الخليج العربي «مجتمعاً» يمتلك مصادر قوة ناعمة لا يستهان بها.. برأي الطبطبائي

زاوية الكتاب

كتب 1803 مشاهدات 0


الراي

من بين الآراء  /  دول الخليج.. والقوة الناعمة!

عمر الطبطبائي

 

«فعندما تجعل البلدان القوة مشروعة في نظر الآخرين، فإنها تواجه مقاومة أقل لرغبتها، واذا استطاع بلد ما أن يشكل قواعد دولية متماشية مع مصالحه وقيمه، فإن من الأرجح أن تبدو أعماله مشروعة في عيون الآخرين»... جوزيف ناي، استاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد.
نعيش في عالم مجنون لم ولن يتوقف عن التطور، ففي كل تخصص هناك مبدعون غيروا مجرى الحياة وأساليب عيشها، فالتكنولوجيا اليوم ليست كتكنولوجيا الأمس، والوسائل الطبية اليوم تطورت عن الأمس بشكل ملحوظ والاختراعات في مجال الطاقة وغيرها قد تغير العالم قريبا، فالتطور كالضوء ان لم ترفع ستائرك له حتى تنير أرضك ستظل الى الابد في عتمة التخلف. 
فكما قلنا طالما ان هناك مبدعين فإن التطور لا يقف عند تخصصات محددة إنما بمقدوره ان يغير أي شيء من طور الى آخر كمفهوم التحكم بالقوة!
لقد تطور مفهوم التحكم بالقوة في عالمنا الحديث، فبعدما كانت القوة الصلبة (العسكرية) ومن بعدها القوة الاقتصادية حكرا لبعض الدول أتى مفهوم القوة الناعمة لتكون متاحة لأصحاب العقول! وهي القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلا عن الإرغام أو دفع الاموال أي من خلال جعل الآخرين يريدون ما تريد.
تساهم القوة الناعمة بشكل كبير في علاقات الدول وتشكيلها، فمن خلالها نرى اليوم اهتمام الولايات المتحدة بموارد قوتها الناعمة كهوليوود التي اقتحمت كل بيت في العالم من خلال أفلامها، والتعليم من خلال استقطاب اعداد كبيرة من طلاب العالم للدراسة في جامعاتها حيث ان الطلاب يعودون الى أوطانهم بتقدير أكبر للقيم والمؤسسات الاميريكية وهذا ما سيشكل خزانا رائعا للنوايا الحسنة تجاه أميركا، وكذلك عندما سقطت حكومة طالبان في أفغانستان عام 2001، طار وزير خارجية الهند الى أفغانستان كي يرحب بالحكومة الجديدة على متن طائرة لم تكن محملة بالأموال أو الاغذية انما كانت محملة بأشرطة سينمائية وموسيقية من بوليود ليتم توزيعها على سائر انحاء أفغانستان!
إن للقوة الناعمة موارد ومصادر تستطيع من خلالها «جذب» فئة كبيرة في سائر بلدان العالم لذلك نرى فرنسا تحتل المرتبة الاولى في صناعة العطور وفي جوائز نوبل للآداب وفي اجتذاب السياح لها، كما نرى ان بريطانيا هي الاولى في اجتذاب ملتمسي اللجوء السياسي كما تحتل المرتبة الخامسة في العالم كمضيفة لمواقع شبكة الانترنت، وهل سألت نفسك عزيزي القارئ لماذا تهتم بريطانيا في دوري كرة القدم؟... نعم ان كرة القدم في بريطانيا تعتبر أحد موارد القوة الناعمة، ولو ننتقل الى اليابان فإنها متسيدة الدول الآسيوية في فهم القوى الناعمة لذلك نرى اهتمامها في الحفاظ على موارد قوتها، فهي تحتل المركز الاول في العالم في براءة الاختراع والمركز الثاني في عدد مضيفي مواقع شبكة الانترنت كما انها تحتل المركز الاول في كل من تقديم المساعدات الإنمائية وصناعة ألعاب الفيديو المنزلية! وأيضا لا نستطيع تجاهل دولة مدينة الفاتيكان وقوتها الناعمة من كونها مركز القيادة الروحية للكنيسة الكاثوليكية في العالم.
إن كل ما سبق يعتبر أمثلة رئيسية لمصادر القوة الناعمة ومن خلالها تستطيع الدول استغلالها لتحقيق ما تريد من خلال عامل الجذب وهذا ما يدعونا للتساؤل عما اذا كانت قيادات دول المجلس التعاون على دراية عن تطور مفهوم القوة اليوم ام لا؟
إن دول الخليج العربية «مجتمعة» تمتلك مصادر لا يستهان بها للقوة الناعمة، وان بإمكانها تحقيق أهداف كثيرة لتكون قوة لا يستهان بها في جغرافية الأرض بدلا من كونها مجرد حروف عليها، ناهيك عن انها تعد من أكبر المُنتجين والمُصدرين للبترول في العالم، وتمتلك نسبته اكثر من 60 في المئة من إجمالي الاحتياطي العالمي لأوبك.
إن مقومات نجاح استخدام القوة الناعمة تكمن في ثلاثة امور رئيسية، أولها معرفة مصادر القوة التي يمكننا استخدامها، ثانيا تحديد الاهداف ورسم استراتيجية للمستقبل، وأخيرا الصبر، ونجاح القوة قائم على توحيد أهداف هذه الدول بما يخدم المنطقة لتُترجم في مواردها وانتاجها كقوة ناعمة، فالكويت تمتلك قوة الفن والديموقراطية وصندوق التنمية كمصادر للقوة الناعمة، كما تمتلك قطر مصدرا جبارا لانتاج القوة الناعمة تكمن في قناة الجزيرة، ولا يستهان في مملكة البحرين ومحاولتها لتكون مركزا مصرفيا ماليا وعمان من خلال تاريخها واسطولها الذي كان يحكم المنطقة، والسياحة في الامارات حيث باتت أماني كثير من الاوروبيين والاميركيين زيارة دبي، وأخيرا وجود الحرمين وقبلة المسلمين في المملكة السعودية، فكل هذه المصادر تشكل قوة خيالية نستطيع من خلالها التأثير والجذب لتحقيق أهدافنا اذا استوعبت دولنا الخليجية معنى القوة الناعمة، فالتطور بحاجة الى عقول تستوعب وتواكب وتطور!
د ا ئ ر ة م ر ب ع ة :
«إن القيادة ليست مجرد قضية إصدار أوامر، بل إنها تنطوي أيضا القيادة بالقدوة، واجتذاب الآخرين لعمل ما تريد»... جوزيف ناي، كما يقول أيضا ان التوازن في استخدام القوتين الصلبة والناعمة ستولد قوة جديدة تسمى القوة الذكية «Smart Power»، وهنا أوجه سؤالا لحكومات دول الخليج، ماذا سيتولد لو وازنا بين القوتين الاقتصادية والناعمة؟

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك