بيان الأزهر لا يمثل إلا الفكر الطائفي.. هذا ما يراه سامي خليفة
زاوية الكتابكتب فبراير 12, 2013, 12:08 ص 696 مشاهدات 0
الكويتية
بيان 'بنكهة' طائفية؟!
د. سامي ناصر خليفة
لا يزال مرض الفتنة الطائفية ينخر في جسم الشعوب الطامحة إلى الإصلاح والتغيير، ويثير العديد من الاستفهامات والاستبهامات التي من الضروري التصدّي لفهم منطلقاتها ودوافعها بكل شجاعة وواقعية. فلا يُعقل أن يتم التغاضي عن هذا المرض الخبيث من جانب والإفراط في معالجته بمنهجية انفعالية متشنجة من الجانب الآخر، لسبب أساسي هو أن من يصنع ويغذي هذا المرض ليس الشعوب أنفسها، بل عناصر دخيلة ذات بعدين سياسي وديني، وليس من الإنصاف لوم مسار الشعوب دون التيقن بتأثير هذين البعدين فيه!
فالبعد السياسي واضح ويتحدد في حالات التمييز الطائفي والعنصري وتشجيع الصدامات المذهبية لأغراض سياسية لا تمت إلى الفطرة والأخلاق بصلة، بينما البعد الثاني يتمثل في نهج الخطاب الديني عند بعض التيارات المتطرفة والذي يعتمد بشكل كبير على التعبئة الطائفية والتشكيك في نوايا الآخر والتحريض ضده بهدف إلغائه أو إقصائه أو إخراجه من ملة المسلمين، وتصويره على أنه أخطر ما يواجه مصالح الناس ولا بد من صدّه وإقامة «جدار عازل» بين أطياف الأمة وبين حقيقة التعدّد والتنوع المذهبي والفكري والسياسي!
هذا الخطاب الديني المهووس بفوبيا كره الآخر الذي يمثل شعاره الأبرز «أوقفوا المد الشيعي» لا يمكن التعامل معه بسذاجة، لأنه خطاب مؤسس على إيديولوجيا سياسية خطيرة لا تؤمن بالعدالة وحق التعبير والتعددية وما شابه، بل لا تولي القيم الإسلامية الإنسانية السمحة أي اهتمام، لأن تركيز هذا الخطاب متوقف على أهداف آنية وأنانية، وهي غير مؤهلة للانفتاح على مقاصد الشريعة الإسلامية التي جاءت لتسمو بالإنسان في هذه الحياة. ولعل أبسط وقفة مع «بيان جامع الأزهر» الذي أعقب لقاء بعض قاماته العلمائية بالرئيس الإيراني أحمدي نجاد، يوحي بالمأزق الحقيقي الذي تتخبط فيه من جراء الخطاب الديني الطائفي الذي يخرج من رحم رجال علم ودين.
لذا نتساءل متى ستخرج الشعوب من ترهات القرون الوسطى لتدخل في قرن الحريات وحقوق الإنسان والتعارف بين الشعوب والقبائل، كما أقره كتاب الله ومحكم تنزيله تعالى؟! وإلى متى سنظل نتعامل مع مقتضيات العصر ومشكلات الأمة بتلك الصورة التي أقل ما يمكن وصفها بأنها بعيدة كل البعد عن الوعي الإسلامي والإدراك المصلحي والحس والفطري؟!
إننا في عصر العلم والمعرفة ولا عصمة في الحوار ولا تقديس للنتائج ولا مسلمات بالاجتهاد، في وقت نرى الآخرين في بقية دول العالم يزدادون تكتلا ومعالجة لمشاكلهم وملاحقة للتخلف، بينما بعض من يتصدى للشأن العلمي في خير أمة أخرجت للناس يزداد شجاعة في تزيين واقعنا بورود الربيع الطائفي المسمومة.. إنه لأمر عجاب، نستغرق في صراعات جاهلية، بينما الأجندات الأجنبية الجديدة تتموقع على طول خط المواجهة بين الأنظمة وآلات الحركة المنظمة التي تدير حركة الشعوب وتسعى لاستثمار النتائج وقطف الثمار. وهنا نوجّه رسالة إلى رجال جامع الأزهر.. ما لكم أيها الأحبة كيف تحكمون؟! أليس الأولى بنا أن ننظم أمرنا، بزيادة وتيرة الحوار والتعارف والتواصل والتسامح والانفتاح لإصلاح ذات بيننا؟!
وأحسب أن «بيان جامع الأزهر» لم يتعلق بقضية السنة والشيعة، لأن هذه المسألة حلها التزام المتفق والحوار حول المختلف وعدم استيراد الخلافات التاريخية إلا خدمة للبحث العلمي، لكن هناك مشروعا سياسيا عالميا يراد فرضه على الأمة.. مشروعا يضمن سلامة عدو الشعوب العربية والمسلمة عبر التاريخ كله، إنه الكفر العالمي الذي لن يشعر بالاستقرار في مصالحه الدنيوية إلا بعد أن يتيقن أننا بدأنا نغرق في بحر الجاهلية، وعليه نؤكد أن البيان الأزهري لا يمثل إلا الفكر الطائفي الذي نهانا عنه نبي الأمة صلى الله عليه وآله وسلم في صدر الدعوة، وما الواجب اليوم من الشرفاء والمخلصين للشعوب إلا البحث عن البصمة الشيطانية في ثنايا هذا البيان من خلال قراءة الواقع في ضوء ثقافة التقوى الإسلامية الجامعة لكلمة المسلمين.
وكم كنا نتمنى من رجال جامع الأزهر أن يقتدوا بسلفهم شيخ الأزهر الأسبق المرحوم محمود شلتوت ويمتثلوا إلى منطق «تعالوا أيها المسلمون إلى كلمة سواء»، ولكن للأسف الشديد أصر هؤلاء الرجال في جامع الأزهر اليوم أن يضفوا النكهة الطائفية البغيضة على ربيع الشعوب، وبدلا من تحريف الوعي وتوجيهه بعيدا عن العدو الحقيقي، قاموا ببث سموم الفرقة والشقاق بين المسلمين. وأخيرا ليس لنا إلاّ دعوتهم إلى تحريك واقعنا وخطاباتنا الإسلامية، الثقافة القرآنية الحضارية القائلة:}يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون{َ. فهو المنهج الآمن والملاذ إلى الله تعالى موقع الاستعانة عما يصفون.
تعليقات