دفاع الحكومة عن إحالة المرسوم لـ'الدستورية' يناقض كلام الأمير.. بنظر النيباري

زاوية الكتاب

كتب 1046 مشاهدات 0


القبس

دفاع الحكومة بشأن إحالة المرسوم إلى 'الدستورية' يناقض كلام الأمير

عبد الله النيباري

 

في لقائه مع رؤساء تحرير الصحف الكويتية في 2012/11/8، أكد سمو الأمير «أن المرسوم يأتي في إطار حقوقه الدستورية، ومن له اعتراض، فأمامه المحكمة الدستورية».

وفي لقائه مع مجموعة من الأساتذة والأكاديميين، قال سموه «أعلن أمامكم، ومن خلالكم، للشعب الكويتي بأسره، أنني أقبل لحكم المحكمة الدستورية، إن جاء مخالفاً لتقديري.. سنقبل أي حكم مهما كان بكل طيب خاطر. فالعودة للحق فضيلة».

المقصود في عنوان المقال، هو تناقض الحكومة مع أقوال صاحب السمو، وفق ما جاء في مذكرتها، التي تضمَّنت دفاعها ضد الطعون المقدَّمة في بعض المواطنين في المرسوم بتعديل قانون الانتخابات إلى صوت واحد للناخب في خمس دوائر، بدلاً من أربع.

وارتكز دفاع الحكومة على الدفع بعدم اختصاص المحكمة الدستورية بالفصل في هذه الطعون، باعتبار أن المرسوم عمل من أعمال السيادة.

كما أشارت المذكرة إلى وجود أخطار خارجية، مدللة على ذلك بما جاء في خطاب سمو الأمير في 2012/10/19، وبناء على ذلك يصبح جوهر قضية الطعون في المرسوم يرتكز على ما إذا كانت سلطة المحكمة الدستورية تمتد لتشمل النظر في المراسيم بقوانين، وعلى الأخص ما إذا كانت تمس قانون الانتخابات. وهذا الأمر - أي اختصاص المحكمة الدستورية - كان محل اجتهادات واسعة في الفقه الدستوري.

وقد تصدَّى المحامون لدحض دفاع الحكومة، وعلى الأخص المحامي النائب السابق عبدالله الرومي والمحامي النائب السابق مشاري العصيمي، حيث اتيحت لي الفرصة للاطلاع على آرائهما ومذكراتهما في هذا الشأن.

المحامي عبدالله الرومي أثار نقطة تعارض مرسوم تعديل قانون الانتخابات مع الدستور (المادة 102)، التي تتناول موضوع قرار المجلس بعدم التعاون مع رئيس الوزراء (أي سحب الثقة) بناءً على استجواب مقدَّم إليه.

فالمادة 102، وفق ما أشار الرومي، تقول إنه في هذه الحالة يرفع الأمر الى سمو الأمير، وله أن يعفي رئيس مجلس الوزراء ويعيّن وزارة جديدة، أو أن يحل مجلس الأمة.. وفي حالة الحل إذا قرر المجلس الجديد بالأغلبية ذاتها عدم التعاون (سحب الثقة) مع رئيس الوزراء نفسه المذكور اعتبر معتزلاً من منصبه من تاريخ قرار المجلس في هذا الشأن وتشكل وزارة جديدة.

قدرة المجلس

ولكن تعديل قانون الانتخابات بمرسوم قد يؤدي إلى شلّ قدرة المجلس في استخدام هذا الحق الدستوري، بنزع الثقة من رئيس الوزراء المعاد تعيينه، مما يُعَد مساسا بحيادية الاحتكام إلى إرادة الشعب عبر الانتخابات، لأن السلطة التنفيذية ستكون حريصة على أن يفرز قانون الانتخابات المعدَّل مجلسا صديقا لها، مما يؤدي إلى تعطيل الصلاحية الدستورية لمجلس الأمة، بتعطيل ممارسة حقه، وفقاً لنص المادة 102 في إمكانية إسقاط رئيس الوزراء المعاد تعيينه، وهو يعني تعطيل العمل بالدستور.

أخطار

أما المحامي النائب السابق مشاري العصيمي، فقد أثار في مرافعته مسألة تذرع مذكرة الحكومة بالأخطار الخارجية، والاستدلال في ذلك على ما جاء في خطاب لسمو الأمير بتاريخ 2012/10/19، واعتبر ذلك تمسح مَن تعوزه الحجة.

وأزيد من عندي ان خطاب سمو الأمير، بعد إصدار المرسوم، ركّز على الخلافات الداخلية، فتعلق بالأداء البرلماني وتدني لغة الخطاب والفجور في الخصومة وإثارة الفتن، وصولاً إلى أن الأمر يتعلق بخلافات سياسية داخلية، لا شأن لها بأخطار خارجية، كما ادعت مذكرة الحكومة.

المحامي مشاري العصيمي تناول - بإسهاب - موضوع صلاحية واختصاص المحكمة الدستورية في النظر في الطعن في المرسوم، مدللاً على ذلك بالأسانيد التالية:

أولا: أشار إلى التناقض الشديد بين ادعاء الحكومة بعدم اختصاص المحكمة الدستورية وتصريحات سمو الأمير المتكررة، التي يؤكد فيها التزامه بقرار القضاء، حتى لو جاء مخالفاً لتقديره، فالعودة الى الحق فضيلة.

ثانيا: وهو أمر جوهري تناول ما استقر عليه الفقه الدستوري في هذا الشأن، مدللاً على ذلك بأن الفقه الدستوري، سواء في مصر أو في الكويت، استقر على سلطة المحكمة الدستورية في مراقبة شرط الضرورة في المراسيم التي تصدر في غيبة المجلس التشريعي.

وكانت مذكرة الحكومة استندت في ادعائها إلى الحكم الصادر من المحكمة الدستورية في عام 1982، باعتبار المرسوم من أعمال السيادة.

انتقاد

أشار العصيمي إلى أن هذا الحكم تعرَّض لانتقاد شديد من الفقه الدستوري، مستشهداً بأقوال د. عثمان عبدالملك ود. عادل الطبطبائي.

فالأول يقول «إن رقابة المحكمة الدستورية تمتد إلى شرط الضرورة، للتحقق من قيامه، باعتباره من الضوابط المقررة في الدستور لممارسة هذه الرخصة».

وجاء رأي د. عادل الطبطبائي متفقا مع د. عثمان عبدالملك، بأن رقابة المحكمة الدستورية تمتد إلى النظر في تحقيق الشرطين: شرط غياب المجلس، وشرط توافر الضرورة، للتحقق من قيامهما، باعتبارهما من الضوابط المقررة في الدستور.

وتطرَّق المحامي العصيمي بإسهاب إلى استشهادات د. عبدالملك ود. الطبطبائي بالأحكام الصادرة في مصر في هذا الشأن، مؤكداً أن الفقه الدستوري في مصر والكويت مستقر على سلطة المحكمة الدستورية في مراقبة شرط توافر الضرورة في المراسيم التي تصدر في غيبة المجلس التشريعي.

تدابير عاجلة

وشدَّد على أن الأمر في شأن المرسوم المطعون فيه، هو مشروعية إصداره، وبحث ما يستدعي اتخاذ تدابير عاجلة لا تحتمل الانتظار إلى أن يعود مجلس الأمة من غيبته.

ويمضي العصيمي في مرافعته، ليقول إن قانون الانتخاب يُعد من القوانين الأساسية المنظمة لحق من الحقوق الدستورية الثابتة للمواطنين، وإن التنظيم لا يُعد من المسائل العاجلة، حتى يُخشى عليها من فوات الوقت، وان مجلس الأمة الذي سيتولى مراقبة مدى توافر حالة الضرورة في المرسوم يستدعي النأي بأعضائه عن شبهة اتخاذ قرار لمصلحتهم.

وأشار إلى ما جاء في كتاب د. عادل الطبطبائي، من أن التدخل بمرسوم لتعديل قانون الانتخابات يجعل رقابة مجلس الأمة غير ذات جدوى، لأنه لا يُعقل ولا يُتصور أن أعضاء مجلس الأمة الذين أفرزهم التعديل سيلغون هذا المرسوم وإبطال عضويتهم!

وهذا ما حصل بشأن المرسوم موضع الخلاف، فقد أقره المجلس الحالي بصفة الاستعجال، وبأغلبية ساحقة لم يعترض عليه إلا عضوان.

وإقرار المجلس الذي جاء نتيجة للمرسوم لا يطهره مما شابه من عوار دستوري ولا يحصنه من رقابة المحكمة الدستورية التي تبقى نافذة، حتى بعد إقرار المجلس له.

إذاً، ما تطرَّقت إليه مذكرات المحامين ومرافعاتهم، يُعد إثراءً للفكر القانوني والسياسي، وهو الأساس الذي تبنى عليه المواقف السياسية تجاه القضايا العامة، وعلى الأخص قانون الانتخابات الذي على مدى نزاهته وحياديته وعدالته تنبثق إرادة الشعب في اختيار ممثليه، ولا ينقص من ذلك إذا شابه عدم حسن الاختيار.

فالآليات الديموقراطية تفسح المجال لتصحيح الأخطاء، من خلال التعلم وارتفاع درجة الوعي.

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك