بناتنا عاملات نظافة!! بقلم د. محمد بن سعود المسعود
الاقتصاد الآنفبراير 10, 2013, 3:47 م 1997 مشاهدات 0
فيما يفترض أنه حدث عابر، لولا ــــ غيرة كليم الله ــــ موسى بن عمران ــــ عليه السلام..! كانت الفتاتان تذودان حول نفسيهما، وفي المكان، بين العلوج من رعاة الماشية! هذا الغريب القادم من مكان مجهول، لم يتقبل هذا، لم يرتضه، لم يجعله أمرًا طبيعيًا. فسأل عن الخطب؟ كان في وعيه أن وجود المرأة الأنثى، الطاهرة النظرة، والطاهرة النفس في هذا المكان (خطب)..! يستوجب معرفة سببه؟ ومعرفة دوافعه!
(وَلَمَّا وَرَدَ مآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا)،
وفي كتاب الله، تروي إحداهما إليه مبررات هذا النوع من اختلاط الضرورة وسببه القاهر، بعد أن يسلم الخطاب القرآني الإقرار بالاستفهام الاستنكاري (ما خطبكما؟).
تأتي الرواية القرآنية باللغة البلاغية الجزيلة السخية في إيجاز اللفظ وكثرة المعاني وتناميها، تجيب الفتاة.. أن حالة ــــ عجز ــــ عرضت على أبيهما (قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِير) والماء حاجة بحد الضرورة؛ لذا تدفعها بقدرها، من عدم الخلطة بالعلوج ــــ حتى يصدر رعاة الماشية ـــــ!
موسى بيقظة النبوة، وروحها المنسابة بالرحمة، وعلى الرغم من كونه نبيًا ومن أولي العزم من الأنبياء، لم يصدر فتوى عاجلة بالتحريم على الحاضرين، ويولّهم ظهره! ولم يتوقف عند الحديث عن ــــ الغيرة ــــ والعفة! ولم يٌذكّر أحدًا بالنبل والشرف والمروءة، كما أنه لم يبدِ أسفًا على مرارات هذا الواقع ببلاغة لفظية حزينة لينصرف بعدها، تاركًا خلفه الفقر وضراوته. والحاجة ومضاضتها وعضها على العظم الهش! بل بفاء المباشرة (فَسَقَى لَهُمَا).
فعل ما يجب فعله! من خلال فعل ــــ التحريم ــــ من خلال كفاية الحاجة!
سأعيد المعنى تارة أخرى ''فعل التحريم'' من خلال كفاية الحاجة! فمن يحرّم على فتاة ستر العوز، ورفع حكم الضرورة عن نفسها، ولباس عفتها وسترها، هو يكرهها على الخطيئة العظمى! وهي تبتغي العفة والستر والكفاية!
هذه جدلية قديمة تناولها الشاعر محمد بحر العلوم الشاعر العراقي المشهور.. وكان هذا الجدل مثارًا حين ذاك حول ــــ إمكانية عمل المرأة العراقية ـــــ خادمة، فكتب ـــ يرحمه الله ــــ قصيدته ''أين حقي'' التي أثارت جدلاً واسعًا ولا تزال:
وفتاة لم تجد غير غبار الريح سترًا
تخدم الحي ولا تملك من دنياها شبرًا
وتود الموت كي تملك بعد الموت قبرًا
وإذا الحفار فوق القبر يدعو:
أين حقي؟!
وبعيدًا عن التحليل ــــ الذي انطلق منه القائلون استنادًا إلى ــــ أن الفعل لو تٌرك وشأنه ــــ لا يوجد مقتضى للحرمة في نفسه، وأن أصالة الحل قائمة بكل يقين في هذا المورد وفي كل مورد يماثله.
أحسب هذا ــــ تبسيطًا ـــــ وإسقاطًا فوقيًا للتأصيل الفقهي لجريمة اجتماعية، وأخلاقية، وتنموية عظمى! وفضيحة على مستوى كرامة وطن ومواطنين. يغلب على ظني أن من يرتضي مجرد العنوان ـــــ سعوديات عاملات نظافة ـــــ. يغري المفسدين، ويحرض على نهب الفقراء أرغفة خبز أطفالهم!
إن موسى قدِم من بعيد ليرفع عوزًا وحاجة عن امرأتين غريبتين تسعيان للسقي من بئر! فيخلدها الله له قرآنًا يٌتلى! فكيف بمن يعيل، وبمن يكفي الكفاية والحاجة ويرفع العوز!
التحريم.. لكونه يفضحنا جميعًا، يفضح انعدام المروءة فينا، لو ــــ لا قدر الله كان ــــ، انعدام الغيرة على وطننا الكبير واسمه، ليس ذاك لكوننا نترفع عن المهنة كمهنة، ولا عن العمل بذاته، ولا في التحليل لو ترك ونفسه، ليس هذا ولا أي واحدة منه. بل لكوننا نروي صخبًا وفيضًا، وأنهارًا من هبات.. البعيد والقاصي.
ولكونها مسؤولية جمعية، وواجبًا كفائيًا، لا بد أن ينهض به بعض الناس ليسقط عن الباقين وإلا أثم الجميع، وحاسبهم الله عليه جميعًا. أعني واجب كفايتهن، والقيام بالنفقة عليهن، ولكوننا في اقتصاد ــــ بفضل الله ــــ أقل الموارد منه يكفي كرامة بنات الوطن من ابتذال أنفسهن في الصغائر المرذول من المهن والحرف. (وإن جازت شرعًا). وإن مجرد التسمية فيه مساس بالكرامة الوطنية في البيئة الاجتماعية الخليجية المعاصرة.
وإن المال العام, إن حرمه فساد، أو عدم حسن تدبير من البلاغ والكفاية والوصول إليهن، فإن من كرم أحسابنا، وأنسابنا، وشرف النفوس منا, ما يجعلنا كموسى ابن عمران.. يتولى السقاية والنضح من البئر ويتولى إلى ظل شجرة جائعًا يخبر ربه (فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِير). سأله لقمة تكفيه غائلة الجوع. ليس أكثر.
ولن يعدم المعروف منا، ولا فينا إلى قيام الساعة - بعون الله تعالى:
''الله.. الله.. في القوارير''
''الله.. الله.. في القوارير''
''الله.. الله.. في القوارير''
قالها ثلاثًًا.. يوصي بالنساء خيرًا ومحبة وكرامة
تعليقات