المنتج أم المستهلك؟ بلقم سعود بن هاشم جليدان

الاقتصاد الآن

453 مشاهدات 0



كلما ارتفعت أسعار سلع معينة مثلما حدث بالنسبة للأسمنت أو الدجاج أو المواشي، ارتفعت مطالب كثير من الناس بضرورة منع تصدير تلك المواد. وما نلبث فترة من الزمن إلا ويصدر قرار من قبل الجهات الحكومية المسؤولة بمنع تصدير تلك السلع، ولفترة من الزمن قد تطول أو تقصر. ومع أن قرار منع تصدير سلعة ما يبدو جيداً للمستهلكين، حيث يسهم في الحد من ارتفاع الأسعار أو حتى خفضها وتوافر السلع بكميات أكبر في السوق المحلية، إلا أنه في الوقت نفسه يفوتُ على المنتجين استغلال فرص الطلب المرتفع على السلع في الأسواق الخارجية وتحقيق أرباح أعلى من بيعها في السوق المحلية. وإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع أسعار أي سلعة سيزيد الأرباح المتحققة من إنتاجها، ويشجع على جذب الاستثمارات لإنتاج هذه السلعة، ويرفع مستويات التوظيف فيها، ويزيد من الناتج المحلي. وتصدير مزيد السلع والمنتجات المجذوبة بارتفاع الأسعار في الخارج، سيرفع صادرات الدولة ويعزز ميزان مدفوعاتها، لكنه في المقابل سيرفع الأسعار المحلية. وهنا قد يقف متخذ القرار بين خيارين: إما تفضيل مصلحة المستهلك ومنع تصدير السلعة، وإما تفضيل مصلحة المنتج ودعم النمو والسماح بتصديرها. وطبعاً من الأفضل الجمع بين الاثنين، لكن تحقيق هذا قد يكون صعباً بسبب تضارب مصالح الطرفين. من جهةٍ أخرى، ينبغي ألا ننسى أن المستهلكين ككل يسهمون بطريقة أو بأخرى في العملية الإنتاجية لجميع السلع والخدمات، ونمو الإنتاج يصب أيضاً في مصلحة المستهلكين آخر المطاف، ولهذا فإن وضع قواعد عامة تضمن العدالة بين المنتجين والمستهلكين هو أفضل الطرق لخدمة جميع المنتجين والمستهلكين.

ويعتبر فتح باب المنافسة أمام الجميع لإنتاج السلع والخدمات أفضل الطرق للحد من تكاليف إنتاج السلع والخدمات، حيث تتسبب المنافسة في خروج المنتجين (أو المسوقين والمستوردين والموزعين) الأقل كفاءةً وإنتاجيةً من السوق، وبقاء أفضل المنتجين وأكثرهم قدرةً على خفض التكاليف. وتعتبر المنافسة القريبة من مستويات الكمال أفضل ضمان للحصول على أقل الأسعار وأفضل المنتجات. وتفتح دول العالم أسواقها أمام الصادرات الأجنبية، وذلك لزيادة حدة المنافسة في الأسواق المحلية، ومنع المنتجين المحليين من رفع أسعارهم أو خفض نوعية منتجاتهم وتحقيق أرباح مبالغ فيها. ومن أجل تحقيق العدالة بين المستهلكين والمنتجين فإن فتح الأسواق المحلية أمام الواردات الخارجية، يتطلب حرية المنتجين المحليين في تصدير منتجاتهم. وعلى هذا الأساس تقوم اتفاقيات التبادل التجاري وحرية التبادل التجاري بين الدول.

وتمنع معظم اتفاقيات التبادل التجاري الثنائي أو متعدد الأطراف دعم الصادرات، حيث يؤدي دعم السلع والمنتجات حتى الخدمات، إلى خفض الأسعار إلى مستويات تقل عن التكلفة، أو تخرج المنتجين غير المدعومين من النشاط الإنتاجي بسبب تدني الأرباح إلى مستويات هزيلة، أو التسبب في إحداث خسائر لمنتجي الدول المستهدفه بالإغراق. من جهةٍ أخرى فإن دعم أي سلعة أو منتج يأتي على حساب المجتمع أو الدولة ككل، وقد ينتج عنه خفض القيمة المضافة الصافية، كما يتسبب في رفع النفقات العامة، وصرف الموارد عن الاستثمار أو الاستهلاك. وتتمتع بعض السلع والمنتجات في المملكة بدعم كبير يتجاوز مستوى أرباحها، فصناعة الأسمنت مثلاً تتلقى دعما على شكل أسعار طاقة منخفضة تتجاوز عشرة ريالات للكيس الواحد عند أسعار النفط الحالية، كما تحظى الصناعات البتروكيماوية بدعم كبير من خلال الخفض الكبير في أسعار اللقيم. وتضطر الدول في كثير من الأحيان لدعم خدمات أو سلع أساسية تشكل نسبا مرتفعة من استهلاك الشرائح السكانية الفقيرة أو المتوسطة. فإذا كان المستهدف من الدعم هو المستهلك المحلي، فإن من المنطق، بل من الملزم إعادة هذا الدعم إلى المجتمع في حالة تصدير السلعة أو المنتج، حيث تتوقف مسؤولية الدولة عند حدود المجتمع المحلي، وليس من واجبها دعم المجتمعات الخارجية، كما أن تصدير الدعم إلى الخارج يتنافى مع أسس المنافسة العادلة في الدول التي لا تدعم منتجاتها. إن استرجاع الدعم من السلع المصدرة حق من حقوق المجتمع، وفي المقابل فإن حرية التصدير هي أيضاً حق من حقوق المنتجين وتصب في مصلحة المجتمع ككل. ولا ينبغي منع التصدير أو الحد منه أو التدخل في حركة السلع، إلا في حالات الضرورة القصوى، أو انخفاض مستويات المنافسة، ووجود قوى احتكارية في الأسواق.

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك