اجراءات الحكومة تعسفية ومجافية للدستور

محليات وبرلمان

السعدون يستعرض مبادئ دستورية تتنافى مع نهج الملاحقات السلطوية

1910 مشاهدات 0

أحمد السعدون

في ظل استمرار الملاحقات والإجراءات الحكومية التعسفية المجافية لأحكام الدستور وأحكام المحكمة الدستورية ، التي تجري لبعض أعضاء مجلس الأمة السابقين ولناشطي الحراك الشبابي وللناشطين السياسيين من الجنسين ، وما يرافق ذلك من تلفيق للتهم ومن ممارسات وانتهاكات لحقوق الإنسان ، تذكرت البحث القيِّم لفقيه الكويت وفقيدها الراحل المغفور له بإذن الله تعالى الاستاذ الدكتور عثمان عبدالملك الصالح بعنوان :

' حق الأمن الفردي في الإسلام - دراسة مقارنة بالقانون الوضعي - مقدم الى ندوة حقوق الإنسان في الإسلام التي نظمتها جامعة الكويت بالإشتراك مع لجنة الحقوقيين الدولية واتحاد المحامين العرب المقامة في الكويت من ٩ الى ١٢ ديسمبر عام ١٩٨٠'.

والمنشور في مجلة الحقوق التي يصدرها مجلس النشر العلمي - جامعة الكويت
المجلد :7 العدد : 3 1983، حيث جاء في تقديم البحث ( الدراسة ) ما يلي :

''تهدف هذه الدراسة إلى بيان حق الأمن الفردي الذي يعني ضمان قدر من الطمأنينة ، حيث يستطيع الفرد بفضلها وعلى أساس من النظام القائم في الدولة أن ينظم شؤون حياته ويهيىء مستقبله .
وعرضت الدراسة حق الأمن الفردي في النظرية العامة للتجريم والعقاب في الإسلام ، وفي الإجراءات الجنائية ، ومناقشة مبدأ المشروعية وسيادة القانون من خلال عقد مقارنة بالقانون الوضعي والشريعة الغراء .
ودعت الدراسة إلى تضافر الجهود لإحياء تراثنا الفقهي العظيم ، فنظرا لظروف الحياة المعاصرة لم تعد الطاقات الفردية قادرة على القيام بهذا الدور ، بل يجب أن تقوم به الجامعات والجمعيات العلمية تحت رعاية الحكومات ماديا وأدبيا حتى تتوافر مقاومات النجاح .
وأشادت الدراسة بالشريعة الإسلامية التي لها فضل السبق في تقرير حق الأمن الفردي بتوفير ما يلزم لذلك من الضمانات ، وهو الحق الإنساني الذي بدونه لا تقوم للحريات قائمة .'' ( انتهى )

وعلى الرغم من انني أشرت إلى هذا البحث في مناسبة سابقة ، وعلى الرغم من أن هذا البحث القيِّم يستحق أن يقرأ كاملا مرة أخرى خاصة في ظل الظروف الحالية ، إلا أنني رأيت أن أورد بعض ما تضمنه هذا البحث القيِّم وهو كما يلي :

''' وقد كتب عدي بن أرطأة عامل عمر بن عبدالعزيز يسأله في توقيع بعض العذاب على الممتنعين عن أداء مستحقات الخزانة العامة ، فكتب إليه عمر منكرا ذلك : ((أما بعد ، فالعجب كل العجب من استئذانك إياي في عذاب البشر كأني جبة لك من عذاب الله ، وكأن رضاي ينجيك من سخط الله ، اذا أتاك كتابي هذا فمن أعطاك ما قبله عفوا وإلا فأخلفه ، فوالله لأن يلقوا الله بجناياتهم أحب إلي من أن ألقاه بعذابهم والسلام [٧]))

ويؤكد فقهاء الشريعة عدم جواز تعذيب المتهم أو إساءة معاملته بقولهم ان الشارع قد نهى عن التعذيب والمثلة حتى ولو كان ذلك في الكلب العقور فكيف الأمر اذا أوقع ذلك على المسلم (٨) .

وما أروع ما ضربه النبي الأمين ، من مثال لنا عملي وصادق ، على وجوب معاملة المتهم معاملة إنسانية تبسط لسانه ، وتجرئ قلبه حتى لا يدلي باعتراف غير مطابق للواقع أو مظلل للعدالة . وذلك حين أتي اليه برجل فقيل هذا سرق : فخاطبه النبي برفق قائلا (( ما أخاله سرق ، أسرقت ؟ (٩) )).

ويتضح لنا جليا أنه في ظل أحكام الشريعة الإسلامية لا يجوز إخضاع المتهم لأي تعذيب أو لمعاملة قاسية أو غير إنسانية .

٥ - عدم جواز إكراه المتهم على أن يكون شاهدا ضد نفسه :
لا يجوز في ظل أحكام الشريعة الإسلامية إكراه المتهم على أن يكون شاهدا ضد نفسه ، وذلك بالإدلاء بأقوال تسئ الى مصلحته . واعتراف المتهم الذي يتم نتيجة للإكراه أو التعذيب أو الحبس لفترة تجاوز ما يقضي به الشرع لا يجوز أن ينهض دليلا في الإثبات. فالاعتراف في ظل الشريعة ، عمل إرادي ينسب به المتهم الى نفسه ارتكاب وقائع معينة مما تتكون به الجريمة ، ويبطله كل عيب من عيوب الإرادة يعلق به . ولقد روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال : (( ليس الرجل بمأمون على نفسه ان أجعته أو أخفته أو حبسته أن يقر على نفسه )) (١) . كما روى محمد ابن اسحق عن الزهري أنه قال (( أتى طارق بالشام ، برجل قد أخذ بتهمة سرقة ، فضربه فأقر بها ، فبعث به الى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما يسأله عن ذلك ، فقال عمر : (( لا يقطع فانه إنما أقر بعد ضربه إياه )) (٢).

بل ان الشريعة قد ذهبت الى ابعد من ذلك حين صانت المتهم من ضعف نفسه ومنطلقات لسانه التي يدلي بها حتى ولو بدون أي إكراه ، وذلك حين قرر فقهاؤها عدم الاكتفاء بالإقرار الذي يدلي به المتهم لأول مرة واشترطوا أن يتكرر الإقرار بقدر عدد الشهود، واستوجبوا ان يكون في كل مرة واضح الدلالة على ارتكاب الجريمة بحيث يكون نصا في اقترافها ويصر عليه المقر ولا يوجد دليل يتعارض معه . فان وجدت شهادة تتعارض مع الإقرار لا يؤخذ به لقيام الشبهة عندئذ .

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة ما عز أنه لما أقر عنده بالزنى لقنه الرجوع في إقراره:
فقال عليه الصلاة والسلام لعلك قبلتها ، لعلك مسستها. كذلك قال عليه الصلاة والسلام لامرأة متهمة في السرقة أسرقت ؟ قولي لا ما أخالك سرقت . وليس ذلك الا تلقينا للرجوع عن الاقرار (٣). والقاضي الإسلامي ملزم باتباع سنة رسول الله وكذلك الحاكم : فيجب عليه اذا اقر عنده احد بجريمة من جرائم الحدود الخالصة ان يعرض له بالرجوع (٤) .

ويتضح مما سبق بسطه ان الشريعة الاسلامية لم تكتف بتقرير عدم جواز إكراه المتهم بان يكون شاهدا ضد نفسه بل حمته في هذا الصدد حتى من منزلقات لسانه وضعف نفسه ، التي قد تقوده الى ان يقول ان صدقا أو كذبا ما ليس في صالحه أو الى ان يدلي باعتراف غير مطابق للواقع أو مظلل للعدالة . وهذا ما لم تبلغه بعض القوانين الوضعية حتى الآن .(انتهى الاقتباس)

ويختتم الاستاذ الدكتور عثمان عبدالملك الصالح طيب الله ثراه هذا البحث القيِّم بالفقرة التالية :

''وانه لمن الحق ان نؤكد حقيقة لمسناها من خلال دراستنا لهذا الموضوع وهي : ان مبادئ الشريعة الاسلامية ، شجرة وارفة الظلال ، ناشرة للعدالة راعية للسلام ، مباركة لا شرقية ولا غربية ، يغمرها نوران ، نور الشرع ونور العقل ، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور .''

ملاحظة : الأرقام بين الأقواس(-) إشارة إلى مراجع وردت في البحث .

الآن - كتب: احمد السعدون

تعليقات

اكتب تعليقك