، وتلته خطوة رائدة من هؤلاء الرجال بقيادة المغفور له عبد الله السالم بإيجاد دستور عصري ديموقراطي متطور، وهو ما ينعم به الوطن اليوم والمواطنون، وفي لحظة الغدر التاريخي للغزو الصدامي ونظامه البائد للكويت، خرجت كواكب متعددة من ابناء الكويت، فكانت المقاومة حاضرة على ارض الوطن، وسالت دماء زكية لشهداء دفاعا عن الوطن، كما صمد أبناء الكويت امام الغزو، ولم يقبلوا بالخروج منها ايمانا منهم بأن الوطن أحوج ما يكون للصامدين فيه اكثر من الخارجين منه، كما التأم شمل الأسرة مع أبناء الكويت في الخارج بمؤتمر جدة، ليسطر لوحة رائعة على التوافق الوطني، حينما يكون الوطن بحاجة للوحدة، فكانت تلك رسالة للغزاة وللعالم حول الشرعية الشعبية للنظام وللدولة، تبعته وثيقة الرؤية الإصلاحية المواكبة لهذا المؤتمر من الصامدين، فسطر هؤلاء جميعا ملاحم وطنية خلدها التاريخ.

والعجب اليوم أن كل الأطراف ممن بأيديهم زمام الأمور على مستوى السلطة أو المعارضة أو القيادات السياسية أو البرلمانية أو الحزبية، صارت صناعة التاريخ بالنسبة إليهم لا تتعدى أمرا وحيدا، ألا وهو صنع المجد الشخصي، وهو ما أدى الى انهيار المجتمع سياسيا واجتماعيا، بل وربما حتى قيميا.

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك