قوات درع الجزيرة خطوة للتكامل الخليجي

عربي و دولي

5599 مشاهدات 0

جانب من تدريب درع الجزيرة

كدت أن ألوح لهم 'بغترتي' فرحا عندما قابلني رتل لقوات درع الجزيرة متجه للمشاركة في التمرين التاسع الذي يعقد حاليا في الكويت ،لكنني خفت من ثقافة مجتمعي التي لاتتضمن استقبال القوات، وقد تصمني بمفردة 'قاطع جادة 'وهي صفة أدنى بدرجات من 'قاطع طريق' بحكم إن الاولى لاتحتاج لشجاعة أو رأي سديد بقدر ماتحتاج لجرعة تلقائية حادة. لقد حال دون تنفيذ رغبتي جيب الشرطة العسكرية  الذي كان ينظم عبور القوات،مما أعطاني وقت  لقراءة كلمة  قائد الدرع اللواء مطلق الأزيمع والتي ألقاها عنه الرائد فهد المطيري في 9 فبراير2013م ، حيث شدني إعتذاره الى الشعب الكويتي 'عما سببه التمرين من تعطيل في حركة المرور أثناء دخول القوات وحجز منطقة برية واسعة لأغراض التمرين' فكيف يريدنا من يصف 'الدرع' بقوات الاحتلال في البحرين ان نتعاطف معه، وننسى هذا اللطف من منظمة عسكرية يعيش منتسبيها على العنف والشدة نابذين الجبن والتراخي حين إنجازهم شرف الدفاع عن أمن الخليج . ومن يسأل عن أبو نايف سيعرف أن اللطف الذي غلف كلماته هو تحقيق لصفة ' An Officer and a Gentleman' ومرده أن  قائد الدرع يحمل رتبة  'لواء ركن شاعر' وفيا بذلك لصفات فرسان جزيرة العرب الأولين .

وبين معنى الشجاعة والتلقائية والجبن وجدت انه عند إسترجاع اللحظة التأسيسية لمجلس التعاون  فى مايو 1980م نجد ان الشجاعة  هي من دفع المؤسسين الاوائل لاتفاق الرأي وإعلان قيام المجلس دون تردد أو خوف من المحيط الاقليمي و الدولي المكشر عن انيابه آنذاك. فالرأيُ قَبلَ شَجاعةِ الشّجْعانِ- هُوَ أوّلٌ وَهيَ المَحَلُّ الثّاني.و لا نتجاوز هنا حقيقة ان المرحوم الشيخ جابر الاحمد طرح الاقتصاد كمحرك للمجلس، لكنه وإخوانه رحمهم الله لم يشاوروا رجل أعمال أو تاجر حتى يمتشق عصا الجدوى الاقتصادية  ويضعها في عجلة التعاون الخليجي، بل أعلنوا قيامة دون تردد لأن اللحظة التأسيسية كانت أمنية محضة وأثمن من ان تترك في يد تاجر أو سياسي.

لقد أظهرت محاولات التكامل الاقتصادي الخليجي في الثلاثين عاما الماضية معدنه الاصلي وهو 'الخوف' عكس التعاون العسكري الخليجي ذوالمعدن القاسي . فرأس المال جبان وأزمة اليونان الاقتصادية أعطت الذريعة للتردد الخليجي  في قضية التكامل الاقتصادي ،ولذلك مازالت العملة الموحدة والبنك المركزي وتقسيم ريع الجمرك  عثرات تتطلب التضحية .لكنها تضحية لن يقوم بها من ميزانه الجدوى الاقتصادية فحسب، دون النظر للجوانب الامنية والسياسية. فلماذا لاننحي بالتكامل الاقتصادي جانبا ولو لمرحلة وجيزة ونعمل على إنجاز التكامل العسكري بين دول مجلس التعاون،ليكون العتبة التي توصلنا للوحدة المنشودة.

لم أحبذ ابدا الهتاف مع الحشود الكبيرة، لذا لم أردد معهم مقولة إن معوقات التكامل العسكري الخليجي تحول دون تحقيق الامن الجماعي المنشود ،بل إنني أزعم- مستيقنا أنه حق - بيسر تجاوز معوقات التكامل العسكري مقارنة بمعوقات التكامل السياسي والاقتصادي ، ومن تلك المعوقات :

-عدم تحديد مصدر التهديد بدرجة مربكة .بل إن بعض دول المجلس ترى الخطر في الخلافات الحدودية البينية،ولازالت  تكرره بين فينة وأخرى، لكنها لم تدمن هذا الطرح إدمانًا لا شفاءَ منه . وبناء شعور خليجي موحد بالخطر هو الحل،وقد يعجل بخلقه مؤثر خارجي كما فعلت الحرب العراقية الايرانية وإحتلال الكويت.ولعل في الطموح النووي الايراني وعدم استقرار العملية السياسية في العراق والثورة السورية خير حافز.

-نقص القوة البشرية لبناء جيش موحد، ولتجاوز ذلك لابد من وضع حلول غير تقليدية منها فتح باب التطوع على مستوى دول الخليج للانضمام المباشر لدرع الجزيرة، بالإضافة لفرض التجنيد الالزامي على شرائح معينة لسد النقص ، وضرورة اشراك المرأة في أعمال غير قتالية بالجهد العسكري الخليجي.

-التمسك بمبدأ السيادة بدرجة مفرطة حتى أصبح تحقيق بعض متطلبات التعاون العسكري يعني إهدار السيادة لدول لديها إحساس حاد بعدم الثقة بالإخوة الخليجية ، ولعل في تبعات الربيع العربي ماغير من هذا الاحساس .

-غياب سياسة تسلح موحدة، وهي معضلة يمكن جعلها ميزة باعتبار ان تنوع مصادر التسلح يلغي الاعتماد على مصدر واحد .

-ضعف الصلاحيات الممنوحة لدرع الجزيرة ،وقد بدأ المجلس بخطوات لتلافي ذلك بوضع الاستراتيجي الدفاعية الموحدة ،والقيادة المشتركة ، ممايعني حرية العمل ضمن ضوابط  هذه التنظيمات دون الحاجة لمراجعة صانع القرار السياسي في كل شاردة وواردة .

لقد جال بذهني وأنا أرى دخول قوات درع الجزيرة صدفة ،حقيقة ان التاريخ اليوناني والروماني لم يوثق شئ كما وثق مهرجانات استقبال القوات، وهو نهج سارت عليه الحضارة الغربية المعاصرة. وباستثناء قصيدة 'عرضة' وحيدة هنا وأخرى هناك نكررها في مناسباتنا حتى الملل. تخلوا ثقافة مجتمعاتنا  الخليجية من ماله علاقة  بإستقبال القوات.ومن يتذرع بقلة حروبنا،عليه أن ينظر مليا  في كل عقد مر على الخليج ليجد أنه لم يمر دون حرب أو حربين .وربما يعود غياب ثقافة الاحتفاء بدخول القوات الشقيقة والصديقة أننا جزء من ثقافة الرايات المنكسة والجيوش العربية المهزومة. لكن ذلك لايمنع من ان نخلق ثقافة إيجابية جديدة،  فاستقبال قوات درع الجزيرة هو إستقبال لأبنائنا العاملين ضمنها، ووداعهم بحفاوة على المستوى الشعبي  ليس ردا على من وصفهم في البحرين بقوات الاحتلال فحسب، بل  تعميق للتكامل العسكري الذي نضع به أمن الخليج  بالكامل في عهدة ابناء الخليج .و يكون خطوة نحو الوحدة الخليجية المنشودة .  

د.ظافر محمد العجمي-المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج

تعليقات

اكتب تعليقك