ترجيح معاناة المالية الأمريكية من المجاعة لا التخمة بقلم مارتن وولف
الاقتصاد الآنفبراير 14, 2013, 3:12 م 535 مشاهدات 0
''الأمر ليس أن ما لا تعرفه هو ما يدخلك في متاعب. بل إن ما تعرفه على وجه اليقين، ليس كذلك بالتأكيد''. تعليق مارك توين هذا ينطبق بقوة على السياسة الخاصة بالمال والأعمال المصرفية. البعض متأكد من أن النظم الاقتصادية الغربية التي تواجه متاعب، تعاني فائضا زائدا من المال. وفي هذه الأثناء، يعتقد صُناع السياسة المحافظون أن الطريق السليم لإحياء النظم الاقتصادية هو من خلال فرض احتياطي للإنفاق الخاص. يوافق كل شخص تقريباً على أن التمويل النقدي للحكومات قاتل. وكل هذه المعتقدات خاطئة.
عند تقديم حجج على أن السياسة النقدية فضفاضة للغاية بالفعل، يشير المنتقدون إلى أسعار الفائدة المنخفضة بشكل استثنائي وتوسع ميزانيات البنوك المركزية، لكن ميلتون فريدمان، عميد اقتصاديي النظرية النقدية في فترة ما بعد الحرب، برهن نفسه على أن كم المال وحده هو المهم.
ركدت المقاييس الخاصة بحجم المال الموجود في الاقتصاد القومي منذ أن بدأت الأزمة، على الرغم من أسعار الفائدة المنخفضة بشكل زائد والنمو السريع في ميزانيات البنوك المركزية.
تظهر البيانات في ''أموال ديفيسيا'' (وهي طريقة معروفة لتجميع مكونات النقود الموجودة في الاقتصاد القومي)، التي حسبها مركز الاستقرار المالي في نيويورك، أن كم المال الموجود في الاقتصاد القومي (إم 4) كان أقل بنسبة 17 في المائة من اتجاهه في الفترة ما بين عامي 1967-2008 في كانون الأول (ديسمبر) 2012. معنى ذلك أن الولايات المتحدة تعاني مجاعة، وليس تخمة.
وكما يصيغ كلاوديو بوريو، الذي يعمل في بنك التسويات الدولية، الأمر في دراسة حديثة ''الدورة المالية ومجال الاقتصاد الكلي: ماذا تعلمنا؟'': ''الودائع ليست هبات تسبق تكوين القرض؛ فالقروض هي التي تخلق الودائع''. وهكذا، عندما تتوقف البنوك عن الإقراض، تصاب الودائع بالركود.
وفي المملكة المتحدة، فإن نظير الإقراض لـ(إم 4) كان في نهاية عام 2012 17 في المائة، أقل مما كان في آذار (مارس) من عام 2009.
هؤلاء المقتنعون بأن التضخم الشديد قريب للغاية يعتقدون أن البنوك توسع نطاق الإقراض فيها كرد مباشر على مقتنياتها من الاحتياطيات في البنك المركزي. ووفقاً للمعيار الذهبي، فإن الاحتياطيات بالفعل محدودة. وتحتاج البنوك إلى النظر إليها بحرص إلى حد كبير.
على الرغم من ذلك، فإنه في ظل الأموال التي تصدرها الحكومة (وهي تلك التي تصنعها الحكومة)، ربما يكون عرض الاحتياطيات بلا حدود. نعم، يمكن أن تتظاهر البنوك المركزية بأن الاحتياطيات محدودة. ولكن، في الممارسة العملية، ستقترح البنوك المركزية الاحتياطيات دون حد على أي بنك ذي ملاءة (وكما شهدنا، على تلك التي ليس لها ملاءة). ومع كون البنوك المركزية قادرة على توفير الاحتياطيات في أي وقت تريده، فإن القيود الموجودة على الإقراض تتمثل في الملاءة والربحية. وتوسيع الاحتياطيات المصرفية، وهو طريق غير فعال لزيادة الإقراض، وليس طريقاً خطيراً.
وفي الظروف العادية، يستجيب الإقراض في البنوك للتغيرات في أسعار الفائدة التي حددتها البنوك المركزية. لكن، كما برهن لورد تيرنر، رئيس هيئة الخدمات المالية في المملكة المتحدة، في محاضرة مهمة تم إلقاؤها في الأسبوع الماضي: ''الدين، والمال، والشياطين''، فإن تلك الرافعة قد كُسرت.
رد صُناع السياسات بأن المحاولة هي ربما أكثر لجعل القطاع الخاص يقرض وينفق. بإمكان البنوك المركزية في الواقع دفع أسعار السندات، والأسهم، والعملة الأجنبية، والأصول الأخرى إلى القمر، وبذلك يتم تحفيز الإنفاق الخاص.
لكن، كما يبرهن لورد تيرنر أيضاً، قد يظهر أن تكاليف هذا المنهج مرتفعة. وهناك '' خطر في أنه أثناء السعي للهروب من فخ تقليص المديونية الذي خلقته تجاوزات في الماضي، ربما تكون بناء موطن ضعف مستقبلية''.
عبر ويليام وايت، كبير الاقتصاديين سابقا في ''بي.أي.إس''، عن قلق مشابه في دراسة عن ''سياسة نقدية متساهلة بشكل مفرط وقانون العواقب غير المقصودة''.
البدائل موجودة، كما يلحظ لورد ترنر، فهناك مجموعة من الاقتصاديين في جامعة شيكاغو استجابت لفترة الكساد بتقديم حجج تدعم قطع الصلة بين معروض الائتمان بالنسبة للقطاع الخاص وخلق النقود.
كان هنري سيمونز مؤيدا رئيسياً، لكن إرفينج فيشر الذي يعمل في جامعة ييل دعم الفكرة، كما فعل فريدمان في ''إطار نقدي ومالي من أجل الاستقرار الاقتصادي'' المنشور في عام 1948.
جوهر هذه الخطة كان دعما بنسبة 100 في المائة للودائع من خلال الدين العام. وهذا المخطط، كما برهنوا، سيقضي على عدم الاستقرار في الائتمان الخاص والدين الخاص، وسيقلل بشكل كبير الدين العام المعلن، وسيقضي إلى حد كبير على العيوب الكثير في الأشكال الحالية للدين الخاص.
خلصت ورقة عمل حديثة، ''خطة شيكاغو المنقحة''، من صندوق النقد الدولي إلى أن المخطط سيأتي بالفعل بهذه الفوائد.
دعونا لا نبتعد كثيراً. لكن هذه الخطة لا تزال تبرز نقطتين مهمتين.
أولاً، من المستحيل تبرير الرأي التقليدي الذي يقول إن الأموال التي تصدرها الحكومة يجب أن تعمل بشكل حصري تقريباً من خلال النظام الحالي للاقتراض الخاص.
لماذا يتعين توظيف العملة التي خلقتها الدولة في الغالب لدعم الأموال التي خلقتها البنوك باعتبارها مُنتجاً ثانويّاً ذي إقراض غير مسؤول غالباً؟ لماذا يكون شيئاً جيداً أن يتم دعم الاستفادة من الممتلكات الخاصة، وليس معروض البنية التحتية العامة؟
أنا لا أستطيع رؤية أي قوة أخلاقية في فكرة أن الأموال التي تصدرها الحكومة يجب أن تشجع فقط الإنفاق الخاص، وليس العام.
ثانياً، في الظروف الاستثنائية الحالية، حين يكون التوسع في الائتمان الخاص والإنفاق الخاص صعبا للغاية، إذا لم يكن خطيراً بشكل أكيد، فإن الدفاع عن استخدام سلطة الدولة التي تمكنها من خلق ائتمان وأموال لدعم الإنفاق العام، سيكون قويّاً. وسيكون كم المال الإضافي المطلوب من البنك المركزي بالتأكيد أقل مما هو عليه في ظل التسهيل الكمي الحالي قصير الأمد.
ولماذا لا يتم توظيف التمويل النقدي لإعادة رسملة البنوك التجارية، وبناء البنية التحتيّة، وتخفيض الضرائب؟ الأسباب المؤيدة للسماح لحالات العجز المالي بتسهيل تقليص المديونية الخاصة، دون توسع غير مبرر في الدين العام المعلن، هي بالتأكيد قوية أيضا.
ما يجعل هذه السياسة قوية للغاية هو مزج الإنفاق المالي مع التوسع النقدي، حيث يستطيع أتباع كينز التمتع بالأول، بينما يتمتع خبراء النظرية النقدية بالثاني.
وإذا كان القرار بشأن حجم التمويل يكمن في يد البنك المركزي وينظر، بدوره، إلى تأثير السياسة في الاقتصاد، فإنه لا يوجد داعٍ لأن يوّلد هذا تضخماً مرتفعاً، ناهيك عن التضخم الجامح.
هذا سيتطلب إجراء مناقشات بين وزارة المالية والبنك المركزي المستقل. فليكن، إذ إنه لا يمكن تجنب هذا في المآزق الشديدة للغاية.
يكون على المعانين من السرطان الخضوع لعلاجات خطيرة. لكن النتيجة قد تكون على الرغم من ذلك هي العلاج. وكما يلحظ لورد ترنر : ''فإن اليابان كان يجب أن تنخرط في قدر من التمويل النقدي المباشر خلال العشرين عاما الأخيرة، ولو كانت قد فعلت ذلك، لكان لديها الآن إجمالي ناتج محلي رمزي أكثر ارتفاعاً، ونوع من المزج بين مستوى أسعار أعلى، ومستوى ناتج حقيقي أعلى، ونسبة دين أقل إلى إجمالي الناتج المحلي''.
تعليقات